كي نستقرئ المستقبل من معطيات الحاضر والماضي القريب ، لا بد أن تستند إلى ركائز العملية التحليلية والاستقرائية لما هو موجود من زوبعات وأقاويل و وسائل إعلامية لا تكل ولا تمل سواء من الأعداء أو من الأصدقاء أو ممن يتحسبون على مصالحهم من متغيرات قادمة على المنطقة ، ولكي نخصص ولا نعمم عوامل التغيير وظواهره ومسبباته على النظام السياسي الفلسطيني وأطرافه وشخوصه.
محمد دحلان الذي تعرض لأشرس حملة تشويه إعلامية منذ عام 2007 ولتزداد شدتها في عام 2011 وتستمر حتى 2016م والذي تعرض فيها لهجمات عدائية من رئيس السلطة وبعض ممن حوله ومن خلال قرارات اقصائية بهدف اغتياله سياسيا ووطنيا حتى في داخل حركته فتح التي انتمى إليها منذ نعومة أظافره، وفي الحقيقة وما كشفت عنه الأحداث بأيامها وزمانها أنها كانت تستهدف منطقة جغرافية مما تبقى من أرض الوطن ومن خلال استهداف محمد دحلان وإخوة له .
كان للرجل صبر أيوب ، وكان أيضا كطائر الفينيق كلما اشتدت الهجمة عليه نهض أكثر صلابة متجددا في نشاطه وقوته مسخرا امكانياته ، ومن خلال كاريزما خاصة تسمى " كاريزما محمد دحلان" لخدمة أبناء شعبه وأبناء أمته العربية وأمام فوضى وقتل وتدمير أرادوا منها عزل الشعب الفلسطيني وقضيته وأرادوا منها إحداث دمار شامل في دول الإقليم .
لم يكن دحلان مندفعا تتملكه ردود الفعل بل كان كما قال الزعيم الراحل يوما """ واثق الخطى يمشي ملكا" ولإيمانه بأن وحدة فتح هي المرتكز الأصيل والحقيقي للحركة الوطنية والمشروع الوطني ، كان متجاوبا متناسيا الذات أمام الاطروحات الداخلية والإقليمية لرأب الصدع والانقسام الداخلي و هدفه الرئيس هو وحدة فتح وتفعيل أطرها المخطوفة والعدالة الجغرافية والجماعية الملتزمة بالنظام لكي تستطيع فتح تصليب الحركة الوطنية في مواجهة تحديات داخلية وخارجية، طرح دحلان النموذج لوحدة وطنية ومشروع سياسي واحد ، ولذلك دحلان حاصر خصومه دائما بالمنطق الحركي الوحدوي والمنطق الوطني . وبدعمه المطلق للمخيم وانتفاضة القدس وأهالي القدس .
وبعد تلك المقدمة : وبعد أن أثيرت في الأسابيع القليلة الماضية قضية خلافة عباس أو مرحلة ما بعد عباس وتناولتها وسائل وقنوات تلفزة اسرائيلية وللأسف ما انجرت وراءه مواقع وصحف فلسطينية وفتحاوية عن اقتراب محمد دحلان ليكون الخليفة لمحمود عباس ، واذكر هنا مراكز استطلاع أوروبية ودولية وفلسطينية حقق فيها محمد دحلان نتائج تفوق غيره في قائمة الاستطلاع بعضهم تحدث عن السم في العسل وبعضهم تحدث عن ظهر الدبابة الإسرائيلية وبعضهم الاخر تحدث عن الحلف العربي بقيادة مصر والامارات والسعودية والاردن ، وعن حسن النوايا للبعض ومع سوء النية للبعض الآخر هناك حقيقة بان مرحلة عباس شارفت على الانتهاء لعدة أسباب أولها عمرية وفشل في إدارة الملف السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني والوطني للشعب الفلسطيني ، ومتغيرات اقليمية تستدعي الجميع للاهتمام في المستقبل السياسي والوطني والقومي للشعب الفلسطيني ومنه من الاهمية دول الاقليم وفي مقدمتها مصر والامارات والاردن والسعودية ، فعندما حاولت تلك الدول حل جذور الازمة بين دحلان وأبو مازن كانت من الفهم المهم لطبيعة ازمة فتح ومؤثراتها على الواقع الوطني والاقليمي ، اما ما تصوره وسائل الاعلام الاسرائيلية وبعض المرددين لهذه التصورات فهي حملة جديدة لتشويه محمد دحلان وتصوير ذلك بخيار محمد دحلان خيارا خارج الوطنية الفلسطينية الرسمية والشعبية وهو الامر الذي يتحسس منه الشعب الفلسطيني ، هجمة اعلامية تلعب وتستهدف الحس والعواطف الوطنية ، في حين ان محمد دحلان هو خيار الشارع الفلسطيني وهو خيار شعبي ولأزمات متعددة يعيشها الشعب الفلسطيني على المستوى الوطني والمعيشي والتي تجد من محمد دحلان الرجل الذي سينقذها وطنيا من مآسيها ومخلفات رئاسة محمود عباس ، هذا هو الحس الشعبي وهو لا يتنافى مع الدور الاقليمي في عالم ينظر الوم لقضايا في الامن الدولي والاقليمي واستقرار شعوب المنطقة امام ارهاب لا يستثني احدا .
من هنا يأتي التصور والاستقراء والتحليل ولأن كل شيء مجمد بخصوص الصراع مع الاحتلال لحيثيتين اساسيتين بأن الملف الفلسطيني مجمد وبرغم بروز عدة مبادرات بهدف ملئ الفراغ زمنيا كالمبادرة الفرنسية والعربية والسويسرية وإضاعة الزمن في لقاءات حول المصالحة فهي مجرد انشطة تحضيرا لمتغيرات قادمة على المنطقة ولمرحلة ما بعد محمود عباس أيضا .
ولكي توضع الابجديات في محلها وقيمتها واهدافها فأن محمد دحلان هو ابن هذه الحركة الوطنية وابن المخيم وابن هذا الشعب فان كان هو خيار الشعب فستقف دول الاقليم معه بالتاكيد فالبعد الذاتي والاقليمي من المهم وخاصة كحالة الشعب الفلسطيني والعالم لا يعترف الا بالاقوياء ولمن هم يتمتعون بحاضنة شعبية .
سميح خلف