تكررت هذه الأيام المطالبة بحكومة وحدة وطنية على اعتبار أنها المخرج من الأزمة التي نعيشها ....وهذا ما كان واردا بالبيان الختامي لاجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في العاصمة اللبنانية بيروت....وما جاء في بيان موسكو الصادر عن اجتماع الفصائل ...مما يؤكد على إرادة واضحة حول المطالبة بحكومة وحدة وطنية ....انسجاما مع ما جاء باتفاق القاهرة للمصالحة .
حكومة وحدة وطنية ....حكومة فصائلية متوافق عليها تعتبر أحد مداخل المعالجة السياسية والوطنية والقانونية لمعالجة العديد من الأزمات وعلى رأسها كارثة الانقسام الأسود ....كما أنها الحكومة المكلفة بحسب جدول عملها أو ما هو مطلوب منها لاجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني ....كما أنها الحكومة المكلفة بمعالجة ما ترتب على الانقسام من أضرار وأزمات وخسائر مباشرة وغير مباشرة .
أي أنها حكومة انقاذ وطني ....حكومة انعاش وصحوة وبناء ....حكومة ما قبل الدولة وتجسيدها على واقع الأرض ....أي أن الأمال تتسع وتزداد والتي تقع على عاتق هذه الحكومة العتيدة التي نأمل بأن نرى من خلالها نور الأمل ببدء صفحة جديدة من تاريخ العلاقات الوطنية ...كما أنها بارقة أمل لنشاهد أزماتنا وقد تم إيجاد الحلول لها بإرادة وطنية جامعة ....وبرؤية فكرية موحدة ....وبارادة وطنية واحدة .
فهل هذا صحيح ...ممكن ....مقبول ....ومطلوب؟!
أم أن حكومة الوحدة الوطنية الفصائلية محاولة للتقاسم المرضي ....للتغطية على ما ابتلينا به من مصائب وعثرات وويلات ...أم أنها خطوة صحيحة ...وقادرة على إيجاد المخرج الوطني الملائم ؟
لقد جربنا حكومة الوحدة ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية ....كما جربنا حكومة التوافق ما بعد الانقسام والتي لا زالت تمارس مهامها على نصف الوطن دون النصف الأخر ...جميعهم حكومات لم يتحقق من خلالهم ما يمكن أن يفرحنا ويحقق مطالبنا ويعزز من أمالنا ....ويعالج أزماتنا ومشاكلنا .
ليس في هذا القول ....نظرة سوداوية متشائمة نحاول أن نصدرها للقارئ العزيز ....ولكنها نظرة واقعية تستند الى الموضوعية والتوازن والتي لا تجمل ...ولا تزيد على الواقع المشاهد أمامنا .
فهل حكومة الوحدة الوطنية (الفصائلية ) حكومة القبول والتقاسم والتغطية ؟! أم أنها حكومة الوطن والعمل ومواجهة التحديات وإيجاد الحلول ؟! هل هي حكومة الرئيس وبرنامجه وتوجهاته السياسية ودعم خطواته ؟أم أنها حكومة المعارضة الخفية للرئيس وبرنامجه السياسي ....وعندها سيكون الفشل حليفها .
حكومة فصائلية حكومة مستقليين ....حكومة تكنوقراط ....حكومة مختلطة ....أشكال وأنواع لوزراء وشخصيات خبرنا قدراتهم وامكانياتهم والظروف التي يعملون بها ...والامكانيات المتاحة لهم ....ولكن السؤال الذي سيبقى ملحا وقائما ....هل حكومة الوحدة الوطنية وباجماع الكل الوطني تمثل مخرج الأزمة ؟ أم أنها تأجيج لأزمة ظاهرة وكامنة ؟
سؤال صعب لكنه تعبير عن حالة الحذر الشديد والخوف المؤكد في ظل كافة التساؤلات التي لا زالت تطرح على الساحة الفلسطينية في ظل حالة فصائلية يصعب تحليلها ....وحالة انقسامية يصعب تصديقها .....وتحديات كبيرة لا زال يصعب مواجهتها في ظل حالنا وأحوالنا وامكانياتنا وعلاقاتنا الوطنية .
ما سوف يصعب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اختلاف البرامج والتوجهات وتناقض الارادات وعدم انسجامها ....لكن ما يمكن ان يسهل تشكيل حكومة الوحدة أن يحتفظ كل فصيل ببرنامجه وأن يعمل الجميع في اطار برنامج السلطة ومنظمة التحرير .....عندها سيكون بالإمكان أن تتشكل الحكومة التي يجب ان تبسط نفوذها وسيطرتها على كامل أراض السلطة الوطنية وان تعمل على توحيد كافة المؤسسات وان تقوم بمعالجة كافة الازمات وان لا يشاركها او يعمل على انقاص سيادتها أي جهة مهما كانت ....على اعتبار انها حكومة الكل الوطني ولديها من المهام والمسؤوليات المحددة كما تمتلك من الاليات والامكانيات ما يمكنها من تنفيذ برنامجها ومعالجة كافة الإشكاليات والمصاعب المتواجدة داخل أراض السلطة الوطنية .
مجرد ان نقول حكومة وحدة وطنية ....وبمجرد تشكيلها وادء اليمين امام الرئيس محمود عباس والمصادقة عليها تعتبر تجديد للأمال لتوحيد شطري الوطن كما توحيد مؤسساته وانهاء كافة الإشكاليات والمصاعب ووقف كافة التجاذبات والمناكفات الإعلامية وتسخير كافة الطاقات من أجل إعادة بناء الوطن وتنميته وحتى يشعر أبناء الوطن بصورة ملموسة أن لديهم حكومة تمتلك من الإرادة والقوة والامكانيات ما يوفر لها قدرة معالجة مشاكلهم التي استمرت على مدار عشر سنوات شعرنا خلالها انها سنوات عجاف ومريرة وقاسية ....شعرنا باليتم وعدم الاهتمام ....شعرنا بأننا بدون سلطة وحكومة ....مشاعر امتلئت بعقولنا ونفوسنا مما أثر بمعنوياتنا وجلب لدينا العديد من النكسات والأزمات ولا نريد أن نعد ونحصي ما هو مباشر وغير مباشر ولكن عناوين أزماتنا متعددة بدايتها الكهرباء وليس نهايتها البطالة وما بينهما من حصار قاتل للأمال وما يعيشه القطاع من أمراض مزمنة تحتاج لسنوات لعلاجها .
ان الأوان لتشكيل حكومة وحدة وطنية ..حكومة قوية وقادرة ....حكومة لا تعطي المجال للمناكفات والتجاذبات ....حكومة توحد الوزارات والمؤسسات وتجمع تحت رايتها كل من يريد ان يعمل بإخلاص من اجل الوطن وليس من اجل هذا الفصيل او ذاك ....حكومة وزراء قادرين على حكم وزاراتهم وموظفيهم ....نريد حكومة حقيقية تشعرنا بأن لنا حكومة تتدخل بكافة التفاصيل وتعمل على متابعة القضايا وتسعى لحل كافة الاشكاليات والأزمات.
نريد حكومة قوية تعمل ليل نهار ولا يزاود عليها كائن من كان ....حكومة عادلة ومتوازنة ...حكومة تعيد الثقة بين المواطن وحكومته .
فرصة سانحة نأمل بمشاهدتها والاستماع لها والتمتع بمميزاتها ....وان لا نعيد تكرار تجارب ماساوية أشعرتنا بالكثير من اليأس والإحباط ....ونأمل أن تشطب من ذاكرتنا وحتى من تاريخنا .
بقلم/ وفيق زنداح