في الأمس صدر قرار مجلس الأمن الذي يحمل رقم 2334 وذلك بعد يوم واحد من سحب مشروع القرار الذي كانت قد تقدمت به جمهورية مصر العربية.
القرار صدر بعد أن تقدمت به أربع دول أعضاء في مجلس الأمن وهي ماليزيا والسنغال وفنزويلا ونيوزيلاندا، حيث نص في أحد فقراته على أن جميع الأنشطة الإستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، غير قانونية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام على أساس حل الدولتين.
هذا وكان قد صوت لصالح القرار 14 عضواً بمن فيهم أربعة أعضاء دائمين هم روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وعشرة أعضاء غير دائمي العضوية هم أنغولا واليابان ومصر ونيوزيلاندا وماليزيا والسنغال واسبانيا وفنزويلا وأوكرانيا وأورغواي، وإمتنعت لأول مرة منذ ثاني سنوات عن إستخدام حق النقض الفيتو الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني أن هذا القرار قد حاز على إجماع دولي كاسح.
في تقديري أنه بغض النظر عن حيثيات القرار والتحفظات التي أبداها بعض المراقبين حول ما جاء فيه خاصة فيما يتعلق بأن القرار أوصى فقط ”بفحص” طرق عملية لضمان تطبيق كامل للقرارات المتعلقة بالاستيطان كل ثلاثة أشهر بدون توضيح ألية التنفيذ، إلا أن موقف الإدارة الأمريكية الحالية من خلال إمتناعها عن التصويت لأول مرة في تاريخ فترة حكم الرئيس باراك أوباما يعد أمراً مدهشاً ويحمل دلالات على أن الحال بين إدارته وإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب دخلت في حالة تنافس حول الملف الفلسطيني الإسرائيلي حتى في الأيام في الأخيرة ، وهذا يفسح المجال لإمكانية الحراك مستقبلاً، ولذلك يبدو بأن عدم إستخدام حق النقض الفيتو ضد هذا القرار، قد جاء في هذا السياق لوضع العصي في الدواليب قبل تسلم الأخير فترة رئاسته في ال 20 من يناير 2017.
من المعروف أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي صرح عبر تغريدة له على التويتر بعد تمرير هذا القرار بأن ما بعد ال 20 من يناير كل شئ سيتغير في إشارة منه لرفضه لهذا القرار، كان قد أفصح في عدة مناسبات عن دعمه للمستوطنات الإسرائيلية، كما أنه وعد بأنه سينقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وهذا أمر أثار تخوفات المنطقة بأكملها كما عبرت مجلة فورين بولسي عن تخوفاتها من أن يؤدي ذلك إلى حدوث إنتفاضة فلسطينية ثالثة باتت المنطقة لا تحتملها.
لذلك تعد أهمية هذه القرار في هذا الوقت ، وذلك في الموقف المتقدم الذي إتخذته إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونجاحها في تفريغ شحنة الغضب الكامنة في صدور الفلسطينين نتيجة مواقفها المنحازة طوال فترة الثماني سنوات الماضية، كما أنها ستستنفر الإدارة الأمريكية الجديدة للإهتمام بهذا الملف وتفرمل إندفاعها، حتى لا تمضي قدماً بدون تمحيص وتدقيق وحسابات جيدة وفهم للواقع القائم في المنطقة والتحديات التي تواجهها، ولربما لإرسال رسالة قوية للإدارة الجديدة تحمل عنوان مفاده بأن الواقع مختلف تماماً عندما يكون الأمر يتعلق بتحمل المسؤولة خاصة داخل البيت الأبيض.
هنا لابد من التنويه إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو الرئيس الوحيد الذي لم يصدر في عهده أي قرار يتعلق بإدانة سياسات إسرائيل الإحتلالية سوى هذا القرار وحرص على ممارسة السياسة الناعمة، حيث أنه في عهد الرئيس ليندون جونسون كان هناك تمرير لسبع قرارات بدون إستخدام حق النقض الفيتو، وفي عهد الرئيس ريتشارد نيكسون كان هناك تمرير لخمسة عشر قرار، وفي عهد الرئيس جيرالد فورد كان هناك تمرير لقرارين ، وفي عهد الرئيس رونالد ريجن كان هناك تمرير لإحدى وعشرين قرار، كما أنه في عهد الرئيس جورج بوش الأب كان هناك تمرير لتسع قرارات ، وفي عهد الرئيس بيل كلينتون كان هناك تمرير لثلاث قرارات ، أما في عهد الرئيس جورج دبليو بوش فكان هناك تمرير لستة قرارات.
أيضاً في تقديري أن القرار رقم 2334 الصادر في 23 ديسمبر 2016 هو قرار غير ملزم ولن ينال حظه بالتنفيذ كغيره من القرارات الأخرى، ولكنه من الناحية المعنوية يمثل حراكاً للمياه الراكدة وتحدياً مسبقاً للإدارة الأمريكية الجديدة لتحمل مسؤولياتها إتجاه عملية السلام والعمل من أجل حماية حل الدولتين الذي بات يواجه تحديات ضخمة.
من الجدير ذكره أن هناك عدة قرارات سابقة حول الإستيطان قد صدرت عن مجلس الأمن ولم تستخدم الإدارات الأمريكية السابقة حق النقض الفيتو ومنها القرار رقم 446 الذي إعتمد في 22 مارس 1979، والقرار رقم 452 في 22 يوليو 1979، والقرار قرار 478 من 20 أغسطس 1980، وجميعها قرارات بقيت حبيسة الأدراج ولا زالت حبر على ورق.
بقلم/ م. زهير الشاعر