رغم كل المرارة التي تجرعناها والألم الذي إعتصر قلوبنا يوم ما أن استهدف ابناء القيادي الفتحاوي اللواء بهاء بعلوشة جراء مقتل اطفاله الثلاثه الشهداء بإذن الله اسامه واحمد وسلام بهاء بعلوشه، اثناء توجههم الى مدرستهم التي احبتهم واحبوها، باطلاق وابل من الرصاص الحاقد عليهم وقتلهم جميعا بدم بارد، على يد طيور الظلام، التي تعشعش الخرائب والمصائب والمفاسد في نفوسهم الدنيئة.
فما زال عطر الاطفال الثلاثة يفوح في كل مكان وبقعه على تراب غزة هاشم، وما زالت صِوَرِهِم تتراءى على جدران الشوارع، وعذوبة صوتهم وهم ينادون "صباح الخير ماما" تبعث السعادة في نفسهم.
طولهم الفارع، وقوامهم الممشوق، وشعرهم الحريري الاسود، وعيناهم الجميلتين، كلها صفات تزيد من تألق هؤلاء الشهداء الابرار، يتكلمون بحنان، ويتعاملون بعطف، ويحترمون الصغير والكبير، ويرسمون بأيديهم الكريمتين أملا لغد أجمل ومستقبل مشرق مزهر لهم، لا تفارق البسمة شفتيهم، ولا تغادر الهمة والدهم لفعل الخير.
كل الصور التي تخص الاطفال اسامه واحمد وسلام بهاء بعلوشه مطبوعة في عيني كل فلسطيني حر وشريف، فلا تغادرهم أبدا، فكان الأطفال الثلاثة الأبرياء وهم ينعمون بالدفء حين يلتحف صدورهم بصدر والديهم، ويفترشون أذرعتهم بأذرعهم، صورهم كلها جميلة، وكلها منقوشة في كل زوايا وعلى الأبواب وفي قلوب والديهم. تزاحم صورهم الجميلة، وتجعلهم حاضرين معهم في كل لحظة، فالكل يرى تلك الصور في وجه أبيهم المناضل، وفي عَيْنَيْ أمهم الصابرة، اللذين كان لهما أطفالهم سورا، وحصنا، وفرحا، وبهجة، مستقبلاً، وحتى في وداعهم الأخير، لم يترك الاطفال الإبتسامة، رغم كل الدموع التي إنهمرت ودموع والديهم واقاربهم وكل من عرفهم.
فاجعة الاغتيال التي هزت كل أركان المجتمع الغزي، وتوشح المدن والقرى والأزقة والحواري الغزية بالسواد، وقد لف الحزن أركان المحافظات في قطاع غزة، وتساقطت يومها كل أوراق الشجر، وغابت الشمس بخجل خلف غيوم ما كادت تواريها عن النظر، ولقد سيطر الغضب وملأ الشارع الغزي بشكل خاص والفلسطيني بشكل عام وخرجت كل الجماهير الفلسطينية عن بكرة ابيها، لتشييع الشهداء الأطفال الثلاثة.
ففي صباح 11/12/2006 ذلك اليوم المشؤوم، ذهب ابناء القائد الفتحاوي اللواء بهاء بعلوشة، اسامه واحمد وسلام الى مدرستهم، ففتحت مجموعات مسلحة ملثمون نيران رشاشاتهم الغادرة على السيارة التي كانت تقلهم إلى مدرستهم في حي الرمال غرب مدينة غزة وبستين رصاصة ومن كل الجهات، حيث أمطروها برصاصهم الحاقد، ليرتقي في ذلك اليوم المشؤوم اطفال بعلوشة الثلاثة ومرافقهم، فلم تشفع لهم براءتهم ولا صرخاتهم ولا طفولتهم، فالقتلة على ما يبدو لا تعرف الرحمة طريقا الى قلوبهم وليسقط الاشقاء شهداء.
الأب بهاء بعلوشة في كل ذكرى تمر على الجريمة يكرر نفس الحديث محتسبا أمره عند الله فيقول: لا جديد في ملف التحقيق باغتيال أبنائي الثلاثة رغم مرور كل هذه الأعوام، وقد أغلقت كل الملفات الغامضة بعد وكل الجرائم التي حدثت في غزة انكشفت إلا جريمة اغتيال أطفالي الثلاثة التي هزت الكون.
ويطالب اللواء بهاء بعلوشة الجهات الرسمية بفتح تحقيق رسمي وجدي في جريمة الاغتيال، قائلا: في يوم من الأيام سينكشف الجناة وسيقدمون للعدالة، مؤكدا انه سيكون هناك دعوات قضائية سترفع إلى محاكم دولية ضد مشتبهين بهم في حادثة الاغتيال، مؤكدا أن جميع من لهم صلة بالحادث سيقدمون للمحاكمة أجلاً أم عاجلاً.
أسامة وأحمد وإسلام بعلوشة أعدموا على يد مجموعه لا تعرف الله ولا تؤمن باليوم الأخر، قتلوهم بدم بارد دون أي ذنب اقترفوه.
ويوضح اللواء بعلوشة أن السيارة التي كانت تقل ابناءه اصيبت بأكثر من ستين رصاصة ومن جميع الجهات، مؤكدا ان الشارع الفلسطيني لم ولن يقف مكتوف الايدي في هذه المرة، موضحا ان هناك كانت فرقة موت تحترف القتل ومدربة تدريبا جيدا، وتعمل في الخفاء، هي من اعدمت الاطفال الابرياء.
هذا التساؤل تردده والدة الأطفال الثلاثة في كل صباح تفتح به باب غرفتهم لتستعيد صدى أصواتهم حينما كانوا يقابلونها بابتسامتهم وترديد صباح الخير ممتزجة بحروف ماما، فتقول زوجه بهاء بعلوشة الاخت ليندا، استيقظت من النوم لكي أعد الإفطار لأطفالها الثلاثة واساعدهم على ارتداء زيهم المدرسي واضع لهم حقائبهم المدرسية على أكتافهم، وبعد دقيقة واحدة من نزلوهم البيت تتعرض السيارة التي تقلهم لمئات الطلقات النارية من أسلحة من نوع رشاش مختلفة و أخر رشاش 500 على أيدي مسلحين ظهروا فجأة، معترضين طريق السيارة التي تقل أطفالي الذين لا هم لهم سوى الوصول لمدرستهم.
فاجعة الاغتيال هذه هزت أركان المجتمع الفلسطيني يومها، فتوشحت كل المن الغزية بالسواد، وعم الحزن أركان القطاع، وملأ الغضب الشارع الفلسطيني وخرجت الجماهير لتشييع الشهداء الأطفال الثلاثة الذين لفوا بعلم حركة فتح شارك في موكب التشييع المهيب، عشرات آلاف المواطنين من مسئولين ومدنيين وأمنيين وطلبة جامعات ومدارس، وأطفال بعمر الورود يحملون أكاليل من الزهور، إضافة إلى حقائبهم المدرسية، حيث انطلق الموكب الجنائزي المتسم بالحزن والغضب، من مستشفى دار الشفاء في المدينة، مخترقاً شارع الوحدة باتجاه منزل ذوي الشهداء في حي الرمال، حيث ألقيت نظرة الوداع من قبل الأهل والمحببين وسط صيحات من العويل و البكاء على فراقهم، وهم يرددون صيحات "الله أكبر"، "حسبنا الله ونعم الوكيل".
وردد المشاركون في التشييع عبارات الغضب والتنديد بالجريمة البشعة، وطالبوا بالقصاص من القتلة ليكونوا عبرة لغيرهم، وانطلق المشيعون باتجاه مسجد الكنز القريب من منزل العائلة، حيث أديت صلاة الجنازة على جثامين الأطفال الأشقاء، بعدها توجه الموكب إلى مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كانت تؤدى صلاة الجنازة على روح الشهيد الهبيل، والتحم موكبا التشييع معاً، ومن ثم توجه المشاركون في الجنازة باتجاه مدرسة الروم الأرثوذكس، التي كان الأطفال الثلاثة يتلقون تعليمهم فيها، وسجيت جثامينهم أمام المدرسة لإلقاء نظرة الوداع من قبل زملائهم الأطفال ومدرسيهم ومدرساتهم، ولدى مرور موكب التشييع بدت شوارع مدينة غزة متشحة بالسواد، وذلك بإحراق إطارات السيارات فيها، كما أغلقت كافة المحال التجارية أبوابها، ورفع مواطنون رايات سوداء تعبر عن الغضب والحداد على أرواحهم الطاهرة.
من وسط دموعها التي انهمرت على خديها وهي تجلس على سرير احد أطفالها الثلاثة فى غرفة نومهم وتحتضن ملابسهم قالت والدة الأطفال الثلاثة الذين قتلتهم يد الغدر صباح الاثنين هل حقق القتلة ما يريدون حينما استهدفوا أبنائي الثلاثة.
وتستذكر الأم، اليوم الأخير لأبنائها وقالت معروف عن أولادي الثلاثة أنهم أشقياء لكن اليوم الأخير لهم يوما غريبا وحافلا فقد طلبوا منى التوجه إلى جدتهم لرؤيتها فذهبنا إلى هناك وقضينا بعض الوقت ومن ثم طلبوا من أن نخرج للتنزه فذهبنا وتجولنا فى بعض الأماكن ومن ثم عدنا للبيت.
وتضيف والدتهم، بعد عودتنا للبيت كان من المفترض أن ينام أولادي الساعة السابعة مساء ولكن في هذا اليوم رفضوا النوم مبكرا وأصروا البقاء معي ومع والدهم طوال الوقت خاصة وان ابني احمد الأوسط كان لديه امتحان إملاء وطلبنى أن ادرسه قبل الذهاب للامتحان.
وتشير والدتهم، انه بعد محاولات مضنية تمكنت من إقناع الأطفال التوجه إلى أسرتهم للنوم للاستيقاظ باكرا إلى المدرسة وفى الصباح جاء ابنها احمد ليقول لها وهو يهجأ الكلمات التي سيمتحن بها اليوم، ماما حجيب عشرة على عشرة عشان لا تضربيني، وقالت ضحكت كثيرا علي جملته.
وتقول والدتهم، منذ أسبوع تقريبا وأنا اشعر أن هناك مكروه سيصيب عائلتي ولم أُخف هذا الموضوع علي زوجي بهاء خاصة وان هذا الشعور الخفي تزامن مع كوابيس كنت أراها أثناء نومي واستيقظ مفزوعة.
وتضيف من وسط دموعها لا استطيع التخيل أنى لن أرى أولادي الثلاثة بعد اليوم، متسائلة ما الذي حققه القتلة من قتل أبنائها الثلاثة، لقد سرقوا أجمل ما في حياتي من اجل انتقام تافه؟
وأنا أريد أن اسألهم هل حققتم ما تريدون بقتل هؤلاء الأطفال الأبرياء؟ فبدل أن يهديهم هؤلاء القتلة ألعاب، أهدوهم رصاصات حاقدة في رؤوسهم وصدورهم، وبدل أن يهديهم هؤلاء القتلة قبلة على جبينهم كدلالة على الأبوة، أهدوهم رصاصات غاشمة في قلوبهم ليفارقوا بعدها هذه الحياة التي ملئت بظلم وعتّو الظالمين والسفلة المجرمين وتثكل يومها عائلة بعلوشة.
أعلم أيها الظالم يا قاتل هؤلاء الاطفال بانك سوف تقف يوم القيامة أمام هؤلاء الاطفال وأمام خصومك المظلومين ممن غدرت بهم وقتلتهم بكل خسّة وجبن لتحاكمك المحكمة الإلهية الكبرى، والتي لا يغادر فيها صغيرة ولا كبيرة ألا وأحصاها، هؤلاء الأطفال لم يشارك في مظاهرة او في ميدان الحرب، بل كانوا ذاهبون الى مدرستهم ليتعلموا ويكبروا وينفعوا وطنهم وشعبهم مستقبلا، لكن من خلت قلوبهم من الرحمة بمجرد أن رأوهم سددوا رصاصات الحقد تجاههم ليسقطوا صريعين، فبأي ذنب تقتل هذه الأنفس وبهذه الطريقة ؟ وكيف أصبح الدم المسلم مباح من قبل المسلم ؟ أي دين هذا الذي يسوغ لأبنائه قتل الأنفس الحرام بكل صلافة وكل برودة دم ؟
يا بهاء ويا ليندا !!
أيها الثكلى الداميين العينين !!
لقد كبرت أحزانكم !!
وانتشرت على أرض فلسطين !!
فصارت بحجم مساحته !!
لقد ارتفع صوت الله في وهادكم ووديانكم !!
وهو يعلو ويعلو !!
وإذا أطفالنا سئلت بأي ذنب قتلت !!
وكأني أرى وجهكم الدامي !!
يتطلع ألى الأفق البعيد !!
يبحث عن نبع أو قنديل أخضر !!
ليواسيكم في محنتكم !!
ويخفف من أحزانكم الثقيلة !!
لقد هجم الذباحون الأوغاد !!
المتعطشون لسفك الدم البشري !!
والبارعون في استباحة الحرمات !!
وثكل الأمهات !!
إنهم برابرة العصر ولقطاء الليل !!
الخارجين من جحور الظلام !!
ومستنقعات الإثم والجريمة والغدر !!
جاؤوكم بكل أوضارهم ونتانتهم !!
وحقدهم التاريخي الدفين !!
ملئوا سياراتهم بالرصاص وبقنابل الموت والدمار !!
ليمزقوا أشلاء أطفالكم البريئة !!
الذين يحلمون بوطن آمن !!
ورغيف خبز حار !!
وشارع نظيف يسيرون فيه بأمان !!
ومدرسة جميله !!
تضمهم مع كل الأطفال الصغار !!
ومستوصف صغير يشفي جراحاتهم المزمنة !!
لكن تلك الأحلام تحولت إلى هشيم محترق !!
خلال ساعات !!
وصعدت الأرواح البريئة إلى السماء !!
تشكو الظلم والقتل وسفك الدماء !!
دون جريرة أو ذنب !!
سوى أنهم أطفال يحلمون بالعيش !!
ككل البشر في هذا العالم !!
آه آه آه يا بهاء !!
يا طير الطهر المذبوح !!
والسابح في ملكوت الله !!
يا رجل الحزن الشاسع في الرمضاء !!
يا حشرجة الغبش الدامي والأنداء !!
وعذابات الليل الممتد على الصحراء !!
أيها الدامي العينين !!
يا نبع الوجد المأسور على كل الأرجاء !!
صوتك قد بح وتم الذبح !!
لم يسمع حشرجة الذبح سوى الأعداء !!
هم مضغوا لحم الطفل !!
هم سحقوا الزهر المتعطش للنور !!
والإثم سلاح اللقطاء !!
فمن يطوي الحزن الطالع من أحداق الفقراء ؟؟؟
من يوقف نزف الجرح الغائر في كل قلوب الشرفاء ؟؟؟
من يشعل في هذا الصمت الموحش خيط ضياء ؟؟؟
آه يا بهاء كم أحببت هذا الوطن الغالي على قلبك !!
لقد قتلوا ابناءك أعداء الإنسانية !!
وقتلوا معك الابتسامة وغصن الزيتون الأخضر !!
فلك منا مليون تحية !!
فأنت يا بهاء الريحان والمسك والعنبر !!
أنت اللوز والزعتر !!
أنت مشاعل أنت مناجل !!
روح ابناءك ستقاتل من قتلهم !!
فروحهم لم تزل !!
تحمل القران والكوفية والحجر !!
تفتح أزهارا وسنابل !!
لأنهم عشقوا الأمل وعشت أنت يا بهاء الألم !!
فأنت قنديل ساطعة توقده دماءهم الوردية !!
بهاء العُروبة وَالنخوة والكَرامة !!
وَمَنبعْ الثَوريْين والاصَالة والنشامْة !!
فدماء ابنائك هي طريق الحرية !!
يا مشعل نور في الأرض !!
يا إبن الفلسطينية !!
ناموا يا ابناء بهاء يا قرة عيون والديكم، فهنيئا لكم، فإذا كانت عيون والديكم ومن أحبتكم لا تراكم مجددا فإن قلوبهم لن تنساكم أبدا.
سلام عليكم أيها الشهداء السعداء وانتم في عليين مع الأنبياء والشهداء وحسن اولئك رفيقا.
سلام عليكم أيها الشهداء يوم مولدكم، وسلام عليكم يوم إستشهادكم، وسلام عليكم يوم تبعثون احياء.
بقلم : رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي