بات من شبه المؤكد أن حركة "فتح" ستعقد مؤتمرها السابع قبل نهاية العام الجاري، مالم يحدث ما يؤدي إلى التأجيل، إلى أعوام لاحقة، رغم كل المؤشرات الدالة على جدية الإجراءات المتخذة على صعيد حركة "فتح" لعقد مؤتمرها السابع قبل نهاية العام، إستجابة لجملة من العوامل والمتغيرات الداخلية أولاً، والخارجية ثانياً.
من أهم العوامل الداخلية التي تدفع بإتجاه عقد المؤتمر هي تأكيد وحدة الحركة، وتمتين بناءها الداخلي، لما تمثله ماضياً، وحاضراً ومستقبلاً، في بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، ومشروعها التحرري، والتي تماهت معه، تماهياً كاملاً على مدى أزيد من خمسة عقود خلت، مثلت المحرك الرئيسي له في كافة محطاته، وتحولاته، وبرامجه الإستراتيجية، العليا، والدنيا، والمرحلية وما بينها، وتحملت العبء الأكبر في تجلياته، وإنجازاته على طريق العودة والحرية والإستقلال.
لذا ينظر الكل الفلسطيني لحركة "فتح" نظرة خاصة، لا ينظرها لأي فصيل آخر، ويعول عليها بما لا يعوله على غيرها، فعقد مؤتمر "فتح" مسألة تهم الكل الفلسطيني، وليس الفتحاوي فقط، في حين نجد أن فصائل أخرى تعقد مؤتمراتها دون أن تثور حول مؤتمراتها ثائرة، ودون صخب يرافقها، وقد لا يعرف عن عقد مؤتمراتها سوى أعضاءها وكأن ذلك شأن خاص بها فقط.
لقد تمكنت "فتح" أن تحافظ على "فتح"، وعلى دورها الريادي في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني عبر كل مراحلها ومؤتمراتها السابقة، لتبقى ((فتح هي فتح)) الإستجابة لتطلعات الكل الوطني الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً، ومن هنا تأتي الأهمية والصخب المرافق للإعداد لمؤتمر "فتح" السابع فلسطينياً، وعربياً، ودولياً.
لا شك أن كل مرحلة جديدة تحتاج إلى مراجعة ما سبقها من مراحل، والوقوف على إنجازاتها وإخفاقاتها وإجراء تقييم شامل، والإعداد الواعي واليقظ لعبور المرحلة التالية، ومراكمة الإنجازات حتى يتحقق الهدف الذي وجدت من أجله الحركة الوطنية الفلسطينية وعمودها الفقري (حركة فتح)، إمتازت حركة "فتح" عن غيرها من الحركات الفلسطينية بعدم غرقها في وحل الأيديولوجيات والتوهان في سراديبها، بل كانت دائماً تلامس حاجة شعبها ومشروعها الوطني، وتجترح البرامج والسياسات الواقعية التي تؤدي إلى مراكمة الإنجازات، مهما كانت صغيرة، أو معنوية بأقل التضحيات، وصولاً إلى تحقيق الغاية والإنجاز الأكبر المأمول، وكان الآخرون ينقسمون حول هذه البرامج والسياسات، بين معارض أو مؤيد، أو ناقد، دون القدرة على تقديم البرامج والسياسات العملية، والبقاء أسرى الشعارات، والمفاهيم الأيديولوجية غير الواقعية، والتي لا تعكس الواقع والممكن، وقد كان هذا شأن بعض قوى اليسار والقوى القومية وكذلك الإسلامية مؤخراً، فلم تستطع تلك القوى تجاوز المفاهيم الأيديولوجية، إلى صناعة السياسات والبرامج الواقعية والعملية الكفيلة بتحقيق الغايات المنشودة.
لذا نجد أن عقد المؤتمر الحركي السابع لحركة "فتح" بات ضرورة تمليه الأوضاع الداخلية للحركة، وللحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها، في ظل إستمرار حالة الإنقسام والتردي واللعب عليها من قبل تيارات وقوى فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية، تجد فيها منفذاً لأجنداتها الخاصة، وتعطيل تحقيق الإنجازات الوطنية الفلسطينية، ومراهنتها على عامل الزمن في إضعاف "فتح" وإضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية ممثلة في م.ت.ف وإسقاط المشروع الوطني الفلسطيني حتى في حدوده المرحلية والدنيا.
إن إعادة بناء الحركة وتمتين بناءها الداخلي وتصليب وتفعيل أطرها القيادية، سيمثل حجر الأساس في إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وأطرها ومؤسساتها ممثلة في مؤسسات م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية، كمدخل أساسي لإنهاء حالة الإنقسام، وإستعادة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني وإعادة الإعتبار لمشروعه الوطني، هذا على مستوى بعض العوامل الداخلية.
أما على مستوى بعض العوامل الخارجية، فلا شك أن ما وصلت إليه عملية السلام المتجمدة، والتي إستهلكت من الزمن أضعاف ما كان مقدراً ومخططاً لها، ووصولها إلى حائط مسدود، ينذر بإنهيارها إنهياراً كاملاً، يدفع لمراجعة السياسات التي من شأنها أن تنقذ الموقف الوطني الفلسطيني، وتعمل على تجميع الجهود الكفاحية المختلفة في إتجاه فرض الإستحقاقات الوطنية الفلسطينية، المغيبة والمغتصبة بفعل عوامل الغطرسة الصهيونية والتواطئ الإقليمي والدولي مع مخططاته، يضاف إلى ذلك حالة الغياب والتشظي وفقدان الدور والتأثير العربي في مجريات الأحداث وتطورات القضية الفلسطينية، والإنشغال عنها في الحروب والصراعات البينية المفروضة على المنطقة، والتي تكاد تغطي خارطة الوطن العربي دون إستثناء، بشكل أو بآخر، مما أفقد العرب دورهم وتأثيرهم في فرض الإستحقاقات الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني وفق الشرعية الدولية وقراراتها بشأن الحل العادل للقضية الفلسطينية ووفق مبادرة السلام العربية، هذا ما يحتم على حركة "فتح" قراءة الوضع العربي والإقليمي والدولي المستجد، قراءة فاحصة، تحدد على ضوءها الممكن وغير الممكن، وتعمل على إعادة صياغة برامجها السياسية النضالية والكفاحية على أساس رؤيا تأخذ بعين الإعتبار كافة هذه التحولات والمستجدات والتغيرات التي يشهدها الإقليم، إضافة إلى تلك التحولات والمتغيرات التي سيشهدها النظام الدولي في ظل نهاية تفرد الولايات المتحدة الأمريكية في رسم السياسات الدولية، وولادة نظام دولي وإقليمي جديد، سيكون له إنعكاساته المباشرة على المنطقة العربية، وعلى القضية الفلسطينية، حيث يسعى الكيان الصهيوني أن يكون هو الفائز الأكبر من كُلِ هذه التغيرات والتحولات والصراعات الآخذة في تشكيل وضع جديد للمنطقة العربية خصوصاً، ولمنطقة الشرق الأوسط عموماً، من هنا تأتي الحاجة والضرورة إلى عقد المؤتمر السابع لحركة "فتح"، من أجل حماية المشروع الوطني الفلسطيني من الإندثار والنسيان في خضم هذه الصراعات والتحولات التي يشهدها الإقليم.
إن التجربة الكبيرة التي تمتلكها حركة "فتح" في التعاطي مع الأزمات والمنعطفات، وقراءتها العلمية للواقع، البعيدة عن الغوغائية والشعاراتية، تؤكد لنا أن "فتح" لا زالت قادرة على الخروج من هذه الأزمات والمنعطفات، وقادرة على إنقاذ مشروعها الوطني من التفكك والإنهيار، رغم صعوبة المهمة، وأن تواصل مسيرة البناء الوطني الفلسطيني برمته وصولاً لإنجاز مشروعها الوطني، وتبقى ((فتح هي فتح)) القادرة على التجميع والتوجيه وتنقية الصفوف مما علق بها من وهن وأدران، والتصويب السياسي نحو الهدف الوطني المشروع للشعب الفلسطيني في العودة والحرية والإستقلال وبناء الدولة وعاصمتها القدس.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس