مؤتمر باريس للسلام وجدلية الصراع ...!!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

يأتي اليوم الخامس عشر من يناير/2017م الذي ينعقد فيه مؤتمر باريس للسلام في ظل ترقب شديد، لما ستشهده المنطقة والعالم من متغيرات سياسية، وإقتصادية، وعسكرية هائلة، وربما جغرافية، في المستقبل القريب، والتي لها إنعكاساتها على مجمل القضايا المتفجرة في المنطقة العربية، ليؤكد أن القضية الفلسطينية لا زالت تتمتع بالحيوية والحضور الدوليين، وتفرض نفسها على رأس سلم الإهتمامات الدولية، رغم محاولات العدو الصهيوني، وغيره من القوى التي جهدت في تهميش القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي على مدى سنوات الحريق العربي، وما أفرزه من دخان كثيف جلب إليه الإهتمام المحلي والدولي على حساب الإهتمام بالمسألة الفلسطينية الإسرائيلية، لكن العارفين ببواطن المتغيرات في الشرق الأوسط، يدركون تمام الإدراك أن التعامل مع النتائج دون الأسباب، لن يؤدي إلى الأمن والإستقرار المنشود في المنطقة، ومن أهم أسباب ما آلت إليه أوضاع المنطقة هو غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية، وتمادي الكيان الصهيوني في إستمرار تحدياته وإجراءاته العدوانية، وتحدي المجتمع الدولي، في إدارة الظهر لكافة القرارات والجهود الدولية التي عنيت بمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتنكره للمبادئ التي إستقر عليها الرأي في إنهاء هذا الصراع على أساس إنهاء الإحتلال والإستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967م، وإقرار مبدأ حل الدولتين.

مؤتمر باريس سيظهر مدى تأكيد إهتمام المجتمع الدولي من جديد بهذه المسألة، وإعتبارها المفتاح الأساسي لإنهاء أزمات المنطقة، والدفع بها إلى شاطئ الأمن والإستقرار والسلام، وأن إحترام الإرادة الدولية والمتمثلة في عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة والإستيطان فيها والحيلولة دون تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته والتي نص عليها القرار 181 لسنة 1947م، والقرار 6967 لعام 2012م الذي منح فلسطين صفة الدولة غير العضو في الجمعية العامة، ومؤخراً القرار 2334 الذي أدان الإستيطان، وأكد على كافة القرارات الدولية التي عنيت بذلك، وعلى ضرورة إنهاء الإحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، ورغم الرفض الإسرائيلي لهذا المؤتمر والذي لم تتوانى قيادة الكيان الصهيوني عن رفض فكرته منذ البداية ولغاية الآن، ووصفه من قبل (نتنياهو بأنه خدعة فلسطينية تنفذها فرنسا) لن يقلل من أهمية المؤتمر، لأن الرسالة السياسية والدبلوماسية التي ستصدر عن هذا المؤتمر الذي يضم 77 دولة ومنظمة دولية، من بينها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتتمثل فيه أيضاً القارات الخمس، ما يعكس الإرادة الدولية الجماعية إزاء السلام والأمن والإستقرار في المنطقة، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس قيام الدولة الفلسطينية، شأنها شأن الدولة الإسرائيلية التي أقيمت على أساس تلك الإرادة الدولية، ممثلة في القرار 181 لسنة 1947م، فهي نفس القوى الدولية التي أقرت وساعدت في إنشاء الدولة الإسرائيلية، بل وضمنت لها التفوق العسكري على دول المنطقة، وضمنت لها الأمن والإستمرار، ومنها فرنسا تحديداً التي مكنتها من أن تصبح دولة نووية، ومن إنتصار حرب الساعات الستة لسنة 1967م، تؤكد على ضرورة إنهاء الإحتلال وتوكد على قيام الدولة الفلسطينية، ومعها كل القوى المعبرة عن الإرادة الدولية، وهنا سيظهر المؤتمر مدى الإنعزال الدولي لموقف القيادة الإسرائيلية، ويرسم إطاراً محدداً لمواقف كافة الدول، وفي مقدمتها موقف الولايات المتحدة، المقبلة على التغيير في إدارتها خلال أيام قليلة، والتي تلوح إدارتها الجديدة بإستمرار مساعدة الإحتلال والإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، والذي يعتبر مدمراً لكل الجهود الدولية، بما فيها جهود الإدارات الأمريكية السابقة والمتعاقبة في إنهاء الإحتلال، وإقرار الأمن والسلام وإقامة الدولة الفلسطينية، ما يشكل رادعاً لهذه الإدارة الأمريكية الجديدة عن الإقدام على أية خطوات عملية تعارض هذه الإرادة الدولية، وخصوصاً منها تلويحها بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، التي هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 67، والتي ستكون ضمن أراضي الدولة الفلسطينية، التي تؤكد عليها الإرادة الدولية.

إن ما ينتقص مؤتمر باريس للسلام، هو ما يطمح إليه الفلسطينيون والعرب، في إقرار جدول زمني، وخطة خارطة طريق واضحة لإنهاء الإحتلال والإستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية، وأن يضع دولة الإحتلال عند مسؤولياتها القانونية والسياسية في تنفيذ هذه الإرادة الدولية، دون تردد، ودون إستمرار فتح الباب لعامل الزمن للإجراءات الإسرائيلية أن تفعل فعلها في قتل هذه الإرادة الدولية، وإماتت حل الدولتين، ((غير المأسوف عليه))، لأن ذلك سيضع العالم أمام صورة جديدة للصراع ولنظام الأبارتهايد، الفصل العنصري الذي شهدته دولة جنوب إفريقيا في القرن العشرين، والذي آل إلى الزوال ولنهايته المحتومة قبل نهاية القرن الماضي، وعندها يتحتم على المجتمع الدولي وقبله الفلسطينيون والعرب، أن يغيروا إستراتيجياتهم في التعامل مع الواقع المستجد للصراع، والنضال لإنهاء هذا النظام العنصري الذي بات يطمح إليه الكيان الصهيوني، وإحلال نظام ديمقراطي مكانه يتعايش فيه الجميع سواسية أمام القانون، على كامل أراضي فلسطين التاريخية، ذلك هو الحل الإستراتيجي، الذي تدفع إليه إجراءات الكيان الصهيوني، وممارساته العنصرية فوق كل الأراضي الفلسطينية التاريخية، وتدفع إليه جدلية الصراع الدائر منذ قرن كامل من الزمن فوق إقليم فلسطين.

رغم كل ذلك تبقى أهمية مؤتمر باريس قائمة، تكمن في إعادة الإعتبار والحيوية للقضية الفلسطينية، التي كاد أن يغطي عليها دخان الحريق العربي، ويُمثل بلورة للرؤيا الدولية في ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، التي باتت قائمة في ذهن السياسة الدولية، وما عليها سوى ترجمتها على أرض الواقع وإتخاذ الإجراءات والتدابير القاضية بإرغام الكيان الصهيوني بالإنصياع إليها.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس