" المسيحيون العرب ملح الأرض"

بقلم: فراس الطيراوي

في هذا اليوم العاطر الشذي، الأغر الندي تطل علينا ذكرى ميلاد نبي السلام والمحبة المسيح العربي الفلسطيني عيسى عليه السلام وهي ذكرى عزيزة ليس على قلوب المسيحيين فحسب بل الإنسانية جمعاء، هذا النبي الذي حمل راية السلام والحرية والمحبة بين بني البشر، وذاد عن الرسالة ، نعم جاء المسيح من أجل نشر السلام وحتما سيعود لهذه الأرض لينشر المحبة والسلام ويقضي على الظلم والطغيان.

 ففي هذه المناسبة العطرة لايسعنا الا  ان نتقدم  بآسمى آيات التهاني والتبريكات لأخواتنا المسيحيين في فلسطين بشكل خاص، وفي وطننا العربي بشكل عام، ونقول لهم : كل عام وأنتم بألف خير وفرح وسرور وعيد ميلاد مجيد، كل عام وأنتم اخوتنا وأحبتنا وشركائنا، كل عام ونحن معا وسويا من أجل كنس الاحتلال الصهيوني الغاشم وبناء وطننا الغالي فلسطين . وفي نفس الوقت نقول : لمن يفتي بتحريم تهنئة اخوتنا المسيحين في أعيادهم إصمت ولا تتحدث بإسم الله والعقيدة السمحاء التي تدعو الى السلام والرحمة والمحبة والإخاء، لن نسمح لك ولأمثالك من اصحاب الفكر الظلامي والطائفي والجهوي والقبلي أن يفرقونا او يعكروا صفونا، فأخوتنا المسيحيين هم ملح هذه الأرض ، فلا طعام مستساغ بدون ملح، وهم جزء اصيل من النسيج الوطني الفلسطيني ، وهم من حافظ على لغتنا العربية، كما أنهم منبع التنوير في المنطقة، بصماتهم لن تنسى، لأن حضورهم متأصل ومتجذر في هذه الأرض منذ القدم . نحن مدينون للعرب المسيحيين، فمن ينسى موقف أسقف مكة ورقة بن نوفل، الذي طمأن ابنة عمه خديجة /زوج رسول الله محمد 'عليه أفضل الصلوات والسلام '، عندما لجأت إليه بعد نزول الوحي على رسولنا الكريم، وقال لها أنه النبي الذي ورد ذكره في الكتب السماوية، وأن أهله سيبعدونه، وتمنى لو أنه يعيش لذلك اليوم كي يؤازره.

أما الجانب الآخر فهو توجيه الرسول بعد البعثة لنفر من أصحابه تعرضوا لمضايقات من كفار قريش، ونصحهم بالتوجه إلى الحبشة المسيحية لأن فيها ملكاً عادلاً، وكانت تلك أول هجرة إسلامية، إنتصر فيها الملك النجاشي للمسلمين، وآواهم ووقف معهم حتى بعد أن أوفدت قريش وفدا بقيادة عمرو بن العاص قبل دخوله الإسلام يحمل من الهدايا الشيء الكثير للنجاشي، كي يسلمهم المهاجرين المسلمين، لكنه رفض الهدية وتعهد بحماية ضيوفه من المسلمين . ومن منا ينسى العهدة العمرية وموقف الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عندما تسلم مفاتيح القدس من المطران صفرونيوس، وحان وقت الصلاة، رد لهم بعض الجميل، وخرج من كنيسة القيامة، وابتعد عنها قليلاً وأقام الصلاة، وعندما سألوه عن سبب صلاته خارج الكنيسة، أجاب انه يخاف من إستيلاء المسلمين عليها بحجة أنه صلى فيها. ومن أوجه التضحية التي لا تنسى في تاريخ العرب المسيحيين الضابط البحري الحمصي من سوريا جول جمال، الذي فجر المدمرة الفرنسية 'جان بار' في البحر المتوسط بالقرب من شاطئ الإسكندرية، وكانوا يطلقون عليها 'تنين البحر المتوسط'، حيث إنقض عليها بزورقه الحربي ودمرها، وعلى متنها 88 ضابطا و2055 جنديا فرنسيا كانوا يشاركون في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

ولا ننسى أيضا البطل عيسى العوام الذي كان نائبا للقائد صلاح الدين في حربه ضد الفرنجة ودوره في الدفاع عن عكا إبان الحصار، كما أن لنا في موقف العربي المسيحي السوري فارس بيك الخوري، الذي شغل منصب أول رئيس للوزراء في سوريا بعد رحيل العثمانيين عام 1918، وتكرر ذلك مرارا، كما تولى رئاسة مجلس النواب السوري أيضا، ووزير الأوقاف فيها، حيث رد على هرطقات قائد الحملة الفرنسية على سوريا غورو عندما قال له أنه جاء لحماية المسيحيين في سوريا، وكان الرد صاعقا أنه - أي الخوري - يفضل العيش تحت الظلم الإسلامي على أن يعيش في ظل العدالة الفرنسية. كما لا ننسى البطل القومي أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الإجتماعي، الذي تحدى القاضي الفرنسي إبان محاكمته ورفض قيام القاضي بتغيير اسمه من أنطون إلى أنطوان، ما إستفز القاضي الفرنسي وعجل بإصدار حكم الإعدام عليه، أيضا على الصعيد السياسي والوطني والفكري والديني لا أحد يستطيع أن ينكر الدور البارز للقائد الوطني والقومي د. حبش، حكيم الثورة الفلسطينية فمن اقواله المآثورة "أنا إسلامي التربية، مسيحي الديانة،  إشتراكي الإنتماء" ، لقد أفنى حياته في الكفاح والنضال بدءً من كتائب الفداء العربي ومروراً بحركة القوميين العرب وانتهاءً بالأمانة العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لمدة 34 عاماً، وأيضاً القادة الوطنين الآخرين د. نايف حواتمه، الشهيد كمال ناصر، الشهيد وديع حداد، الشهيد ناجي العلي ، الشهيد توفيق زياد، المطران كابوتشي، المطران عطاالله حنا، المطران مانويل سلامة الذي قال لابناء شعبنا أبان الحرب الهمجية على غزة " إذا هدموا مساجدكم فارفعوا الآذان من كنائسنا" كلام مثل تبر الذهب وأكثر، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على مدى الترابط والأخلاق الدينة التي تجمع أبناء هذا الوطن الواحد بمسلميه ومسيحيه والقائمة تطول ممن لهم بصمات واضحة في السفر الوطني الفلسطيني. وقبل هذا وذاك فإن نظرة الإسلام والمسلمين إلى السيد المسيح عليه السلام، وأمه الطاهرة  مريم العذراء عليها السلام تنصفهما وتضعهما في منزلة مقدسة بحق، وقد أفرد الله جل في علاه لها سورتين طويلتين هما 'آل عمران، ومريم'، ولعل القيمة الكبرى في هاتين السورتين هي سمو الخطاب الذي ورد فيهما، ليليق بالمتحدث وهو الله سبحانه وتعالى، والمتحدث إليه وهو النبي محمد 'صلى الله عليه وسلم'، وحامل الرسالة الملاك جبريل عليه السلام، والمتحدث عنهما وهما السيد المسيح وأمه الطاهرة عليهما السلام.

 ختاما:  نحن كفلسطينيين مسلمين  بشكل خاص و كعرب بشكل عام بحاجة للفلسطينيين والعرب المسيحيين ، وهم بحاجة لنا أيضا، فكلانا مستهدفون، ولن نسمح لأحد كان من كان أن  يفرقنا، فوحدتنا خط أحمر فلا وألف لا لبث الاحقاد والسموم وإثارة النعرات الطائفية من أجل  تشتيت الصف وتفريق الكلمة، فلا تنسوا أن السيد المسيح فلسطيني عربي ولد وترعرع في أرض عربية، ولم يكن إنجليزياً ولا إيطالياً ولا أمريكياً ولا إغريقياً . 

بقلم/ فراس الطيراوي