هل حان الوقت لكي تتخلى أمريكا عن إسرائيل؟

بقلم: رامي الغف

في لقاء صحفي له ، أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما انه على ضوء الجمود في العملية السلمية ، والشروط الكثيرة التي يطرحها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في كل ما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية ، فان الولايات المتحدة ستجد من الصعب عليها الدفاع عن إسرائيل أمام المبادرات الأوروبية لدفع قرارات في الأمم المتحدة ، ملمحا إلى إمكانية عدم استخدام الولايات المتحدة للفيتو خلال التصويت على المبادرة التي تنوي فرنسا طرحها في مجلس الأمن لاتخاذ قرار في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني ، موضحا في الوقت نفسه إن الخطر الكامن في ذلك هو أن إسرائيل ستفقد مصداقيتها في كل ما يتعلق بعملية السلام ، فمنذ الآن لا يعتقد المجتمع الدولي أن إسرائيل جدية بشأن حل الدولتين.

والسؤال هنا هل فعلا ستتخلى أمريكا يوما على طفلتها المدللة إسرائيل؟

إن التصريح الصحفي للرئيس الأمريكي اوباما والتي ستنتهي ولايته بعد ايام معدوده ، جاءت بعدما تخلي نتنياهو عن حل الدولتين ، وإهداره أكثر من 20 عاما من الجهود الدبلوماسية الأمريكية ، ووعده بمواصلة بناء المستوطنات على الأراضي المحتلة ، وإن هذا ربما يفتح الباب لخلافات أمريكية إسرائيلية وحتى أوروبية قريبا ، لأنّ أفكار نتنياهو تبعث على التشاؤم حيال فرض المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي أعقاب التصريحات الصحفية لنتنياهو عن رفضه إقامة دولة فلسطينية مستقلة ، قال أحد المسؤولين الدوليين بأنه قد تكون إحدى طرق العمل لدى إدارة أوباما هي الاستعداد للحصول على قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعترف بمبادئ حل الدولتَين بما في ذلك اعتبار حدود 1967 مع تبادُل الأراضي كأساس لأي ترتيب إقليمي ، وهي خطوة غير مسبوقة بالنسبة للولايات المتحدة التي لا تزال حتى الآن واقفة بشكل تامّ بجانب إسرائيل في الأمم المتحدة.

بعبارة أخرى ، لقد قررت الولايات المتحدة التخلي عن أكثر حليف تعتمد عليه في منطقة الشرق الأوسط على أمل تعزيز مكانتها في العالم العربي والإسلامي ، حيث قد اتبعت بريطانيا مسارًا مماثلًا لبعض الوقت وحتى الآن ، وتريد أمريكا الحذو حذوها ، فبعد عقود من رفض الإدارات الأمريكية المتعاقبة لأي دور لمجلس الأمن الدولي في التعامل مع أزمة الشرق الأوسط ، والقضية الفلسطينية واستخدام الفيتو لهذا الغرض ، كشف عن نيّة إدارة أوباما دعم قرار الأمم المتحدة حول حدود 1967، الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية.

هناك عوامل جديدة دخلتا للمعادلة السياسية في الشرق الأوسط حاليا ، الأول هو الضغط الأميركي على الحكومة الإسرائيلية لدخول محادثات جوهرية مع الفلسطينيين ، لإيجاد حل نهائي للمشكلة القائمة بينهما على أساس حل الدولتين ، والثاني هو سعي أمريكا للحوار المباشر مع إيران.

إن الفرق بين طرح الرئيس اوباما مشروعه لحل المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية وبين طرح من سبقه من الرؤساء الأمريكان ، هو أنهم قاموا بذلك في نهاية فترة رئاستهم وحاولوا استخدامه كدعاية انتخابية ، أما اوباما فأنه طرح المشروع منذ بداية فترته الرئاسية وخلال المائة يوم الأولى بالتحديد ، أي انه يعتبره هدفا إستراتيجيا لابد من تحقيقه ، وسيكون على المحك لتنفيذه طيلة فترة رئاسته ، كما إن النجاح في تحقيق ذلك سيكون مصدر قوة له ، إذا ما فكر ورشح نفسه مرة أخرى لرئاسة أمريكا بعد فوز دولاند ترامب، حيث يرى اوباما أن الوقت قد حان حتى تتخلى إسرائيل عن بعض مطالبها لغرض إنجاح المباحثات مع الفلسطينيين ، وتصريحه بأن حل القضية، هو مصلحة أمريكية قد تحرج إسرائيل ، والتي ما زالت تراوغ بشأن ذلك الحل ، وكما يبدو فان حكومة نتنياهو قد تراجعت عن مفهوم الحل القائم على الدولتين ، ولم تظهر أي علامة على إيقاف بناء المستوطنات أو غيرها من القضايا المثيرة للجدل سوى تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الأخيرة بضرورة إزالة بعض المستوطنات العشوائية ولو بالقوة ولكن بقيت هذه التصريحات مجرد كلام بلا تنفيذ.

إن الولايات المتحدة لم تعد تملك الموارد المالية أو التأييد الشعبي لاستمرار تمويل إسرائيل ، فمليارات الدولارات من المساعدات المباشرة وغير المباشرة التي يتحملها دافع الضرائب الأمريكي لإسرائيل منذ عام 1967 لم يعد ممكناً تحملها ، ويزداد رفض الأمريكيين لها ، ورفضهم التدخل العسكري في الشرق الأوسط ، كذلك فإن الرأي العام الأمريكي لم يعد يحتمل قيام الإدارة الأمريكية بدعمها المباشر والغير مشروع لحساب إسرائيل ، ويزداد شعور الأوروبيين بنفس الشيء ، وهو نفس شعور الآسيويين والأفارقة والرأي العام العالمي.

كذلك فإن سياسة العزل التي تمارسها إسرائيل في الأراضي المحتلة يؤكدها التفرقة ضد العرب وازدواج العدالة هي أمور لا يجوز أن يستمر تدعيمها بموارد دافع الضرائب الأمريكي ، ولا يجوز للحكومة الأمريكية استمرار السماح بها ، فلقد فشلت إسرائيل في زعمها أنها دولة ديمقراطية ، واستمرار دعم أمريكا لها لن يغير من وضعها كدولة فارقة عالمياً ، إضافة لتزايد العنصرية والعنف من المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين وخاصة في القدس والضفة الغربية هي سياسة تؤيدها حكومة إسرائيل لدرجة أنها أصبحت حاميتها وشريكة فيها.

إن الكثير من يهود أمريكا وخاصة المثقفين ورجال الاعمال والأكاديميين ، أصبحوا يجاهرون بالعداء لسياسات إسرائيل في اضطهاد الشعب الفلسطيني وهدم منازلهم بالمخالفة الصارخة للقوانين الأمريكية والدولية ، وتثار الأسئلة وسط يهود أمريكا عن مدي مسئولية حكومتها عن حماية الأبرياء الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي ، إضافة فإن المعارضة الدولية المتزايدة ضد العنصرية الإسرائيلية لا يمكن استمرار تجاهل القيم الأمريكية الإنسانية لها ، ولا يمكن تجاهل أمريكا لمعارضة 193 دولة في العالم لها.

إن هذا المسار الذي يوحي باحتمال التصادم بين الحليفين أمريكا وإسرائيل يتطلب من الشعب الفلسطيني بشكل خاص والشعوب العربية والإسلامية بشكل عام ، أن يستغلوه أفضل استغلال ، ويجب عليهم أن ينزلوا إلى الملعب ، ولا يبقوا في مواقع المتفرجين ، وأن يستفيدوا من التوجه الأمريكي الجديد هذا ، بمحاولة تفعيل المبادرة العربية التي طرحت عام 2002، أو طرح مبادرة جديدة تستفيد من هذا الموقف ، خاصة وان الرئيس اوباما يطرح هذا التوجه وبقوه , وعليهم أيضا ترك الأسطوانة المشروخة التي يرددونها دائما بأن أمريكا لا تتخلى عن إسرائيل مهما حدث ، والتي سببت للعرب حالة إحباط وتواكل وتكاسل ، عن الإمساك بخيط المبادرة لتوجيه الأحداث أو الاستفادة من معطياتها ، وكذلك يجب عليهم استغلال الاختلاف بينهما حول الموقف من إيران ، فإسرائيل تحاول ربط مسألة حل القضية الفلسطينية مع مسألة إنهاء التسلح الإيراني ، رغبة منها بإيصال الحل إلى طريق مسدود ، أو جني مكاسب جمة من وراء ذلك الربط ، بينما اوباما يعتقد أن محاولات إسرائيل رمي إيران في وسط المعمعة لا علاقة له ، ولن يساعد في إيجاد حل للمعضلة.

على الاشقاء العرب وأحرار وشرفاء العالم الإسلامي ، استغلال قضية التسليح الإيراني لصالح القضية الفلسطينية مثلما تحاول إسرائيل من جانبها إقناع أمريكا بالضغط على إيران بالتخلي عن برنامجها النووي خوفا على أمنها واستقرارها ، لذلك يستدعي هذا موقفا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا موحدا يأخذ في الحسبان قراءة للتطورات الإقليمية والدولية الجديدة ، حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.

بقلم / رامي الغف*

*إعلامي وباحث سياسي