سنة فلسطينية لم تأت بعد

بقلم: عدنان الصباح

في نهاية عام 2003 نشرت مقالا بعنوان سنة فلسطينية خاصة في صحيفة الأهالي الأردنية وفي حينها كان صديقي الراحل المناضل والكاتب الرائع أبدا سالم النحاس على ظهور خيلها رئيسا لتحرير تلك الصحيفة وقد قلت في ذلك المقال " وحدهم دون شعوب الأرض لا يحتاج الفلسطينيون لإطفاء شموع الأعوام الفائتة ولا لإشعال شموع الأعوام القادمة, فنحن لم ننته بعد من كثير من القضايا والمسائل ناهيك عن القضية الرئيسية قضية التحرير والاستقلال "

وتابعت أقول موضحا ما أردته في مقدمتي " كثيرة هي الشموع التي نحتاج لإشعالها قبيل شموع السنة الميلادية أو الهجرية, هناك سنة فلسطينية لم تبدأ بعد, سنة فلسطينية عنوانها الانتهاء من الحوار الوطني الأبدي والوصول إلى برنامج القواسم المشتركة " وقد انتهينا والحمد لله إلى الانقسام ولا برامج للجميع تهتم بالشعب والوطن.
كتبت حينها أي قبل 13 سنة أننا بحاجة إلى " سنة فلسطينية عنوانها بناء شعب المؤسسات ما دمنا غير قادرين على بناء دولة المؤسسات, بناء منظمة المؤسسات " وقد أصبحنا والحمد لله نبحث عن معنى المؤسسات فلا الشعب انتظم ولا المنظمة عادت منظمة.
وتمنيت في مقالي ذاك قبل 13 سنة أن يأتينا ذات مرة " عام تصبح فيه منظمة التحرير الفلسطينية بكل مؤسساتها وأجهزتها ديمقراطية مائة بالمائة بدءا من المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية وانتهاء بكل منظماتها الشعبية " وها نحن اليوم نبحث عنها بين أكوام من قش لا احد يدري ماذا يخفي تحته.
قلت قبل 13 سنة " بحاجة نحن إلى سنة فلسطينية ننجز فيها دمقرطة مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وننتهي من تعليق كل عجز أو قصور لنا على الاحتلال فما دمنا قادرين على مقاومة جيشه ودباباته بصورنا العارية وقادرين على تحمل ضرباته دون أن نئن أو نستكين أو نستسلم فلماذا لا نكون قادرين على ممارسة حياتنا الديمقراطية رغم انف الاحتلال" فما الذي جرى بهذا الشأن غير أننا أنجزنا انتخابات تشريعي لمرة وندمنا, بل وجمدناه وانتخابات رئاسية لمرة, ثم لم يعد احد يعترف بأحد وكل الشرعيات في مهب الريح ولا يوجد لدينا لا مشرعين ولا مشرعنين بل مجلسين وسلطتين ولا احد يعترف بغيره أما عن البلديات فحدث ولا حرج, أما عن الصدور العارية فلا زالت وتبقى عارية وحدها ملكا لأطفالنا وشبابنا الذين لم يروا عوراتنا أو الذين أصابهم القرف من علانية عوراتنا فراحوا للموت هروبا من عار جرائمنا التي لا تنتهي.
قلت قبل 13 سنة " بحاجة نحن إلى سنة فلسطينية يصبح فيها لبلادنا وشعبنا صوت رجل واحد وامرأة واحدة لا ألف صوت, عام لا نسمع فيه نشاز فلسطيني هنا ونشاز هناك وكل يغني على ليلاه " والمصيبة أننا لم نبقى نغنى كل على ليلاه بل صرنا نغني على ليلات غيرنا ولهن أو لهن كرمال عيون عشاقهن, ولم يعد لدينا صوت يناغم صوت فالصفة المطلقة لكل أصواتنا هي النشاز.
قلت قبل 13 سنة ويا ليتني لم اقل أننا بحاجة نحن لعام فلسطيني " لا يجد فيه الاحتلال جهة فلسطينية تعلن استعدادها للحديث معه خارج الصف الوطني الواحد والبرنامج الوطني الواحد " وها نحن اليوم كل يخاطبهم ويلتقيهم ويتحدث إليهم إلا الصف الواحد الممزق والغائب والبرنامج الواحد الذي غاب حتى انه لم يعد لأحد برنامجه الواضح أصلا فصرنا بلا صف وبلا برامج.
تمنيت قبل 13 سنة أن يأتي على الفلسطينيين ذاك العام " عام لا تشد رحال احد فيه للحديث باسم فلسطين إلى أي مكان على وجه الأرض سوى رحال البرنامج الوطني الواحد الموحد للجميع بلا استثناء على قاعدة القواسم الوطنية المشتركة " وها نحن اليوم حاضرون في كل مكان لكن بلا قواسمنا وأحيانا بلا قضيتنا.
رجوت الله فلا احد يسمع سواه قبل 13 سنة أن يأتي عام على الفلسطينيين " لا يصبح فيه توقيع اتفاقيات فردية من وراء ظهر الشعب مع المحتلين ممكنا والوصول الى اتفاق فلسطيني – فلسطيني مستحيل " وهنا لا أجد ضرورة لقول شيء فقد صارت فلسطين فلسطينيات دون أن ندري لمن نسجل اسمها إن ابقوا عليه أصلا وقد يكون ما قاله محمود درويش صحيحا إن فسرناه على عواهنه بالمعنى المباشر للكلمات ونسينا ما ببطن الشاعر فهي بلغة درويش كانت تسمى فلسطين وكانت بعيدة وصارت تسمى فلسطين وصارت لا تعطي معنى الحق.
قبل 13 سنة نشرت حلمي وحلم كل الفلسطينيين والعرب بان نأتي إلى " سنة فلسطينية تتوقف فيها لغة التخوين والاستعداء والاستعلاء بين فصائل الكفاح أيا كانت تسمياتها هي الأساس السائد بين جميع قوى وفصائل الشعب الفلسطيني , عام تتوحد فيه لغة الخطاب السياسي الفلسطيني في السر والعلن " فصار لنا ألف خطاب وخطاب وصار التخوين والتكفير والتجريم لغة سائدة وانتقلت مصيبتنا في كل العرب.
قبل 13 سنة من اليوم كتبت ما نصه " بحاجة نحن إلى سنة فلسطينية يصبح فيها هم الشعب والوطن فوق هم الحزب والفصيل والجماعة والفرد , يتوقف فيه الجميع عن التفكير من خلال فتحة إبرة الحزب أو الفصيل ويغلبون مصالح الناس على مصالحهم الضيقة ويقرؤون التاريخ والحاضر والمستقبل على ضوء مصالح الغالبية العظمى من الشعب." وها نحن للأسف وقد وصلنا إلى حال صار التفكير من فتحة الجيبة الشخصية لا أكثر ولا اقل.
قبل 13 سنة كتبت عن حاجتنا كفلسطينيين إلى " سنة فلسطينية نجد فيها من يتمكن من إغلاق الأبواب على ممثلي كافة فصائل وقوى وأحزاب فلسطين داخل غرفة واحدة لا يخرجون منها إلا بإطلاق دخان الاتفاق النهائي والمطلق, فلو كنت على بوابة غرفة الحوار في القاهرة لأغلقت البوابة وألقيت بالمفتاح في نهر النيل وتركتهم هناك بالجوع والعطش فإما أن نسجلهم في قائمة الشهداء أو يجدون أنفسهم مجبرين على الاتفاق على كل شيء والوصول إلى برنامج القواسم المشتركة ولو بحده الأدنى " وكم يؤلمني اليوم أننا لم نسجلهم بقوائم الشهداء وإلا لكان حالنا أفضل مليار مرة.
قبل 13 سنة وفي نهاية العام 2013 ختمت مقالتي بصحيفة الأهالي الأردنية وها أنا في نهاية العام 2016اختم بها هذا المقال أيضا بعد كل هذه السنين فلقد أصبح الحال أسوا مما كان عليه بكثير وهذا نص الخاتمة كما هو " بحاجة نحن إلى سنة فلسطينية خاصة جدا ... جدا يتمكن فيها الفلسطيني من معرفة رأسه من قدميه بدل حالة التيه التي نعيشها بين أصوات جنيف ولندن ومدريد وواشنطن وغيرها وغيرها , نعطي فيها لشعبنا شمعة الاتفاق وتشتعل فيها أنوار برنامج القواسم المشتركة والقيادة الجماعية وترتاح فيها أجساد الشهداء من عناء الانتظار لرفع راياتهم ... رايات فلسطين الشعب والأرض ".

بقلم
عدنان الصباح