((أمسية الخميس الثقافية))
يحتفل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، داخل الوطن وخارجه، بالذكرى الثانية والخمسين لإنطلاقة حركة "فتح"، حركة التحرر الوطني الفلسطيني، إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي جاءت إمتداداً لنضال الشعب الفلسطيني ضد الإستعمار وضد المشروع الصهيوني الذي إستهدف فلسطين الأرض والمقدسات والإنسان على السواء.
إن إطلاق الرصاصة الأولى لحركة "فتح" في الأول من يناير /كانون الثاني لعام 1965م، كان إيذاناً جديداً وبياناً عاماً من هذه الطليعة النضالية التي أخذت على عاتقها مواجهة هذا المشروع الإستعماري الكلونيالي العنصري الذي إستهدف فلسطين وتمكن من إغتصاب أكثر من 78% من أرض فلسطين وتهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني سنة 1948م وليحولهم إلى لاجئين مشردين، وذلك بتواطئ من القوى الإستعمارية الغربية، مستغلاً حالة التفكك والضعف العربي وخضوع العديد من البلدان العربية لسيطرة وهيمنة تلك القوى، وما أفرزته الحربين العالميتين من حالة فوضى في العلاقات الدولية، قادت إلى توازنات جديدة سهلت عملية الإغتصاب وإقامة مجتمع الإستيطان الصهيوني لكيانه الغاصب فوق ثرى فلسطين.
فكانت أولى عمليات الثورة الفلسطينية (فتح) في ليلة 01/01/1965م ((عملية عيلبون)) التي إستهدفت مشروع تحويل مياه نهر الأردن عن مجراه بإتجاه النقب لحرمان الأردن والضفة الغربية الفلسطينية التي كانت تحت السيادة الأردنية من حقهما في مياه النهر، وقد كان رد الفعل الصهيوني مهدداً ومتوعداً هذه الحركة ومن يقف وراءها أو يساندها، وهي بالمقابل ردت على التهديد بالتهديد والوعيد من أي إنتقام قد يقدم عليه الكيان الصهيوني ضد المدنيين أو ضد أي جهة عربية، وهنا بدأ الشباب الفلسطيني يتساءل عن حركة "فتح" وجناحها العسكري (قوات العاصفة) وبدأ يدرك أن الكفاح المسلح الذي بدأته هو السبيل الوحيد لإدراك العالم معنى المعاناة التي وصلت بالشعب الفلسطيني جراء إغتصاب وطنه، وهنا تحول الفلسطيني من لاجئ ينتظر الإحسان من الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، إلى ثائر يناضل من أجل إستعادة حقوقه المغتصبة في وطنه وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير، ولم تتوانى حركة "فتح" كثيراً في الإعلان عن هويتها الوطنية والقومية، من خلال مبادئها وأهدافها، فلسطينية الوجه عربية العمق وإنسانية الإمتداد.
وبعد العدوان الصهيوني في العام 1967م، وإكتمال إحتلاله للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان يظن أنه قد نال أيضاً من حركة المقاومة الفلسطينية، ولكن العكس كان صحيحاً فأعادت الحركة ترتيب صفوفها وتنظيمها وأنطلقت ثانية تبني القواعد العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة بقيادة قادتها المؤسسين ويتقدمهم الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات (أبو عمار) وإطلاق عملياتها العسكرية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة مزلزلة أركان إحتلاله وتقض مضجع مستوطنيه، وتصاعدت عملياتها العسكرية عبر نهر الأردن والجولان السوري المحتل وكذلك عبر جنوب لبنان، وكان رد العدو على تصاعد هذه العمليات، إجتياحه لغور الأردن في صبيحة 21/آذار/1968م وكان قرار القيادة الطليعة النضالية التصدي والمواجهة لقواته الغازية المؤللة فكانت معركة الكرامة التي أبلت فيها حركة "فتح" وقوى المقاومة من القوات الشعبية والجيش العربي الأردني الباسل بلاءاً حسناً ألحق الهزيمة بالقوات الغازية، ما دفع العدو إلى أن يطلب وقف إطلاق النار لأجل إخلاء قتلاه وجرحاه وبقية قواته المتورطة في العدوان بعد معركة دامت خمسة عشر ساعة تكبد فيها مئات الإصابات بين قتيل وجريح وتدمير عشرات الآليات والمدرعات الصهيونية، فمثلت معركة الكرامة محطة مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني والعربي، كونها جاءت بعد هزيمة 1967م مباشرة، فكان تدفق المناضلين إلى صفوف "فتح" من الفلسطينيين ومن العرب على السواء، وأكدت معنى المقاومة وجدواها في مواجهة العدوان، وفي النضال من أجل إسترداد الحقوق، وهنا أصبحت المقاومة الفلسطينية التي فجرتها حركة "فتح" رقم صعب في معادلة الصراع، ومن خلال نضالها الدؤوب تمكنت حركة "فتح" من تولي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كإطار جبهوي يضم كافة القوى الفلسطينية المقاومة للمشروع الصهيوني، وتقدمت "فتح" برؤيتها السياسية للحل وهي إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المدنية على كامل أرض فلسطين، كنقيض للمشروع الصهيوني الكولونيالي العنصري، والذي لا يزال يمثل الهدف الإستراتيجي الأعلى للنضال الوطني الفلسطيني الذي تنخرط فيه كافة فئات شعبنا ويجد التأييد والمساندة من كافة القوى المعادية للصهيونية والعنصرية.
ومن هنا تماهت حركة "فتح" مع تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والإستقلال وأصبحت حركة الجماهير ورائدتها وقائدتها نحو الحرية والإستقلال، فلا إنجاز دون "فتح"، ولا إنتصار دون "فتح"، ولا حركة وطنية فلسطينية بدون "فتح"، واليوم الشعب الفلسطيني إذ يحيي هذه الذكرى المجيدة يستذكر بفخر وإعتزاز طليعتها النضالية التي أخذت على عاتقها تفجير هذه الثورة وقيادة هذه الجماهير الفلسطينية التي توحدت خلف هذه القيادة التي أوقفت عملية الطمس للقضية والذوبان للشعب الفلسطيني، ويستذكر آلاف الشهداء والجرحى وينحني إجلالاً وتقديراً لنضالهم وتضحياتهم من أجل تحقيق أهدافه النبيلة، ويؤكد على إستمراره على نهجهم حتى تتحقق الأهداف التي إنطلقت من أجلها حركة "فتح"، جيل بعد جيل، حتى تحقيق الإنتصار، يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا لصادقون، والثورة مستمرة حتى النصر.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس