يوم عيد وطني وتاريخي في حياة شعبنا الفلسطيني هو يوم إنهاء الانقسام والقضاء على الخلافات والتجاذبات ، وإعلان حكومة وحدة وطنية تكون حكومة شراكة نزيهة وعلى درجة عالية من المهنية والكفاءة ، تحاول أقصى ما يمكنها لتنفيذ برنامجها الوطني ، وتعمل كل ما باستطاعتها على تلبية وإصلاح مفاصل الحياة العامة وترميم المؤسسات الحكومية كافة وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بمؤسساته ووزاراته وهيئاته وسفاراته ، علاوة على ذلك إخراجه من حالة الفراغ السياسي إلى حالة الحكمة والتبصر ، لتضع الوطن الفلسطيني على جادة الديمقراطية بالاتفاق على المنهجية التي عرضت الصورة الحقيقية للمكونات الفلسطينية كافة والبحث عن الاختناقات الحقيقية التي تقف بوجه استعادة الأنشطة الحيوية لمفاصل الوطن ، بتحريك بوصلتها لتقديم أفضل الخدمات فضلا عن استهدافها الخطط الاصلاحية والمضي فيها من خلال الإشارة إلى الملامح الإستراتيجية.
إن تحقيق رغبة شعبنا في تشكيل حكومة وحدة وطنية نزيهة وحكيمة ، تضع نصب أعينها المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا وليس مصالح حركات أو أحزاب أو فصائل أو فئات او عائلات أو تكتلات بعينها ، هو هدف نبيل يجب أن يسعى له كل المخلصين وشرفاء وأحرار الوطن الفلسطيني بجانب القيادة العليا للشعب الفلسطيني ، لأن الانقسام كما يعرف الجميع له نتائج خطيرة جدا على مستقبل الوطن الفلسطيني الذي يبني نفسه من جديد ، فمهما تكن أسباب الخلاف بين هذا وذاك ، فلا يجب أن تتمزق الوحدة الفلسطينية ، لأن بالوحدة الوطنية يأمل الشعب الفلسطيني في تحقيق ما يصبوا إليه ، أما بوجود هذا الانقسام الموجود فلا يؤدي إلا إلى الفرقة وتمزيق وحده النسيج الوطني ، وباعتقادنا إن تشكيل أي حكومة في ظل هذا الوضع الانقسامي ، ستكون الحكومة مشلولة اليدين ومقيدة الحركة ، وبذلك تكون حكومة ضعيفة وعقيمة وغير قادرة على مجابهة التحديات القادمة والتي هي أصعب بكثير مما مضى لأنها يجب أن تكون حكومة الكل الفلسطيني بما تعنيه من الكلمة حكومة بناء وتعمير وتنمية وتحقيق السيادة وتثبيت القانون.
نعم ، هنالك صراخ من الاعماق من مختلف شرائح أبناء شعبنا ، تنبئ عن شدّة الألم والمعاناة التي يعيشها شعبنا ، في أكثر من صعيد، بيد أن المهم تضميد الجرح بعد وضع اليد عليه ، لتخفيف الألم تدريجياً ، ثم المعالجة النهائية ، وليس فقط التهدئة وتطييب الخواطر وتلبية بعض المطالب ، أليس كذلك ؟.
إن أزمات الوطن الفلسطيني، كثيرة بلا شك فهو وطن يصنع نفسه من البداية ويجد في طريقه المتشعب والغير معبد الكثير من المطبات والحفر العميقة كتحدي الانقسام وملف المصالحة والاقتصاد والتعمير والبناء وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال الصهيوني وتشكيل الحكومة وترتيب البيت الداخلي وتركات الماضي اللعين ، ولكن المسؤولية في البناء الجديد بحاجة إلى عزيمة كبرى كما أسلفت ، فالتحديات موجودة على الأرض ولن تزول بسرعة ولكن العزيمة والإصرار يجب أن تكون أشد وأقوي وما يشجعني على قول ذلك هو النتائج الباهرة لأخر جلسة حوار بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع قادة حركة حماس ومبادرة الأخ رمضان شلح الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي والزيارات المكوكية التي يقوم بها ممثلي القوى والفصائل بين العواصم العربية كالقاهرة وقطر والرياض وعمان ، من اجل تحقيق الهدف المنشود وهو إنهاء الانقسام البغيض في الوطن الفلسطيني ، وقد تحققت مؤخرا بعض هذا الحوارات والجلسات بين هذا وذاك لتحقيق هذا المطلب ، فرغبتنا ودعوتنا لأصحاب القرار الفلسطيني أن يضعوا الشماعات جانباً (مع احترامنا لكل أثقال التحديات) ولكنهم في مرحلة تاريخية حرجة ويجب عليهم مواكبتها وليتذكروا إن التاريخ لا ينسى ما يصنعه البشر من أعمال خيرة كانت أم سيئة ، وهم مطالبون ببذل عزيمة أكبر للوصول إلى شاطئ الأمان (الذي كلما اقتربنا منه توجبت علينا مضاعفة الجهود الوطنية).
وفي تقديرنا ، إن الخطوة الأولى نحو العلاج الحاسم والجذري ، يكمن أولا بتشكيل حكومة وحدة وطنية ، حكومة تقوم على فك الحصار الغاشم وتفتح المعابر وتعمل على تنمية الوطن وازدهاره وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال ، حكومة وحدة وطنية دستورية تمثل كل ما هو وطني شريف قادر على خدمة وطنه وأمته وقضيته الوطنية المركزية ، حكومة تتمتع بثقة واحترام الجماهير والإرادة والقدرة على الالتزام ، بمصلحة الوطن والمواطن ، وفقا لأحكام الدستور والقانون وحماية حقوق المواطن والوطن بالقول والعمل وفقا لمقتضيات المرحلة والمعركة والمصلحة الوطنية العليا ، وأن يتجسد ذلك كله في برنامج وإستراتيجية واضحة لمثل هذه الحكومة يمكن إجمالها في الخطوط الأساسية التالية:
توفير استحقاقات الإصلاح الديمقراطي بكل الأبعاد والمعاني ولاسيما ونحن شعب نعشق الديمقراطية والحرية.
تصحيح وزيادة وتائر واتجاهات البناء والتطوير والنماء المؤسساتي والوزاري والاقتصادي والأمني والإعلامي والعمل الاكاديمي والمهني والتنظيمي.
تكامل أجهزة ومؤسسات الدولة الفلسطينية وعدم تنازع وتضارب المجهودات والإنجازات فيما بينهما.
الحزم والضرب من حديد في مواجهة عناصر الفوضى الاجتماعية والتعصبات الفكرية الهدامة وفوضى القوى كالنزعات الخاطئة وفوضى السلاح وبروز مراكز القوة.
الحزم بالإجراءات والعقوبة والمحاسبة الرادعه والمكاشفة حيال السلوكيات السلبية ، لأن شعب يفقد قيم سلوكياته سوف يفقد قيم أهدافه ونبل تطلعاته.
يجب أن يكون هناك آلية تثقيفية وإعلامية وتربوية في مستوى العمل التعبوي وفي مستوى البناء المعنوي وبناء الإنسان وتعزيز الثقة بالمنجزات ومواجهة العمل الإعلامي والتعبوي المعادي والمضاد بكافة صوره ، بحيث تكون لدينا آلية إعلامية منافسة قادرة على التأثير والتنوير والتثقيف.
العمل الحثيث لتوفير كل عناصر وأبعاد الوحدة الوطنية ، سواء في النطاق الشعبي أو في نطاق العلاقة بين الشعب والسلطة أو في نطاق القوى السياسية والتنظيمية.
لابد من خلق برامج للبناء المستقبلي على مستوى الثقافة والتعليم والتعليم العالي والأبحاث العلمية والتقنية خصوصا ، والصحة والاقتصاد والتكنولوجيا تجمع ما بين الخصوصية والاحتياجات وضرورات التحديث والتنوير ومواكبة مستوى التطور العلمي والحضاري للمجتمعات الراقية ولمستوى تطلعات شعبنا بالتقدم والنماء الحضاري وضرورات مواجهة المستقبل.
لابد من التقدم في مضمار بناء مؤسسة القضاء وإعمال سلطته ، حيث أن العدل هو أرقى قيمة من قيم الحكم الصالح ، وأن توفير العدل أصبح رهنا بمؤسسة قضائية تتمتع بالقدرة والكفاءة والنزاهة ، والسلطة الضرورية لحياتنا ، فبدون العدل لن نبني ونطور وننمي وطننا ، ولن نحقق نظامنا ، ولن تكون هناك قيم نبيلة ولن يكون هناك استقرار اجتماعي ، ولا أمن ولا أمان.
وهناك مسؤوليات وخطوات أخرى يجب على أي حكومة قادمة أن تضطلع بها لكي يكمل عملها وهي:
تخليص الوزارات والمؤسسات الوطنية من العناصر والأساليب المتخلفة.
التخلص من بعض الأساليب الأوتوقراطية والانتهازية في العمل الحكومي.
الاهتمام بقطاع الشباب والذي يشكل نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني وتوعيتهم بطبيعة موقعهم ودورهم وحقوقهم وواجباتهم الاجتماعية لتأهيلهم وإعدادهم ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع ، وأن يشاركوا فيه وأن يتفاعلوا معه بدل تحويلهم إلى قاعدة يسهل التلاعب بها.
الاهتمام بقطاع المرأة وتكثيف الجهود مع مؤسسات القطاع الخاص ، لوضع إطار عمل ومنهجيات واضحة تعزز من تحقيق تكافؤ الفرص في هذا القطاع وبما يدعم توفير النظم والخيارات التي من شأنها إتاحة الفرص المتكافئة ، وان يضطلع القطاع الخاص بدوره في دعم قضايا المرأة من خلال جهود مؤسسات المجتمع المدني انطلاقا من المسئولية الاجتماعية.
التخلص من ظاهرة الواسطة والمحسوبية والفساد من خلال تفعيل وتحسين آليات مسؤولية الحكومة من خلال إرساء دعائم الديمقراطية وازدياد مشاركة المواطنين في المسألة العامة.
العمل الجاد لعودة دولة فلسطين إلى وضعها الطبيعي في المحافل الدولية والإقليمية والعربية وتمكينها من أخذ دورها في رسم السياسة الإقليمية والدولية.
التقليل من تأثير النظام العائلي والعشائري على النظام السياسي نظرا للاستعداد التقليدي لدى العشائر في تغيير تحالفاتهم وفق مصالحهم اليومية.
تشكيل المؤسسة الأمنية والعسكرية على أسس غير حزبية أو سياسية بل تكون وطنية.
إن شعبنا الفلسطيني الذي يأمل أن يعم السلام والعدل والتنمية والنظام وسيادة القانون ، فهو لا زال يدفع ثمن الانقسام البغيض الذي ضرب وطننا وقسمها الى مناطق وكانتونات ، فهذه صرخة مدوية من شعبنا توقظ القادة وأصحاب القرار الوطني من سباتهم وحثهم بضرورة توفير عناصر صالحة تحدث طفرة في العلاقات العامة وتساعد في حل الأزمات ، وعليهم أن يعملوا وكأنهم في فريق وطني واحد ، كما في لعبة كرة القدم التي يضم عناصر من عدة فرق متنافسة ، وهذا الأمر يحتاج الى ثقافة جديدة هي ثقافة نبذ الصراعات والتشنجات والتجاذبات الثانوية وتجيد حلقاتها المغلقة ، فالوطن الفلسطيني بجماهيره وثوابته وإنجازاته الوطنية في خطر محدق أن بقي الجميع يفكر بطريقة الغالب والمغلوب ، وكم نحن اليوم بحاجة إلى شخصيتين كبيرتين عظيمتين افتقدناهم وأفتقدهم الجميع القادة العظام ياسر عرفات وأحمد ياسين هؤلاء الشهداء الأحياء ، كم نفتقدكم ويفتقدكم الكل الفلسطيني ، لجمع الشتات وسداد الرأي ، نفتقدكم لما عرفنا عنهم في مثل هذا الموقف ، فنحن في خطر لأن البعض يرى بأنه قادر أن يغلب ولا يعرف بأنه يريد أن يغلب نفسه ، يريد أن يغلب الوطن الفلسطيني ، لكن أملنا بالقيادات الفلسطينية الإخوة محمود عباس وخالد مشعل ورمضان شلح وأحمد سعدات ونايف حواتمة ، وكل الإخوة والرفاق في الفصائل والأحزاب الفلسطينية ، بأن يكونوا عند حسن ظن شعبهم ، وأن يعودوا لمبدأ الوحدة والشراكة ، والمصلحة الأهم والغاية الأكبر فلسطين مزدهرة ، وإلا فالقادم أخطر.
ومضة أخيرة :.
نأمل أن نعيش بأمن وأمان ، نأمل أن نبني مجتمع متماسك وقوي ، نأمل أن نحقق الغاية المنشودة ، نأمل لنا بمستقبل زاهر وبناء دولة عادلة.
بقلم / رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي