وصلت فرنسا الى المحطة الاخيرة في سعيها لعقد مؤتمر دولي للسلام يعهد اليه حل الصراع الطويل ويلزم الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني , نعم كانت طريق الاعداد للمؤتمر الدولي للسلام طويلة وشاقة لكن لم تزعن فرنسا لكل محاولات التخريب او تنصت لأي طروحات بديلة اخري طرحت على فرنسا و غيرها من اللاعبين الكبار و المؤثرين في الصراع , بالرغم من رفض اسرائيل القاطع للمؤتمر وبرود امريكا تجاه تشجيع فرنسا للمضي قدما في سعيها الكبير لتحقيق رغبة المجتمع الدولي في حل الصراع التاريخي والطويل بتطبيق حل الدولتين وبإشراف دولي حقيقي , وجهت فرنسا الاسبوع الماضي الدعوات الخاصة بالمؤتمر لسبعين دولة بالإضافة الى منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية وقد حددت يوم الحادي والعشرين من الشهر الجاري لانعقاد المؤتمر الدولي للسلام , الفلسطينيين اعربوا عن موافقتهم لكل الخطوات التي تقوم بها فرنسا اتجاه هذا المسعي واليوم الناطق باسم القيادة الفلسطينية قال "ان الفلسطينيين يوافقوا على كل ما تقرره فرنسا بخصوص ما يتعلق بعملية السلام" وقال "ان القيادة الفلسطينية ستتعامل بإيجابية مع اي جهد فرنسي".
لم يعد يفصلنا عن موعد المؤمر سوي اقل عشرة ايام وهي فترة قصيرة قياسا مع اهمية انعقاد المؤتمر وجدية المسعي الفرنسي وكبر حجم الملفات وتعدد القضايا وحساسية المدخلات التي ستوضع موضع النقاش, لكن لا اعتقد ان جولات النقاش في المؤتمر ستتعرض الى وضع حلول لبعض القضايا بل انها ستعين اطار للحل يمكن ان يتم بحثة في مفاوضات ثنائية بين الطرفين برعاية دولية و بالتحديد اذا ما اصرت اسرائيل على الرفض المطلق او لتجاوب مع الطموح الدولي والفرنسي ,و هنا اعتقد ان المؤتمر سيوصي بتكليف لجنة دولية للتفاوض مع كل من اسرائيل والفلسطينيين على حده وتقريب وجهات النظر على غرار اللجنة التي شكلت لحل الملف النووي الايراني ,واعتقد ان طبيعة اللجنة قد تكون فرنسا زائد خمسة او سته او سبعة دول تشمل كل من امريكا وجامعة الدول العربية والامم المتحدة وروسيا والمانيا والصين , وتكلف هذه اللجنة ايضا بترتيب مفاوضات ثنائية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لوضع آليات تطبيق الحلول التي تقترحها تلك اللجنة وبعد رعاية توقيع اتفاق تاريخي يقضي بحل كامل قضايا الصراع .
يبدو ان الامور أخذة في التعقيد وخاصة بعدما وجه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند دعوة لكل من ابو مازن ونتنياهو بلقاء تتويجي بعد المؤتمر الا ان نتنياهو رفض ذلك باعتبار قبوله لقاء ابو مازن يعني قبول المؤتمر الدولي وبالتالي الالتزام بما ينتج عنه من توصيات ومقترحات , ابو مازن قبل الدعوة على الفور لكن نتنياهو اصر على رفض الدعوة ورفض المؤتمر الدولي وصدر بيان عن مكتبة بلسان اوفير جندلمان يقول ان نتنياهو يمكن ان يقبل الدعوة في حال الغت فرنسا عقد المؤتمر الدولي للسلام وهذا في راي يعتبر غاية في التمادي بالعهر السياسي الذي يتنكر لكل دعوات تحقيق السلام . مهما تعقدت الامور واغلق نتنياهو الطريق فان فرنسا لديها خطة لخوض المعركة وستعقد المؤتمر لكن المهم ليس عقد المؤتمر بحد ذاته وانتهى وكأن المؤتمر لم يكن ويصبح مثل أنابوليس كامب ديفيد وواي ريفر التي لم تنجح في تفكيك التعنت الاسرائيلي ولم تحلحل اسرائيل عن موقفها المتحدي لرغبة وارادة المجتمع الدولي , لذا بات مفهوما ان تمضي فرنسا بالمجموع الدولي نحو مخرجات الزامية لإسرائيل وتشكل لجنة دولية لحل الصراع بالقوة يوضع بين يديها كل عوامل الضغط على اسرائيل لتعترف بالاطار الذي حدده المؤتمر الدولي في باريس لتطبيق حل الدولتين ,و تعترف بكل القرارات والمرجعيات الدولية وخاصة القرارات التي اصدرتها الامم المتحدة فيما يخص حل الصراع واولها 181 و 194 و242 و 338 و 1515 و ايضا المرجعيات والاسس الدولية التي جاءت كطريق لتطبيق هذه القرارات ومنها مبادرة السلام العربية غير المعدلة وخارطة الطريق , لم يعد مفهوما ان تنشغل فرنسا اكثر من عامين وتحشد هذا الحشد الدولي لأكثر من سبعين دولة ويأتي المؤتمر برؤي وافكار لحل الصراع توضع في دفاتر المجتمع الدولي و تركن على رفوف حكومة فرنسا و تفتقر حت لان ترتقي الى مستوي قرارات دولية و يصبح مصيرها النسيان و الاهمال بالتي تضيف لملف الصراع اوراق جديدة اقل قيمة وتصبح حبر على ورق وتصمت فرنسا بعد ذلك وتعود حالة التفرد بحل الصراع للإدارة الامريكية من جديد .
بقلم/ د. هاني العقاد