الكارتيلات العسكرية والنفطية والمالية والعقارية هي من تمسك بمفاصل الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية،بغض النظر عن هوية الرئيس الحاكم جمهوري أم ديمقراطي،ومن يقرر سياستها الخارجية على وجه التحديد الكونغرس والبنتاغون ومراكز البحث الإستراتيجي ووكالة المخابرات المركزية،وليس كما هو الحال في البلدان العربية الحاكم بامر الله،والذي لا ينطق عن الهوى رئيساً أو ملكاً او اميراً،وهذا لا يعني بان الرئيس لا يلعب دوراً بارزاً بشأن القضايا ذات البعد الإستراتيجي وواضح أن ترامب في خطاب تنصيبه قد رسم الخطوط العامة لسياسته الداخلية والخارجية،وهو القادم من عالم اخر غير عالم السياسة،ولا يأبه لا بالخطوط الحمراء،ولا بالضوابط او الخطوط التاريخية الموضوعة امام السياسة الخارجية والداخلية،فهو احد أقطاب وقادة الكارتيلات الاحتكارية العقارية،وحكومته المشكلة تضم أكثر ضواري وحوش المال والنفوذ،ولعل اليوم العالمي التاريخي في تنصيبه،هو أن شعاره هو العودة إلى الداخل الأميركي بعدما اختبرت أميركا مشروع نخبها لحكم العالم من واشنطن،واكتشفت أن كلفته فوق طاقتها،وبان أمريكا ستنكفىء عن دور الشرطي الحاكم للعالم،ولكن هذا الإنكفاء يحمل مضامين عدائية ليس تجاه الخصوم والأعداء فقط،بل وحتى الحلفاء،ويحول القوات المسلحة الأمريكية الى قوات حماية مدفوعة الأجر لمن يريد الحماية،وهي رسالة واضحة الى مشيخات النفط الخليجي العربي،بأن زمن دفع اجرة القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها،قد ولى الى غير رجعة،فإذا أرادت حماية عروشها وضمان استمرار استقرارها وحكمها القائم على نهب خيرات شعوبها،فعليها ان تدفع ثمن هذه الحماية،وهو كذلك يبعث برسالة واضحة الى دول الإتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية،بأن حلف الناتو المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية في مواجهة المعسكر الإشتراكي وحلف وارسو،قد عفا عليه الزمن ويجب حله،أي ان مساهمة أمريكا التي تصل الى 70% من نفقاته ستتوقف.
وبالتالي هذه الدول الأوروبية قد تشق طريقا جديداً أكثر توازناً في علاقاتها مع العالم العربي،فهي مقابل توفير الحماية للنظام الرسمي العربي المتهالك، ستستفيد مالياً وعسكرياً واقتصادياً،فتحت يافطة حمايتها من ايران،ربما تضع لها قواعد في تلك الدول،ناهيك عن صفقات سلاح ضخمة،تشغل لها مصانعها،وبما يسهم في نمو اقتصادها ورفاهية سكانها،وهذا التحول والتطور قد يفيد القضية الفلسطينية،بحيث تصبح تلك الدول اكثر توازناً في مواقفها من القضية الفلسطينية،وخصوصاً ونحن ندرك بأن ترامب ستكون إسرائيل معشوقته،تلك المعشوقة التي سينقل سفارة أمريكا من تل ابيب الى القدس،وعين سفيره فريدمان المؤيد للإستيطان الإسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم،ونقل ملف العملية السياسية من وزارة الخارجية الى مكتبه كرمالاً لعيون هذه المعشوقة،ولكن رغم ذلك نجد بانه رغم كل هذا العشق فهناك تناقض في مواقف هذا الرجل،فعلاقته مع اساطين المال والإعلام المؤيدة والداعمة لإسرائيل في واشنطن ليست جيدة،وكذلك عندما يتحدث عن تخفيض النفقات وتوفير مستوى معيشة احسن للسكان الأمريكان،نجد ان إدارة أوباما السابقة ،أقرت مشروع مساعدات لإسرائيل مقداره لا يقل عن أربعة مليارات دولار سنوياً تنهب من دافع الضرائب الأمريكي.
ترامب تحدث عن تجديد التحالفات القديمة وبناء تحالفات جديدة،فهو يقول بشكل واضح بأنه سيعمل على محو التشدد الإسلامي عن وجه الأرض،وبالمقابل ينتقد أنظمة الخليج العربي وفسادها المالي،وهو يدرك تماماً بأن تلك البلدان شكلت حواضن لتلك الجماعات التي يتحدث عنها،وهو من اعترف بان أمريكا والسعودية وتركيا هي من خلقت "داعش" ...؟؟ فهل هذا يعني بأن "داعش" وغيرها من الحركات الإرهابية،قد استنفذت دورها في خدمة المشروع الأمريكي في المنطقة ..؟؟،أما ان الرجل يناقض نفسه،فهو ضد الاتفاق النووي الإيراني،ومع تدفيع المشيخات النفطية الخليجية "خاوة" ثمن إحتلال القوات الأمريكية لأراضيها،وينتقد أنظمتها القمعية وفسادها المالي.
ونجد كذلك بأن هذا الرجل قد يدخل في صدام مع المخابرات المركزية الأمركية،التي كانت صاحبة اليد الطولى في التدخل في شؤون الكثير من الدول التي ناصبت العداء لأمريكا،وعملت على قلب أنظمة حكمها،أو دعمت ومولت القوى المعارضة لتلك الأنظمة،فالمخابرات المركزية الأمريكية،هي من وجهت له الإتهام،بالتعاون مع المخابرات الروسية،من اجل الفوز في الإنتخابات،حيث اخترقت المخابرات الروسية الحزب الديمقراطي،وسربت البريد الألكتروني لهيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية،والحرب بين الطرفين قد تقود الى تقليم اظافر المخابرات المركزية الأمريكية،او الى محاصرة ترامب وادارته،او حتى التخلص منه كما حصل مع الرئيس الأمريكي كندي.
في الشأن والعلاقة مع روسيا ،يريد ان يحافظ على علاقاته مع روسيا،وهو يقايض الروس برفع العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على روسيا بإتفاقية للحد من الرؤوس النووية بين البلدين،من اجل المساهمة في حماية الأمن العالمي ومحاربة الإرهاب.
ما هو واضح من الخطاب الشعبوي اليميني المتطرف الذي القاه ترامب كاحد أقطاب الكارتيلات الاحتكارية العقارية،أنه يحمل الكثير من التناقضات،وهذا الرجل لا يوجد ضوابط وقيود على تفكيره،وقد يفاجىء الجميع بمواقفه بإنتقالها من النقيض الى النقيض،ولكن ما هو ثابت عشقه لإسرائيل،وعداءه للمهاجرين والعرب والمسلمين،ولا نعرف ما هي حدود المسلم المتشدد من غير المتشدد،ولكن تحت هذه اليافطة والذريعة سيجري استهداف الأمة العربية.
ترامب يقول بشكل واضح،بأنه سيعود بامريكا الى عهد الإمبراطوريات التي كانت قائمة في القرن الثامن عشر،حيث الأوزان الإقليمية للدول أكبر من الأوزان الدولية، وعندما يتحدث عن العودة بالسلطة للشعب،فهو يدعو الى توسيع قاعدة سيطرة ونفوذ الإحتكارات بانواعها المختلفة بشكل مباشر ودون وكالة ووساطة السياسيين الذين اغتنوا في العاصمة واشنطن ويقصد ضرورة تقليص حصة البرجوازية البيروقراطية داخل اجهزة الدولة والاحزاب لصالح زيادة عدد كبار الراسمالين الكبار من خلال خفض الضرائب عليهم بهدف زيادة الاستثمار داخل امريكا لزيادة فرص العمل تحت شعار امريكا اولا وشعار اشتروا فقط منتجات امريكية ووظفوا عمالا امريكيين وهذا يعني اتباع سياسة حمائية داخل السوق الامريكية من خلال زيادة الجمارك على البضائع المستوردة وخاصة المنتجات الصينيه وغيرها فبعد ان نهبت امريكا ثروات العالم من خلال حرية التجارة المطلقة،ودمرت وخربت اقتصاديات الكثير من الدول تحت وصفات المؤسسات النهبية الدولية البنك وصندوق النقد الدوليين، تريد الان ان تحتفظ بما حققته مع خفض النفقات للحد الاقصى لزيادة الارباح للحد الاقصى مع الحفاظ على التحالفات القديمة وتوسيعها بتحالفات جديدة تساعد على خفض النفقات مع تحميل حلفائهم القدامى ما عدا اسرائيل تكلفة الحماية الامنية لهم في كل انحاء العالم والا سيرفع عنهم هذه الحماية.
ما انا متيقن منه بأن ترامب قد يقلب الطاولة على رأس الجميع،ولكن تبقى إسرائيل فهو كل هذه التقلبات في السياسة الأمريكية،واحد ثوابت ومحددات السياسة الأمريكية.
بقلم/ راسم عبيدات