ربما لم تشهد الساحة الفلسطينية حراكا كالذي تشهده هذه الأيام ، وكأننا أمام نهاية حقيقية لحقبة زمنية من تاريخنا اقل ما يقال عنها أنها حقبة سوداء تظهر من خلال الكثير من الشواهد أهمها :
- طول فترة الانقسام الذي يمضي في طي عامه العاشر ، وتعثر بل وفشل جميع الجهود التي بذلت على مر الأعوام العشرة بمشاركة العديد من الجهات العربية والدولية ، من اجل راب الصدع والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية .
- فشل سياسة المفاوضات التي استمرت لأكثر من عشرين سنة أمام التصلب والتعنت الإسرائيلي وممارساته العدوانية ضد أبناء شعبنا ، واستمراره في التوسع الاستيطاني ونهب الأراضي ، وفرض الحصار الجائر والدائم على الأراضي الفلسطينية خاصة في قطاع غزة ، والحواجز في الضفة الغربية ,
- تعثر الانتخابات المحلية التي كانت ستؤدي في النهاية إلى الوصول لانتخابات رئاسية وتشريعية
- ارتفاع درجة سوء الأوضاع الحياتية لسكان قطاع غزة الذين بلغ تعدادهم المليونين ، وانعدام الآفاق أمامهم ، حيث لا خطط أو برامج تنموية ، حصار دائم ، ونسبة بطالة هي الأعلى في العالم ، طوابير العاطلين من الخريجين ، مشاكل متعددة كالكهرباء والماء والعلاج الخ من مشاكل .
- الحروب المدمرة التي تعرض لها قطاع غزة وأكلت الأخضر واليابس في قطاع غزة .
- هبة الأقصى المستمرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والموقف الرسمي منها .
- بعض مظاهر الفلتات الأمني الخطيرة في الضفة الغربية وتداعياتها .
- ما تشهده الساحة التنظيمية خاصة حركة فتح وهي من كبريات الفصائل الفلسطينية بل هي الحركة الرائدة وما تتعرض له من تهديد بالانقسام والتفكك نتيجة الخلافات الداخلية .
- الموقف العربي الذي تتزعمه مصر والأردن والتململ من استمرار الأوضاع الفلسطينية الداخلية ، والتي ستلقي بظلالها على الأوضاع الأمنية في الإقليم .
لهذه الأسباب وغيرها نرى أن الساحة الفلسطينية تشهد سباقا محموما لفرض الإرادات الحزبية تارة والشخصية تارة أخرى ، وبصراحة فإن أبطال هذا السباق هم الرئيس محمود عباس ، وحركة حماس ، والسيد محمد دخلان ، ولكل له مساره ورؤيته . فالرئيس محمود عباس الذي اخذ موقفا صارما من حركة حماس في أعقاب سيطرتها الكاملة على قطاع غزة ، ولم يقبل بأقل من تسليم حركة حماس مقاليد قطاع غزة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية كما كانت قبل عام 2007 ، في الوقت الذي ترفض فيه حركة حماس هذا المطلب إلا بشروط عديدة لا داعي لذكرها الآن وهي معروفة كمسالة الموظفين ، والشراكة السياسية الخ ، في الوقت التي تجد نفسها تحمل عبء قطاع غزة بسكانه المليونين ، بأوضاعهم المعيشية البائسة وانعدام أي آمال أو آفاق في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ، خاصة مع استمرار إغلاق المعابر والمنافذ ، أما النائب محمد دخلان الذي دخل في خلاف مع الرئيس محمود عباس كان من نتيجته صدور قرار من اللجنة المركزية لحركة فتنخ بإلغاء عضويته من اللجنة المركزية ، الأمر الذي أدى إلى مغادرته الأراضي الفلسطينية إلا انه ومع مرور الوقت أصبح له الكثير من الأتباع والمؤيدين ، وما صحب ذلك من تراشق اعلاميى وتبادل الاتهامات من ناحية ، من ناحية أخرى توجهه إلى تقديم العديد من المساعدات الإنسانية لأهلنا في قطاع غزة الذي أعياهم الفقر والحاجة.
هذه الأمور ألقت بظلالها على قضيتنا الأساسية وهي الصراع مع عدونا المحتل الغاصب ، حيث تراجعت القضية الفلسطينية على سلم الأولويات الدولية أمام ما تشهده المنطقة العربية والعالم من قضايا مثل قضايا الإرهاب والطاقة والبيئة ، وما يجري في منطقتنا العربية من صراعات كما الحال في العراق واليمن وليبيا ، لذلك ثمة تهديد جدي يواجه قضيتنا العادلة وما يصاحبها من أمل لشعبنا في تحرير بلادة والعودة إليها وإقامة دولته المستقلة ، في ظل هذا الوضع القاتم لا بد من البحث عن وسيلة عملية للخروج من هذا الوضع ، والابتعاد عن طرح المبادرات التي لا تخرج عن كونها شعارات أكثر من تحليها بالجانب العملي التطبيقي ، وهنا تحضرنا مبادرة حركة الجهاد الإسلامي الأخيرة ، هذه المبادرة التي جاء بها أمنينها العام عبرت وبكل صدق عما يجيش في صدر كل فلسطيني ، وهو إلغاء اتفاق أوسلو ، وفلسطين من نهرها إلى بحرها ، وسحب الاعتراف بإسرائيل ، ونقاط كثير لا يختلف عليها الفلسطينيين الخاصة بمنظمة التحرير والحوار وغيرها , النقاط الثلاث الأولى غير منطقية وعملية وصعبة التطبيق ، بسبب أن اتفاقية أوسلو وما نجم عنها اندرجت الآن تحت بند الاتفاقيات الدولية التي ينبغي على موقعيها احترامها وتطبيقها ، وفي نفس الوقت نري الكثير من الدول قد أدارت ظهرها لهذه الاتفاقيات ومنها أوسلو ، وفي ساحتنا الفلسطينية اتفاقية اوسلوا منتهية بحكم الأمر الواقع من تاريخ 28/9/199 وذلك بانتهاء الفترة الانتقالية التي لم تطبق ، وهناك شواهد كثير على أن شعبنا ألقى بأوسلو وراء ظهره عندما انطلقت العمليات الاستشهادية داخل المدن الفلسطينية المحتلة ، وهبة النفق عام 1996 التي شاركت فيها قوات الأمن الوطني الفلسطيني ، وانتفاضة الأقصى ، وانضمام فلسطين إلى العديد من المنظمات الدولية ، وقرار الأمم المتحدة رقم 19/67 باعتبار فلسطين دولة بصفة مراقب . إذن أوسلو تتلاشى ولا مبرر للإعلان الرسمي لإلغائها لان هذا سيلقي بتبعاته على شعبنا وما بناه من مؤسسات لدولة على الأرض وما حققه على الصعيد الدولي ، حيث ستعمل إسرائيل على تقويضة ، وبالفعل بدأت في ذلك باقتحامها القارة الإفريقية التي كانت مغلقة أمامها منذ فترة طويلة ، وغيرها من المناطق .
لا أريد الإطالة في هذا الموضوع ، لكن لا بد من الإسراع إلى تعديل البوصلة التي بدأت بالانحراف الخطير ، هناك خيارات عديدة ، وتم تناولها وتداولها في الكثير من اللقاءات والبيانات والتصريحات ، وهي مازالت طي ملفاتها وأوراقها داخل الأدراج .
اعتقد أن ثمة رؤية يمكن تنفيذها فورا ألا وهي تشكيل لجنة وطنية تضم كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي حتى من حركة فتح وحركة حماس ، وتكون هذه اللجنة على مستوى عالي من القيادة والتوجه إلى كل من السيد الرئيس محمود عباس، وقيادة حركة حماس ممثلة بالسيد خالد مشعل أو السيد إسماعيل هنية ،للاجتماع معهم كل على حدة شخصيا والتباحث معهم للخروج بالية لإنقاذ الوضع الفلسطيني ، باتخاذ خطوات عملية أهمها إعلان دولة فلسطين عملا بقرار الأمم المتحدة السابق الذكر ، وسرعة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لدولة فلسطين ، وعندها تحال جميع ملفات الخلاف المحلية إلى تلك المؤسسات المنتخبة لعلاجها ، عجلة الزمن تمضي ولن تتوقف ، وقيل الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك ، ونحن نرى أن الوقت أمامنا اقصر مما نتخيل . لذلك أعطونا فرصة للحياة
بقلم/ أكرم أبو عمرو