عنصرية: الوضع العربي واعتراف متأخر

بقلم: فايز رشيد

عبّر أهلنا من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، عن استيائهم واحتجاجهم على ما ورد في برنامج «بسمات وطن" الذي تبثّه قناة LBCI اللبنانية، إذ تهكّم البرنامج على رفض سكان مخيم عين الحلوة لفكرة بناء الجدار حول المخيم.
كان البرنامج قد تعرّض لهم بطريقة عنصريّة، واصفاً كل من اعترض على بناء الجدار بـ"الحمار".
البرنامج يشكّل إساءة للعلاقات اللبنانية الفلسطينية، إذ جاء فيه أغنية بعنوان «جدارك عين الحلوة"، وتقول في بعض مقاطعها: «انت اللي قايم ضدو افهم نتفة .. وبوزك سدو.. جدارك عين الحلوة.. واقف رح يبقى وعايش.. تَ يحمينا من بلوة.. اسما إرهاب داعش". كما جاءت في البرنامج، للمخرج شربل خليل، دعوة صريحة للسلطة اللبنانية لاستكمال بناء الجدار. البرنامج ينتقص من كرامة شعبنا، وبالفعل نستغرب من فضائية تتواجد في بلد عربي (اعتدى عليه الكيان الصهيوني مرات عديدة، واقترف على أرضه مجازر كثيرة، منها مجزرتا قانا الأولى وقانا الثانية)، تقديم برنامج كهذا. لا نقول عن مجزرة صبرا وشاتيلا، التي شاركت فيها قوى لبنانية وعربية، إضافة إلى قوات الكيان ومجزرة مخيم تل الزعتر، المجزرتان ارتُكبتا بحق أهلنا في مخيمات لبنان.
لسنا ضدّ حريّة التعبير، لكن الغضب ينصبّ على أغنية شربل خليل، لما فيها من سوء نية مقصود، وتلاعب بأفكار الماضي المزنّرة بالحقد البشع على الفلسطينيين، الذي استوطن عقولا، شاء لها القدر أن تكون عربية، لكنها تباهي بفرانكفونيتها، وأصولها البعيدة عن حضارتنا الخالدة. هؤلاء هم كارثة حقيقية على أمتنا العربية. في عدوان عام 1982 وعندما كانت بيروت الغربية تُقصف وتُحرق على مدار الساعة، وساكنوها لا يجدون نقطة ماء ولا لقمة غذاء ولا حبة دواء، كان البعض في بيروت الشرقية يستقبلون شارون في منازلهم، وينثرون عليه الورود، ويقيمون له الولائم. لن ننسى هذا التاريخ القريب، الذي عاشه كاتب هذه السطور بحذافيره، كإنسان وطبيب يعالج جراح وحروق أطفالنا وإخوتنا وأخواتنا من الشعبين الشقيقين، اللذينْ تجاورا موقعا جغرافيا، وزاوجا بين حضارتيهما التاريخيتين، ليصب المزيج في بوتقة الحضارة العربية الأصيلة الواحدة.
البرنامج فتح ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، وأعاد جراحها المؤلمة، في محاولة واضحة لإعادة إنتاجها، من خلال تسعير الحقد على الفلسطينيين بشيطنتهم، والدعوة إلى اقتراف العنف ضدهم، وممارسة العنصرية الكريهة بحقهم، والربط المقصود، (وإن في شكل خفي) بين المجموع الفلسطيني وإرهاب «داعش"، باعتبار، أن بناء الجدار حول مخيم الفلسطينيين، سيحمي الدولة واللبنانيين من الإرهاب. إن مواجهة الارهاب، ينبغي ألا تكون شماعة لمسح المخيمات الفلسطينية في لبنان أو عزلها في غيتوهات على الطريقة النازيّة. شعبنا ليس حفنة من القتلة، أو عصابات قطّاع طرق يا شربل، بل هو صاحب قضيّة عادلة، هي أيضاً قضيّة كل العرب، وكل من يسعى إلى الحرية في العالم أجمع. الغريب أن المخرج يصر على موقفه، وعندما طولب بالاعتذار، أجاب قائلا، «لن أعتذر، وأعلى ما في خيلكن، اركبوه".
تعودنا كفلسطينيين، سماع اتهامات حاقدة من قصيري النظر بين الجماهير العربية، وأن معظم اللاجئين من شعبنا، رحلوا عن أرضهم طواعيةً وأن جزءا كبيرا من الفلسطينيين قاموا ببيع أراضيهم لسلطات الاحتلال الصهيوني. حول التهمة الأولى، نجيب: إنهم يرددون الرواية الصهيونية الممجوجة ذاتها. في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، تم كشف النقاب عن جزء يسير من الوثائق الإسرائيلية. كُشف النقاب عن الخطة الصهيونية «دلتا" (وقد أشرف على وضعها ديفيد بن غوريون)، لارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين، بدءا من أواسط عام 1947 حتى 1949، وترحيلهم عنوة، كتب في تفنيد الخطة الأولى (وسأكتفي بإيراد الكتّاب والباحثين الإسرائيليين واليهود فقط) كثيرون، من بينهم، بني موريس، إسرائيل شاحاك، إيلان بابيه، زوهر سيغيف، يوطي جولان. هؤلاء أطلق عليهم اسم «المؤرخون الجدد". اضطرت الحركة الصهيونية إلى تشكيل فئة من الباحثين، لتجميل الرواية الصهيونية التقليدية، وأطلقت عليهم اسم «المؤرخون الصهيونيون الجدد" لكن، رغم الملايين التي رُصدت لهم، لم تنجح قولبتهم لحقائق الوثائق في التغطية، على ما كشفه المؤرخون الجدد. نقول هذه المعلومات للفئة الضالة من الجماهير العربية، التي تتهم غالبية لاجئي شعبنا بهجرة فلسطين طوعا.
أما حول تهمة بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، فوفقا لكتاب «يوسيف نحماني: رجل الجليل"، ترجم إلى العربية تحت عنوان «مذكرات سمسار أراضٍ صهيوني"، ألفه صديقه يوسيف فايتس (قام بانتقاء وثائق المذكرات وتحريرها). المذكرات تغطي الفترة الممتدة بين سنة 1935 و1949. كذلك، وفي أواخر إبريل 1997 نشرت صحيفة «فصل المقال" التي كانت تصدر في الناصرة، أوردها الصديق الباحث صقر أبو فخر في بحث له، نشرت قائمة بأسماء المشهورين ممن باعوا اليهودَ أراضيهم بين سنة 1918 و1945. واستندت هذه القائمة إلى وثيقة بريطانية من عهد الانتداب البريطاني، وكان العنوان الذي اختارته «فصل المقال" لقائمتها هو «الآباء القابضون" التي ضمت أسماء عربية منها: اللبنانيون (ميشال ويوسف ونجيب وجورج سرسق) .آل سلام اللبنانيون الذي حصلوا في سنة 1914 على امتياز تجفيف مستنقعات الحولة من الدولة العثمانية، واستثمار الأراضي المستصلحة، لكنهم تنازلوا عنها للوكالة اليهودية. وبلغت المساحة المبيعة 165 ألف دونم. آل تيان اللبنانيون (أنطون وميشال)، باعوا وادي الحوارث في سنة 1929 ومساحته 308 آلاف دونم . آل تويني اللبنانيون الذين باعوا أملاكاً في مرج ابن عامر وقرى بين عكا وحيفا مثل نهاريا وحيدر وانشراح والدار البيضاء. وقام بالبيع ألفرد تويني. آل الخوري اللبنانيون الذين باعوا أراضي قرية الخريبة على جبل الكرمل والبالغة مساحتها 3850 دونماً. وقام بالبيع يوسف الخوري. آل القباني اللبنانيون الذين باعوا وادي القباني القريب من طولكرم في سنة 1929، وبلغت مساحته 4 آلاف دونم. الأسوأ من ذلك هو أن خير الدين الأحدب (رئيس وزراء) وصفي الدين قدورة وجوزف خديج وميشال سارجي ومراد دانا (يهودي) والياس الحاج أسسوا في بيروت، وبالتحديد في 19/8/1935 شركة لشراء الأراضي في فلسطين وبيعها. وقد فضحت جريدة «ألفباء" الدمشقية هذه الشركة في عددها الصادر في 7/8/1937 . آل اليوسف السوريون الذين باعوا أراضيهم في البطيحة والزويّة والجولان من يهوشواع حانكين ممثل شركة تطوير أراضي فلسطين. آل المارديني السوريون الذين باعوا أملاكهم في صفد. آل القوتلي والجزائرلي والشمعة والعمري السوريون، وكانت لهم ملكيات متفرقة باعوها كلها. هؤلاء هم مَن وضع مساحات كبيرة من الأراضي بين أيدي الصهيونيين، علاوة على الأراضي التي كانت بين أيديهم، أو التي منحتها لهم سلطات الانتداب الإنكليزي، مثل امتياز شركة بوتاس البحر الميت (75 ألف دونم)، وامتياز شركة كهرباء فلسطين أو مشروع روتنبرغ (18 ألف دونم)، وقبل ذلك ما نالوه من الدولة العثمانية (650 ألف دونم).
حول الوضع العربي، نكون في كل سنة أمام تقارير دورية من هذه التقارير: تقرير «التنمية الإنسانية العربية"، تقرير «بروكينغز" للباحثة كوفمان. تقرير «أولبرايت – هادلي"، تتطرق التقارير (وفقا للمسائل الذي يبحثها كل تقرير) إلى الوضع العربي بشكل عام، مع إظهار القضية الأبرز. تتحدث التقارير، عن نماذج الحكم في العالم العربي، وعن معيقات التنمية العربية، وعن الديمقراطية الهشة في بعض الأقطار العربية، وعن مشاكل الشباب العربي. وتتحدث أيضا عن أزمة الثقة بين الأنظمة العربية الحاكمة وشعوبها، باعتبارها الشعلة التي هيأت لأحداث «الربيع العربي"، ويرى أحدها أن المجتمعات العربية تحمل في أحشائها قنابل موقوتة، متمثلة في ضرورة إيجاد الحلول لمشاكل الشباب العربي. نقول حول هذه القضية: كل يتمنى لو تقوم الجهات المعنية في دولنا العربية الـ22 بأبحاث حقيقية عن أوضاعها، بعيدا عن الحشو اللغوي في امتداح النظام الرسمي العربي الحاكم حتى لو كان 70% من شعوبنا العربية تحت خط الفقر.
ألقى كيري خطابا في العاصمة واشنطن، أمام المؤتمر السنوي لمركز سبّان، قال فيه :"اليمين الإسرائيلي لا يريد السلام، إسرائيل لن توقف الاستيطان، إسرائيل تقترب من منطقة الخطر". كنا نتمنى لو امتلك كيري الشجاعة، وأدلى باعترافاته قبلا، لكننا تعودنا من المسؤولين الأمريكيين بعد تركهم لمناصبهم، أو على أعتاب انتهاء مددها، قول بعض الحقيقة. هذا ما فعله أيضا الرئيس الأسبق جيمي كارتر. الذي، وبعد انتها ولايته، قام بتأليف كتابه القيم «فلسطين.. سلام لا فصل عنصري". نتساءل، ما قيمة الاعتراف إن لم يكن في وقته ومحلّه؟
كاتب فلسطيني