ثمة ما يشير بان التعامل مع القضية الفلسطينية ما زال قائما بكل اطروحاته في داخل مربع الدولة اليهودية والمشروع الصهيوني الذي وصفه كيري باسرائل الكبرى او اسرائيل العظمى ، فلقد كانت القضية الفلسطينية بعد عام 1948م هي قضية لاجئين وقضايا انسانية تتعلق بذلك من خلال صندوق الانروا وكل ما فعلته الانظمة الوطنية في المنطقة والتي ظهر بزوغها بعد الحرب العالمية الثانية ويليها مشروع اقامة اسرائيل بعام النكبة تلك الدول التي انشأت منظمة التحرير الفلسطينية بريادة من الزعيم الراحل عبد الناصر لتتبناه الجامعة العربية ، والتي هي اعطت محمود عباس الشرعية بعد انتهاء فترة رئاسته للسلطة والشرعيات الفلسطينية الاخرى .
بتأسيس منظمة التحرير اصبح للشعب الفلسطيني ايقونة وطنية تتحدث بأسمه وترعى برنامج نضالي تحريري للارض الفلسطينية عبر ميثاقها الموءود ما بعد اوسلو وما قبل ذلك بسنوات ايضا عندما اقرت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الرئيس عرفات البرنامج المرحلي وما تلاه في عام 97م بتخلي منظمة التحرير عن الكفاح المسلح والغاء النصوص الهامة بهذا الجانب .
ولكن مع وجود منظمة التحرير التي تتم من خلالها المفاوضات وبسيطرة قيادة حركة فتح على تنفيذيتها وقرارها ، فان النقلة النوعية التي نقلتها منظمة التحرير في بداية سنوات لانشائها واعطاء الفلسطينيين التمثيل الوطني في دول الاقليم والمحافل الدولية ، ومع ظهور قرار 242 و 338 ومبدأ الانسحاب من الضفة وغزة وخطوط عام 67م واقامة الدولة الفلسطينية على تلك الاراضي ومع مبادرات ومشاريع لاحقة واهمها المبادرة العربية واوسلو قد اسقطت القرارات الدولية وخاصة القرار 181 والقرار 194 او التحايل عليها من خلال حل عادل ومتفق عليه للاجئين واسقاط قرار التقسيم من ميكانزمات العمل التفاوضي بين الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلي .
الرباعية الدولية التي ترعى اتفاق اوسلو وما بعده من فترة انتقالية واغتيال اسحاق رابين انتهت اوسلو وانتهت الفترة الانتقالية وبقي الفلسطينيين اسرى ما يردده الرئيس الفلسطيني خارطة الطريق وبندها الاول والثاني وخاصة التنسيق الامني في حين ان اسرائيل لم تنفذ شيئا من تلك الخارطة التي يتحدث عنها الرئيس عباس ، والمبادرة العربية التي ما زال يردد بنغمتها في حين ان اسرائيل والرباعية بقيادة امريكا لها منظور خاص لحل الصراع وهو لا يعدو منظور امني وان باتت امريكا قلقة من الهذيان الديموغرافي التي تمارسه اسرائيل بالتوسع الجنوني في المستوطنات هذا القلق الذي عبر عنه كيري في خطابه الاخير حيث اصبحت امريكا قلقة على مستقبل اسرائيل وهويتها الامنية في المنطقة ، فالدولة الواحدة سواء ثنائية القومية او غيره من الاطروحات تهدد الامن القومي الامريكي وتغير الخارطة الامنية الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية في حين ان اليسار الفلسطيني وبعض منه الاسرائيلي اصبح يؤمن بالدولة الواحدة لاعتبارات من التداخل الديموغرافي والاقتصادي .
منذ اوسلو نظرت اسرائيل للمفاوضات ونذ عام 1989م بان المفاوضات مع الفلسطينيين وبعيدا عن المظلة الدولية والقانون الدولي والقرارات الدولية بانها مفاوضات امنية الجوهر وليست سياسية ، واقرت الدول الكبرى هذا المفهوم بالمفاوضات المباشرة بين طرف قوي يمتلك كل مقومات فرض ارادته وطرف ضعيف تخلى عن سلاحه وعن المبادرات الدولية التي لها نوع من الانصاف للشعب الفلسطيني .
قصة تجميد الاستيطان والتفاهمات والمقترحات على تبادلية الاراضي يدخل ايضا في نطاق الترتيبات الامنية وليس لها اي جوهر سياسي يتحدث عن دولة مستقلة تمتلك ارادتها وسيادة شعبها في الضفة وغزة وبما في ذلك كل المقترحات المتعلقة بالقدس .
امام حالة التردي في الموقف الفلسطيني وادوات فعله وخياراته الجامدة وتحركه في اراضي بور تحيط باوسلو ومفاهيمها وما زالت عقدة التنسيق الامني الذي لن يستطيع عباس وطاقمه الفلتان منه يدور في هذا الفلك ومهما انتشر دبلوماسيا عبر الجمعية العامة ومجلس الامن الذي اعتمد قراره الاخير كمظور امني لمستقبل الدولة اليهودية وليس كمنظور سياسي يبحث عن او يقر الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني .
لعل من الظواهر الهامة التي رسخت فكر المبدأ الامني المتعامل معه مع القضية الفلسطينية هو ظهور داعش واخواتها حيث اصبح هناك تطور امني مضاف للمنطقة والقضية الفلسطينية وهو محاربة الارهاب في اسبقية الاداء والمواجهة لمشروع الارهاب في المنطقة عنه مواجهة معضلات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، حيث اكتسبت اسرائيل مشروعية وجودها مع العرب من خلال خندق واحد لمواجهة الارهاب الذي يزحف على مدى رقعة الخريطة العربية والعالم .
ومن هنا اتت اهمية وجود اسرائيل او الدولة اليهودية كما تعمل عبليها السياسة الامريكية والغربية هي البلوك الامني المنيع امام متغيرات تعصف بالمنطقة منشأها تاريخيا الحالة التركيبة لسكان منطقة الشرق الاوسط التي عمقها القبلية والمذهبية والطائفية تلك النزعات التي اذابتها الدولة الوطنية وظهرت من جديد امام استهداف تلك الانظمة في الخريطة العربية ، وبالتاكيد ان اثارة تلك النزعات بما يسمى الربيع العربي ، كان جوهرها امني لاعادة الترتيبات الامنية بخرائظط جغرافية بدعم من امريكا والغرب بسيناريو استباقي لدرء اي خطر مجاور على وجود اسرائيل .
ما زالت الدبلوماسية والسياسة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تدور في فلك الترتيبات الامنية الاسرائيلية التي تتفق عليها جميع الاحزاب الاسرائيلية وان اختلفت فيما بينها اختلافات ثانوية فكل ما طرح عن دولة فلسطينية بمكون الحدود والمياه والطاقة والاقتصاد والامن والقوة المسلحة هو يدخل في منظور السيادة الامنية الاسرائيلية ...... ويقال ان زمن الثورات للشعوب انتهى بوجود الارهاب وجماعاته ، ولكن نريد ان نوضح ان هناك ثورات تقودها الشعوب وتحدث متغير في موازين الصراع اذا توفرت قيادة قادرة على فهم مدى خطورة التصور الامني لحل القضية الفلسطينية .
سميح خلف