كم عيد ميلاد لأسير فلسطيني مر عليه عشرات السنوات , دون أن يلتف حوله أفراد أسرته وأحبابه في إحتفال عائلي بيوم مولده , كثيرة هي الحكايات التي تحمل بين حروفها آلام وأوجاع آلاف العائلات الفلسطينية , التي يقبع أحد أبنائها أو أكثر داخل السجون الصهيوني , تمر الأعياد والمناسبات السعيدة والحزينة , ولازال الأسر يحول بينهم وبين الإلتقاء بذويهم , لا أحد ينظر لمأساة الأسرى ومعاناتهم الإنسانية , وهم يمكثون في الزنازين المظلمة ,دونما الحد الأدني لمقومات الحياة الآدمية ,بل ويتعرضون للبطش والقمع والتضييق , ومنع الزيارات والعزل الإنفرادي ,هل هذا العالم الذي يضج بشعارات الإنسانية والتحضر وحقوق الإنسان , يغفل عن آلام أسرانا ويقف عائقاً أمام آمالهم في الحرية ؟ , الجواب بكل تأكيد نعم , فكم مرة جاء الأمين العام للأمم المتحدة , ليلتقي عوائل الأسرى الصهاينة لذا المقاومة الفلسطينية بداية من شاليط وليس إنتهاء بشاؤول أرون , وكان يبدي مشاعر المواساة وتذرف دموعه , ويعلن تضامنه الكامل مع تلك العوائل الصهيونية , رغم أنهم أبنائهم جنود وقد تم أسرهم من داخل دباباتهم , وهو يهاجمون ببربرية ووحشة المدن الفلسطينية في قطاع غزة , وقذائفهم المعلونة قد قتلت المئات من المدنيين في الشجاعية ورفح ,خلال مجازر بشعة أمام مرآى ومسمع العالم , في حين يمتنع معظم المبعوثين الدوليين عن الإلتقاء بعائلات الأسرى الفلسطينيين , من المرضى وكبار السن والأطفال , وبذلك يستمر الكيل بميزانين من ممثلى المجتمع الدولي في قضايا شعبنا المحقة والعادلة .
وهذا ما يؤكد على قاعدة مهمة في موضوع الأسرى في سجون الإحتلال, ينطبق عليها المثل القائل " حك جلدك مثل ظفرك" , لذا فإن تحرير الأسرى لا يتم الا بالقوة , ورغماً عن أنف السجان الصهيوني, معادلة أيقنت بصوابيتها المقاومة الفلسطينية , وعملت على تنفيذها بعمليات ميدانية شجاعة, بل جعلتها إستراتيجية وطنية لمعاجلة قضية الأسرى في سجون الإحتلال , وكان ذلك واضحاً في صفقة وفاء الأحرار, التي أدارتها المقاومة الفلسطينية بجدارة وحنكة , وإستطاعت الإفراج عن ألف ويزيد , من الأسرى والأسيرات أصحاب المحكومات العالية , وبعد العدوان الغاشم على قطاع غزة في صيف عام 2014 ميلادية , تمكنت المقاومة " كتائب القسام " من أسر العديد من جنود الإحتلال في المعارك البرية التي شهدت إشتباكات عنيفة أوقعت خسائر كبير في الجنود الصهاينة , وبعد إنتهاء الحرب العدوانية على قطاع غزة , حاولت الحكومة الصهيونية الإدعاء بعدم وجود أسرى لذا المقاومة , بحجج واهية لم تصمد أمام الحقيقة التي تملكها المقاومة وتلوح ببعض ملامحها بين الفينة والأخرى , لغاية تحريك ملف الأسرى وخاصة لذا الشارع الصهيوني , الذي يشاهد عجز حكومته عن تصدير الإجابة الواضحة , بخصوص هذا الملف المتصاعد , خاصة أن المقاومة الفلسطينية عودت الجميع على المصداقية في الرواية وعلى تفجيرها المفاجآت من العيار الثقيل .
من تلك المفآجات ما نشره إعلام المقاومة , من إصدار مرئي بعنوان " عام جديد والجندي أرون بعيداً عن أهله " بمناسبة عيد ميلاد الجندي الأسير شاؤول أرون الذي صادف تاريخ 27-12 , ذلك الجندي وقع في قبضة كتائب القسام بتاريخ 20-7-2014م ميلاديه , خلال معارك شرسة على أطراف حي التفاح شرق مدينة غزة , و المقاومة من خلال تلك الرسالة الموجهة للساحة الصهيونية , بإتقان ودراية في إطار إدارة الصراع مع الإحتلال , بإستخدام كافة الأدوات والوسائل , حيث صنعت المقاومة من عيد ميلاد الجندي الصهيوني الأسير "أرون" أسلوب مقاومة , فجرت من خلاله الصراع الداخلي في كيان الإحتلال , وكشف خيبة جيش الإحتلال وهزيمته أمام المقاومين , رغم إستخدامه قانون هنيبعل سعياً إحباط عمليات الأسر بالقتل العشوائي للمدنيين في غزة , وأصبحت الحقيقة واضحة بأن هذا الجيش المنكسر قد ترك جنوده في المعركة , وأن قيادته السياسية "نتانياهو" والعسكرية "يعلون" قد أغلقوا سجلات الجنود الأسرى بإدعاء مقتلهم في الإشتباكات , تلك الرسالة أثارت غضب عائلات الأسرى الصهاينة ,وزلزلت أركان المؤسسة العسكرية والأمنية للإحتلال , وأشعلت موجة كبيرة من الإتهامات بالتقصير وعدم المبالاة حول مصير الجنود والموجهة لنتانياهو وحكومته , والذي يحاول الهروب من إستحاقات جديدة تفرضه عليه عملية جديدة لتبادل الأسرى , تسحب من رصيده الإنتخابي وتهوي بشعبيته إلى الحضيض .
المقاومة الفلسطينية على ما يبدو تملك أوراق كثيرة في ملف الأسرى , ومصطلح " الصندوق الأسود " قد يكون الأكثر ملائمة لسرية الملف وخطورة إدارته وتتعامل معه المقاومة بحذر وذكاء , يفضى لتحقيق إنجاز فلسطيني على صعيد تحرير الأسرى من سجون الإحتلال , والذي كما قالنا هو الهدف الرئيسي لعمليات الأسر التي تنفذها المقاومة الفلسطينية , ولذا فأنها تعمل على التصعيد في الملف بمعركة مفتوحة تستخدم خلال كل الأوراق والأفكار وتدار بإقتدار وحنكة , والمقاومة لا تخشى خلال تلك المعركة الوطنية التهديدات أو العقوبات , حيث يأتي نشر المقطع المرئي لعيد ميلاد الجندى أرون , بعد تهديدات الكابنيت الصهيوني بإتخاذ إجراءات لتشديد الحصار والملاحقة لحركة حماس للضغط عليها بملف الجنود الأسرى, ولعل المقاومة بذلك ترسل رسالة بأنها جاهزة لتلك المعركة التي ستنتهي كما تريد , بأن يدفع الإحتلال وحكومته الثمن صاغراً بالإفراج عن الأسرى من سجونه.
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
2-1-2017م