كنا اطفالا أبرياء ونحن نجري حفاة شبه عراة في أزقة المخيم بلوك ج ومخيم العقاد المجاور من الشرق خلف (الواوي) بائع الذرة بسرواله الاسود وفرشه الخشبي وهو ينادي ولا (عبد الوهاب) في زمانه.. بصوت شجي يشع بؤسا يليق بالمخيم ... سخنة الذرة السخنة ...خلي اعتمادك على الله !!
لم أكن اعلم أن هناك ماهو سخن في هذه الدنيا سوى شاي أمي و طبيخ أمي..!! والذي كان أبي يضع فيه لقمة كبيرة لتمتص الحرارة لنهجم بعدها كالبساس على (دمسة العدس) مهللين مكبرين داحرين الجوع منتصرين..!!
لم أكن قد تذوقت بعد طعم الذرة المشوية السخنة والمدللة في كيس خيش ولا يلقاها الا القادرون..!!
ولما لمحتها أول مرة في يد طفل يصغرني بسنوات .. هيفاء صفراء مشوية يشوبها سواد أخاذ تخيلتها (هند رستم) المغرية في ملايتها السوداء على شاشة سينما الوكالة فهجمت بشكل لا ارادي وخمشت خمشتين وفررت... يا الهي كم هي فاتنة و لذيذة!!
طلبت من أمي قرشا وألححت... اريد كوزا كبيرا يما مش من ابو تعريفة !!..بكيت ورجمتها بالحجارة أمام نسوان الحارة ولكني أكلت منها -الله يرحمها- علقة نصها موت بقنو البلح امام الجيران ...اخبط وارقع ولا أحد يفزع...!!
في النهاية لم أهن عليها فبكت علي وتداينت من (أم حسين) قرشا نحاسيا احمرعليه صورة الملك فاروق.. هرولت مسرعا الى مخيم العقاد الذي انجب بصمت الرنتيسي عبد العزيز ودحلان محمد وكلاهما ظهرا فيما بعد قرنين بارزين عديقين في فصيلين كبيرين من فصائل الثورة والمقاومة ...!!
وجدت الواوي وآخر كوز... التهمته في الطريق.. تلمظت كذئب وعدت الى الحارة منتصرا على حرمان وعيت عليه وهو يلازمني كظلي...!!
كل هذه الذكريات خطرت ببالي وانا اقرأ مرافعة (صديق)عن مؤتمر( عين السخنة) -والسخن بالسخن يذكر- وتبريراته الحريرية الزاهية الواهية أن هذا المؤتمر أنما يعقد لله ف لله ولنصرة القضية والتاكيد على المنظمة و الشرعية وانه أي المؤتمر والمشاركين فيه قمة الوطنية وملائكة أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ..!!
كنت دائما أقول لصديقي هذا .. انا نحترمك و نحترم عقليتك البراجماتية الناعمة السائلة.. فاحترم بالمقابل عقولنا الجافة القاسية !! .. نحن يا صديقتنا لا نشك اطلاقا في نوايا مصر والمصريين بقدر ما نشك في نوايا فلسطينيين لاهثين ..مستوزرين.. مطبلين.. في كل واد يهيمون وفي كل ماء يخوضون !!
الانسان العادي لايحتاج الى كثير ذكاء لكي يبرئ الدعوة والداعي لكنه يحس ويشعر أن هذا المؤتمر موجه بريموت كونترول !! حدد اسماء المدعوين (القرعة وام قرون) من قطاع غزة.. تشكيلة حلويات ما شاء الله عليها منها ماهو مقصود ومنها ما هو مردود .. فمنهم من تجنح وافتخر ومنهم من تعبس واعتذر ومنهم من تحمس وانتصر!! ومنهم من استقل فباع نفسه لمن يدفع أكثربالدولر !!
والاهم من ذلك ان هذا المؤتمرالبندوق رتب من وراء ظهر السلطة الوطنية مما دعاها للانزعاج والاحتجاج ..!!
الامر الذي ابتهجت له طبعا حماس نكاية في عباس.. وتدخل المغاوير المتجنحون والبراجماتيون والوصوليون بكل راجماتهم الالكترونية للدفاع وصد الهجوم العباسي المرير .. !!
ومع احترامنا الشديد لمسعي عين السخنة الملائكي الخطير..فانه حسب قانون لعبة كرة القدم السياسية يعتبر(اوف سايد) واضح لا يصح مع سلطة تمثلنا مهما اتفقنا معها او اختلفنا ... ولنكن اكثر صراحة .. فان رائحة الطبخ تدل على نوعية الطبيخ..!! ولا ينكر احد ان فيها يد ورجل لقائد ثوري طموح متمرد مشكل مثير للجدل ومغضوب عليه..!! هو محمد دحلان لعلاقته المتميزة بالمصريين ودوره المالي في دعم السيسي مع النسايب الاماراتيين..!!
محمد دحلان ... ابن حمامة وابن مخيم .. لا اذكر اني رأيته قبل الاستوزار...وأدرك انه من جيل بعد جيلي عرف مثلي الجوع والفقر والمجبر (الاخرس) وسلال البوص والجبجب وجميز ابو رمضان حمودة البلمي...واعرف انه تذوق يوما الذرة السخنة وحفيت اقدامه في مشاوير المخيم وعاش ماعشنا من هم وغم حيث الحمامية واليبانوه والبشاشتة في جوار وحوار..منذ وعينا الى ما انتهينا.. !!
بزغ قمره بيننا في الانتفاضة الاولى ويبعد الى المنفى فتظاهرنا وولعنا (العجال) واستشهد منا من استشهد يوم ابعاده.. لعب معه الحظ واحتضنه الزعيم الرمز في تونس فأ صبح بسرعة البرق زعيما .. يستبدل ذرة المخيم بما هو ألذ... ثم يعود مع العائدين لأراه المرة الاولى والاخيرة عن بعد في خان يونس وسط حشد من مريديه ومستقبليه مقابل مطعم ابو شاويش الشهير... ويتولى ابن المخيم أمن البلاد والعباد فيقرب الاقربين ويبعد الابعدين كعادة المسؤولين في ضيعة (الامن الوقائي) المتين!! ونعرف بيته العظيم المحاط بالاسرار والبراميل أعلى تله تواجه البحر... ليتحول الثائر الكبير كما تقول بعض الروايات الى فرعون صغير..ورجل أعمال معابر وحصمة واتاوات...وكتائب موت وهاتوا يا ولاد في جو مليء باحباط و فساد!!
كان الثائر يلعب معنا كما كنا نلعب معه في المخيم لعبة حاكم وجلاد..!!
لكن يحسب له انه لم ينس مخيم العقاد ولياليه فنغنغ من فيه .... ربعه وأحبته ومن والاه واكثر من ذلك ساعد ابن حارته وجاره (عبد العزيز) الاخضر العنيد وداراه.. الى ان اختاره الله بقصف زنانة جبانة وكل منا مهما طالت سنامته يوما الى مولاه..!!
وكما كل زعيم يختلف الناس ويتفقون حوله .. فهناك من يقول انه ثوري عنيد لا يشك في ثوريته وأنه بريء مما ألصق به من بلايا وآثام ..!! وهناك من يقول أنه رجل امريكا واسرائيل تمرد ذات يوم على زعيمه وملهمه مصرحا :(آن للختيار ان يعتزل )..!! وانه لم يحسن آداء مهمته وكان بفرعنته سببا مباشرا فيما حدث من انفلات وفساد وانقسام..!! وبالتالي انقسم الناس من حوله بين مريد وحاسد ومنتفع وحاقد.. وظهر ذلك جليا في الشد بين مواليه ومعارضيه في غزة وفي رام الله حيث عانى الغزازوة هناك وليس محمد دحلان وصحبه فقط كما سمعنا من عنصرية صامته احيانا وظاهرة احيانا اخرى..!!
لا شك ان محمد دحلان وعباس وحماس لعبوا (اوف سايد) على الختيار يوما .. ويلعب دحلان وحماس اليوم اوف سايد على عباس ايضا والذي ينظر الى تاريخنا من بعد النكبة على الاقل يجد انه مليء ب الاوفسايدات من حد المفتي الحسيني للشقيري لعرفات لعمان لجنوب لبنان لروابط القرى لتل الزعتر لابو موسى لصبرا وشاتيلا لتونس لمدريد وحيدر عبد الشافي لاوسلو للمنتدى للمقاطعة لعباس لدحلان وصولا لحماس.....!!
ولاشك أيضا ان محمد دحلان وحماس يلتقيان ويفترقان ويتقاطعان حسب المصلحة...فهما يتفقان في انهما براجماتيان قد يتحالفان مع الشيطان وصولا الى الهدف وهدفهما واحد هو كرسي القيادة ..!!
وهما في الحقيقة لا يثقان ببعضهما البعض رغم تقاطع المصلحة ورغم ان العدوالاول والاساس تحول لديهما من اسرائيل الى عباس..!!
محمد دحلان له ما له وعليه ماعليه... فهو بشر يخطئ ويصيب ..وحسابه عند ربه ثم التاريخ ....!!
لكن الانتماء لا يجب ان يكون له او لعباس أو لحماس ولا لأي لون او فصيل وانما أولا لرب الناس ثم وطن عشقنا ترابه ..!!
لهذا .. وللخروج من دوامة الانقسامات وبالاخص هذا الانقسام الفتحاوي البغيض الذي يطيل في عمرالانقسام القبيح و يؤثر بالقطع سلبا على كل الغلابا غير المتفتحين وغير المتحمسين فاني أرى كعبد فقير ان تحتوي المقاطعة أمر دحلان بالحسنى لانه يمثل شريحة من فتح لا بأس بها ولان وراءه ما وراءه ..!!وبالمقابل عليه ان ينصاع لمحكمة سلطة هو ابنها لتقرر في أمره بالعدل ويستأنف حكم طرده... بدلا من مواصلة لعبة عدمية قديمة جديدة مللناها ومللنا كل لاعبيها الاغبياء وارجعتنا خمسين عاما الى الوراء، ومن هنا نفهم سبب لوم صحيفة الاهرام المصرية للسلطة الوطنية لانها لم تتساوق مع مؤتمر عين السخنة.......!!
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من زلل أو خلل.........
بقلم/ توفيق الحاج