قرار مجلس الأمن رقم 2334 بشأن الاستيطان والإفراط في التفاؤل

بقلم: أكرم أبو عمرو

ما أن أعلن عن صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 حول الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ، كانت هناك ردود أفعال ايجابية انطلقت من مختلف القوى والفصائل الفلسطينية ، وانبرى الكتاب والمحللون السياسيون يتناول هذا القرار بالتحليل وإظهار مواطن الايجابية فيه ، بل ذهب البعض على اعتباره انتصارا للسياسة الفلسطينية ، وانجازا هاما نختم به عام 2016 للدخول في عام 2017 ، عام إنهاء الاحتلال حسب تصريحات سابقة للرئيس محمود عباس .

نعم مما لا شك فيه إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 من القرارات الهامة التي صدرت لصالح قضية الشعب الفلسطيني ، ويحق لنا كفلسطينيين أن نعبر عن سعادتنا وشكرنا لكل من يقف معنا ولو بالكلمة ، لكن من الضرورة بمكان أن نقول أنه لا ينبغي الإفراط الكبير في التفاؤل من نتائج هذا القرار ، بسبب بسيط هو أننا لم نعتد من الأمم المتحدة تنفيذ قراراتها الصادرة بشان القضية الفلسطينية ، قياسا بباقي قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشان العديد من القضايا التي نشأت في كثير من مناطق العالم ، في العراق ، في أفغانستان ، في القارة الإفريقية ، في أوروبا ، وسواء أكانت هذه القرارات ملزمة وواجبة التنفيذ كقرارات مجلس الأمن ، أو غير ملزمة كقرارات الجمعية العامة ، لذلك لا يخفي على الفلسطينيين أن ثمة قرارات كثير صدرت لصالح قضيتنا ، وأصبح مصيرها الاصطفاف على الأرفف ليعلوها الغبار ، ولا نملك إلا إيلام حناجرنا في المطالبة بتنفيذها ، قرارات عديدة صدرت بشان الاستيطان تحتوى على بنود وفقرات من القوة ما يجعلها أقوى من قرارنا الجديد ، فما بالكم من قرار تجاهل العديد من الأمور ،ومنها تجاهل ربطه باتفاقية جنيف الرابعة القاضية بحماية المدنيين زمن الحرب ، ومساواته بين الضحية والجلاد عند تناول مسالة الإرهاب ، وعدم تناوله أليه لتنفيذ هذا القرار أو جدول زمني.

مرة أخرى لا شك انه قرار جيد في كل الأحوال ، جاء بعد 5 سنوات من فشل قرار حول الاستيطان بسبب استخدام أمريكا حق النقض ضده ، لكن أن نحمل هذا القرار أكثر مما يجب ، وكأنه المفتاح الذي سنفتح به أبواب فلسطين ، أو انه الأله التي سنكنس الاحتلال خلال فترة وجيزة ، لا فالحذر الحذر من هذا للأسباب التالية :

- أن تمرير هذا القرار من الإدارة الأمريكية الحالية والراحلة بعد 25 يوما فقط من هذا التاريخ ، إنما جاء في سياق عادة كثير من الإدارات الأمريكية عند رحيلها ، إذ تتخذ بعض المواقف العامة والعابرة تتسم بالليونة تجاه قضيتنا سرعان ما تختفي ، فمن التشدد تجاه قضيتنا طوال فترة حكمها إلى الإقرار ببعض حقوقنا في نهاية فترة حكمها أو بعد الخروج من الحكم ، وهذا ما شهدناه في تصريحات الكثير من المسئولين الأمريكيين بعد مغادرتهم مناصبهم .

- إن تمرير القرار جاء أيضا على خلفية فتور العلاقة مؤخرا بين رئيس حكومة اليمين الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأمريكي ، لذلك جاء التمرير كفركه أذن للطفل الأمريكي المدلل ، وذراع أمريكا المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط .

- عدم ارتياح بل وقبول الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب لهذا القرار وتوجيه الانتقاد إليه بل ذهب البعض من اعضائة بتهديد الأمم المتحدة بتقليص الدعم الأمريكي لها .

- هذا القرار لن يغير شيئا في طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ، إذ أن العلاقة بينهما علاقة إستراتيجية قائمة على إيديولوجيا صهيونية ، وعلاقة مصالح اقتصادية وسياسية قوية ومتشابكة ، والحرص الأمريكي على امن إسرائيل واعتباره خطا أحمر في سياستها الخارجية .لذل لن يتأثر الدعم الأمريكي لإسرائيل قيد أنملة ، وسيستمر تدفق المال والسلاح بمختلف أنواعه إلى إسرائيل ، ولعل طائرات أل F35 التي تصل إسرائيل تباعا خير دليل على ذلك .

لذلك فإن هذا القرار سيبقى فقط أداة من أدوات صراعنا الطويل والمرير مع عدونا ، واستغلاله استغلالا جيدا مرهون بنا وبأدائنا ، فجميع قرارات الأمم المتحدة تحتاج إلى تكثيف الجهود الفلسطينية والعربية السياسية للدفع إلى تنفيذها ، فمن الناحية الفلسطينية المطلوب هو وحدة الكلمة في كل مكان وزمان ، فالمطلوب ترجمة الإجماع على الترحيب بهذا القرار ، إلى إجماعا على الأرض وترسيخ أقدامنا على أرضنا بوحدتنا وتماسكنا وتخلصنا من حالتنا الراهنة حيث التشرذم والاستقطاب والمناكفات ، ومن ثم يمكن إجبار العالم للرضوخ لمطالبنا العادلة .

عربيا ، لا بد من تعزيز علاقاتنا العربية لان البلاد العربية وشعوبها هي في النهاية عمقنا الاستراتيجي ، وظهيرتا الذي نستند عليه ، خصوصا مصر الشقيقة الكبرى ، ولا نجعل من مسالة تأجيلها وسحبها للقرار خطيئة ،فإن لمصر حساباتها وظروفها وقراءتها للظروف ، لا تنسوا أن مصر قد صوتت لصالح القرار ، لا تنسوا تضحيات مصر الجسيمة في خضم صراعنا مع عدونا ، فلا ينبغي السماح للبعض الذين يسعون إلى تشويش على العلاقة المصرية الفلسطينية انطلاقا من هذه المسالة التي لا يجب الوقوف عندها .

بقلم/ أكرم أبو عمرو