عام نودعه فلسطينيون وعرب فيه الكثير من التشاؤم وقليل من التفاؤل....فمسلسل الذبح العربي لم يتوقف ممتد ومتواصل.وكأنها لعنة أبدية حلت على العرب منذ حروب الردة بعد موت الرسول محمد (صلعم) وصراعاتنا مستمرة نقتتل على السلطة والزعامة،والكل يدعي انه على حق ...الشعوب التي تعرضت للقنابل الذرية والهيدروجينية طوت صفحة القتل والدمار والخراب ونهضت من تحت الرماد لتصبح في مصاف الدول المتربعة على عرش العالم اقتصاديا وتكنولوجياً ونحن ما زالت عقولنا متوقفة عند كيفية دخولنا للحمام بالرجل اليمنى او اليسرى وهل الملائكة ذكر أم أنثى..؟؟ والبعض منا يعتقد بان التاريخ يخضع لهندسته الإجتماعية يريد للناس أن يعيشوا وفق صورة متخيلة للماضي ولا يهم ان كانت حقيقة ام لا...التاريخ سلسلة متواصلة من الحقائق لا ينتظرنا من يتخلف عن ركب التاريخ والحياة يبقى في ذيل الشعوب والأمم ،يبقى يغرد ويصرخ خارج التاريخ والبشرية العاقلة.
كل الدول تتعامل وفق مصالحها وأهدافها،إلا نحن العرب والفلسطينيون نرهن مصالحنا وقضايانا وحقوقنا إلى غيرنا،وننتظر منهم ان يأتوا لنا بالفرج،نأتي بهم الى اوطاننا وندخلهم الى غرف نومنا،ونعتمد عليهم في كل شيء،ونصبح غير مالكين لإرادتنا ولا لقرارنا السياسي ولا حتى القرارات المتعلقة بالسيطرة على ثرواتنا واموالنا واستثماراتنا،فها هي السعودية التي رهنت نفسها للغرب الإستعماري وامريكا،تدفع الثمن قانون"جاستا" القانون الأمريكي الذي شرع لمواطنين أمريكيين قتل لهم أهل وأقارب في احداث البرجين في ديسمبر/2001 بمقاضاة دول شارك مواطنيها في تلك الأحداث،وهذا القرار جاء من أجل السيطرة على الأموال والممتلكات السعودية المودعة في البنوك الأمريكية والأراضي والعقارات السعودية المستثمرة في أمريكا.ولكم أن تتصوروا رغم كل الإمكانيات والقدرات والثروات الهائلة التي نمتلكها كأمة عربية،نفشل في استرداد أي حق من حقوقنا المغتصبة،فمبادرة عربية للسلام طرحت في قمة بيروت /2002،لم نستطع أن نلزم لا إسرائيل ولا أمريكا ولا دول الغرب الإستعماري بقبولها وتبنيها،بل كنا نعمل على ترحيلها من قمة عربية الى أخرى ونهبط بسقفها لكي تقبل بها إسرائيل،ولكن دوما إسرائيل ترد عليها بشن المزيد من الإعتداءات والعدوان على أمتنا وشعبنا الفلسطيني استباحة الضفة الغربية في عام/2002 والحرب العدوانية على لبنان تموز/2006 والحروب العدوانية على شعبنا في قطاع غزة 2008 – 2009 و 2012 و2014 .
والأنكى من ذلك أن نشارك في اغتصاب اوطاننا وتدمير خيراتها وثرواتها ومقدراتها وقتل أبنائها وهتك أعراض نسائها وبناتها،وممارسة التطهير العرقي بحق مكونات مجتمعاتنا وتفكيك جيوشها في حروب مذهبية وطائفية أتت الينا كمشاريع إستعمارية هدفها تقسيم وتفتيت وتذرير وتفكيك جغرافية أوطاننا وإعادة تركيبها من جديد على تخوم المذهبية والطائفية والثروات بغرض انتاج سايكس- بيكو جديد،يضمن لهم السيطرة على كيانات اجتماعية هزيلة لمئة عام قادمة،تكون فيها إسرائيل شرطيهم الذي يقمع كل من يحاول من قادة وزعماء هذه الكيانات التمرد او شق عصا الطاعة.
وبالمقابل فلسطينياً رغم كل "تغول" و"توحش" العدو الصهيوني على شعبنا في أوسع هجمة إستيطانية،تجعل من إمكانية الحل المرحلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران /1967 ضرباً من الخيال،استمرينا في اقتتالنا والتحريض على بعضنا والمناكفات السياسية الداخلية والصراع على السلطة المنزوعة الدسم والمحكومة براً وبحراً وجواً من قبل الاحتلال،ونظامنا السياسي تتعمق أزمته ويفقد شرعيته على مستوى السلطتين القائمتين في غزة ورام الله وكل المؤسسات والهيئات المرتبطة بها وبمنظمة التحرير الفلسطينية،ونفشل في إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية ورسم استراتيجية فلسطينية موحدة والإتفاق على برنامج سياسي موحد.
وعربياً لم تعد القدس ولا الأقصى ولا فلسطين بوصلة العرب وقضيتهم المركزية،بل انحرفت البوصلة وانفقد المقود والإتجاه،فالعديد من الدول العربية،أخرجت علاقاتها السرية مع إسرائيل الى العلن،وأصبح التنسيق والتعاون والتحالف والتطبيع مع إسرائيل مشروع والأبواب لذلك مشرعة على مصرعيها،ولم تعد تعتبر العديد من الدول العربية بأن إسرائيل العدو المركزي لها أو التي يجب محاربتها،او التي تشكل خطراً على أمنها وامننا القومي العربي،بل اخترعت لنا أمريكا والغرب الإستعماري عدواً افتراضياً هو ايران،وبأنها هي التي تشكل خطراً على امتنا العربية وعلى امنها القومي،وأغروقنا في الفتن المذهبية (سني – شيعي)،ما زالت شعوبنا تدفع ثمنها من دمها ومن خيراتها وثرواتها،ومن وحدتها الوطنية والمجتمعية.
رغم كل هذا التشاؤم والإحباط،وجدنا بأن هناك نقاط مضيئة وقدر من الأمل في أن يحمل العام الجديد بوادر تغير إيجابية في أوضاعنا العربية والفلسطينية،حيث أن المشروع المعادي بكل جبروته وقوته،تظهر ملامح فشله،حيث فشل في تقسيم سوريا كحلقة مركزية ومدخل هام لهذا المشروع التدميري لسحبه على كامل الوطن العربي،فصمود سوريا قيادة وجيشاً وشعباً بدعم من الحلفاء والأصدقاء (ايران- حزب الله وروسيا والصين وغيرها من قوى محور المقاومة والحلفاء) ،أسقط مشروع تقسيم سوريا واسقط مشروع تقسيم الوطن العربي،حيث عودة حلب وتحريرها من الجماعات الإرهابية والتكفيرية،كان له تداعياته الكبيرة ،تداعيات من شأنها خلق تحولات ومعادلات جديدة،ليس سورياً وعربياً فقط،بل إقليمياً ودولياً،حيث كان اعلان وقف إطلاق الشامل للنار في سوريا إيذانا بفشل هذا المشروع وبداية عهد جديد.
وفلسطينياً وجدنا بأن هناك تغير في وجهة نظر العالم تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي،وبأن تداعيات ما حصل في سوريا ستطال القضية الفلسطينية،وأنه عدم حل القضية الفلسطينية سيدفع نحو استمرار الصراع وربما خروجه عن السيطرة،ولذلك وجدنا بانه لأول مرة ومنذ 35 عاماً يكون هناك قرار في مجلس الأمن الدولي بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت باعتبار الإستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس غير شرعي ودعوة إسرائيل الى وقفه وسبق ذلك قرار لمنظمة "اليونسكو" بإعتبار المسجد الأقصى مكاناً مقدساً خاصاً بالمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى،وهو معلم تاريخي وتراثي وحضاري إسلامي،ولا صلة او علاقة دينية تلمودية توراتية او سياسية بين الأقصى "جبل الهيكل" وبين اليهودية .
حصاد عامنا العربي والفلسطيني الراحل لا يبعث على التفاؤل والأمل،ولكن ما حدث من تطورات في الأيام العشرة الأخيرة من هذا العام،تجعلنا متفائلين بان متغيرات وتطورات إيجابية ستحصل لجهة انهاء حروب التدمير الذاتي المذهبية والطائفية واسقاط مشاريع التقسيم وتحقيق جزء من حقوق شعبنا الفلسطيني المغتصبة .
بقلم/ راسم عبيدات