2016 عام اشراقات وابداعات الأسرى رغم الانتهاكات

بقلم: رأفت حمدونة

فى ظل اصدار كافة التقارير للمؤسسات والمراكز والهيئات المعنية بالأسرى التى تتحدث عن الانتهاكات غير الانسانية بحق المعتقلين الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية وهى صحيحة رأيت من المناسب أن أبرز الجانب الابداعى لمسيرة الحركة الأسيرة وهى كثيرة .

فقد انتهى العام 2016 وحمل فى طياته الكثير من اشراقات وانتصارات وابداعات الأسرى ، فالدراسات المعمقة العقلية والمنطقية لا العاطفية وبالشواهد والإنجازات والمعطيات أن الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة بوحدتها وعقليتها الفذة، وخطواتها التكتيكية والاستراتيجية العنيفة والسلمية الفردية والجماعية استطاعت أن تقهر إرادة سلطات الاحتلال العنصرية، وإدارة مصلحة السجون والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأن تتجاوز كل مخططاتها التصفوية والتدميرية، واستطاعت من خلال تقديم عشرات الشهداء والعذابات والمعاناة أن تحمي الشعب الفلسطيني وأبناءه من الاسقاط، وأن تربي وتعبىء وتخرج أجيالاً من القادة تبوؤوا بعد الإفراج عنهم مراكز قيادية على مستوى الفصائل الفلسطينية، وكوادر في المؤسسات الوطنية والنقابية الرسمية والأهلية .

وأن الحركة الأسيرة شكلت حالة إبداعية مميزة على صعيد بناء الهياكل والمؤسسات الاعتقالية واتخاذ القرارات، وترتيب بنية الفصائل الداخلية، ونمط التعاون والتنسيق بين الفصائل في السجن الواحد وبين المعتقلات، وعلى صعيد الاهتمام والبناء الثقافي والإنتاج الأدبي والتعليمي، والتأثير الإيجابي السياسي، ومسيرة الإضرابات المفتوحة عن الطعام الفردية والجماعية من حيث امتداد الفترات الزمنية غير المسبوقة والإنجازات التي تحققت من أنياب محتل لم يعترف بالاتفاقيات والمعاهدات العالمية والقانون الدولي الإنساني ، وأن الأسرى كانوا أكثر حكمة، وأعمق حنكة، وأصلب عزيمة، وأكثر وعي وإبداع، في مواجهة الأزمات، وأكثر حرص على الوحدة الوطنية والتفاهم والمشاركة من الجميع في اتخاذ القرارات على أسس ديمقراطية سليمة، وأكثر كفاءة في استقراء المستقبل بالقدر الذي يحقق الأهداف المرجوة، والقدرة على ترتيب الأولويات وتوجيه اهتمام الأسرى للنافع والمفيد واقعاً ومستقبلاً، وتحديد أفضل الأساليب والوسائل ببدائل متعددة تحت شعار "صاحب بديل أو خيار واحد فاشل" واختيار البديل الأقل تكلفة وأكثر تأثير فى تحقيق الأهداف المرجوة تحت شعار " الكرامة أولاً والحرية ثانياً ".

ويكفى فخراً تجربة الاضرابات المفتوحة عن الطعام رفضاً للأحكام الادارية وانتصار كل من خاضوها ، وتهريب النطف من الأسرى وإنجاب الأطفال كثورة إنسانية غير مسبوقة في وجه السجان، وتجربة الديمقراطية في السجون، والتى تعد تجربة إبداعية وفريدة، نظراً لأنها جاءت في أجواء القمع الاحتلالي، إضافة إلى أنها شكلت خروجاً على سياق غير ديمقراطي بالنظر إلى التركيبة الاجتماعية والسياسية التي عايشها قبل الاعتقال ، ولا شك أن التجربة الديمقراطية للحركة الأسيرة هي تجربة إيجابية في التقييم العام، وأن هذه التجربة جاءت متقدمة بمستوى كبير عن التجربة الديمقراطية خارج السجون، ويمكن القول أن ديمقراطية السجون الديمقراطية الفصائلية والحزبية سبقت ديمقراطية الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية في معاملاتها ويومياتها ولوائحها خارج السجون، لذلك هي مبدعة بممارساتها وأنظمتها ونظم حياتها.

واستطاع المعتقلون الفلسطينيون من خلال برامجهم وأنظمتهم وقوانينهم من تحويل السجون من مكان للإبادة المعنوية الجماعية وتحطيم العزيمة النضالية، إلى انصهار الكل في بوتقة الأكاديمية الاعتقالية التربوية والوطنية والثقافية والأدبية والتعليمية، وتمكنوا رغم كل الضغوط والتعذيب الجسدي والنفسي والحرمان من كل الشروط المعيشية الممكنة، التي تتنافى وأبسط الحقوق الإنسانية، على كل الصعد " في تقديم العلاج والطعام بكمية ونوعية لائقة ببني البشر، وزيارة الأهل، ومواصلة التعليم، و تأدية الشعائر الدينية بحرية وغيرها من الحقوق.

وتحلى الأسرى رغم قسوة السجن والسجان بحجم كبير من الروح التفاؤلية والإبداعية لدى الأسرى من خلال إعداد أنفسهم لما بعد السجن، من خلال التعليم لإكمال الدراسات العليا بعد الحرية، وتوفير فرص العمل والبحث عن الرزق بعد الإفراج، ومن خلال ملء أماكنهم التي سيوظفوا فيها من خلال تطبيق قانون الأسرى الذي يضمن حياة كريمة لهم بعد التحرر من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن خلال تطوير الذات للمشاركة في صناعة واتخاذ القرارات التنظيمية والمصيرية داخل التنظيمات ومؤسسات السلطة الفلسطينية والمؤسسات النقابية والأعمال المتنوعة الأخرى.

ولم يستسلم الأسرى لواقع الاعتقال السىء فى كل تفاصيل حياتهم، بل استطاعوا من خلال إمكانياتهم وقدراتهم وثقة شعبهم بهم، أن يشاركوا من خلال وثيقة الأسرى "الوفاق الوطني" التي تلقفها الكل الوطني بالموافقة كأهم أدوات تحقيق المصالحة الفلسطينية التي تعثرت طويلاً، وكان لهم الدور الكبير في تهريب النشرات والقراءات والدراسات حول واقع المجتمع الإسرائيلي، ومنظومته الائتلافية والحزبية، ومستقبل المسيرة السياسية، والتحذير من الخداع الإسرائيلي لكسب الوقت والاستمرار بالمخططات الصهيوينة الداعية لتهجير شعب بأكمله وتعزيز الاستيطان والتهويد على كل الأرض الفلسطينية، وقراءة الأوضاع العربية والدولية ومكانة القضية الفلسطينية في ظل تطوراتها.

ينتهى العام 2016 ولم تنته اشراقات الأسرى وانتصاراتهم ، ولم ينته حجم الحاجة إلى أفكارهم ونمط حياتهم واستشرافهم للمستقبل ، فكم نحن بحاجة إلى دراسة ابداعات الحركة الوطنية الفلسطينية بما تحمل من انجازات ، وما تحمل من أمنيات لتحريرهم والاستفادة من تجربتها الغنية والغير مسبوقة قياساً بحركات التحرر العالمية ..

بقلم/ د. رأفت حمدونة