من يحاكم مجتمع الاحتلال وكيانه؟

بقلم: ماجد الشيخ

أثارت إدانة المحكمة العسكرية قاتل الشهيد عبدالفتاح الشريف في الخليل، ردود فعل عنيفة في صفوف المستوطنين والمجتمع الإسرائيلي عموماً، وهي في معظمها ضد الإدانة وضد المحاكمة أصلاً، ما استدعى من القضاء التدخل بفتح التحقيق مجدداً، في أعقاب الشعارات والهتافات التي رُفعت خلال التظاهرة التي حصلت في تل أبيب أمام مقر وزارة الأمن، والتي تضمنت تهديدات لرئيس الأركان غادي إيزنكوت، من بينها "غادي، إحذر، رابين يبحث عن صديق". ليقرر مستشار الحكومة القضائي أفيحاي مندلبليت "عدم وجود مكان للتسليم بالتعابير المحرضة، لا ضد القضاة ولا ضباط الجيش ولا أي جهة في جهاز تطبيق القانون، أو في شكل عام". وقال أن جهاز تطبيق القانون سيتعامل بإصرار ومن دون مساومة مع التحريض على العنف والعنصرية".

وفي هذا الصدد، نقلت "هآرتس" تحذيراً لرئيسة المحكمة العليا، مريام ناؤور، من التهجم على قضاة المحكمة العسكرية الذين أدانوا الجندي أزاريا، واعتبارها أن ذلك يهدد سلطة القانون والديموقراطية. وبعد فترة وجيزة من صدور بيان ناؤور، أمر مستشار الحكومة القانوني، أفيحاي مندلبليت، بالتحقيق ضد المتظاهرين الذين احتجوا على قرار الحكم، بشبهة التحريض على العنف.

وجاء في بيان ناؤور أن المحكمة العليا وقضاتها، لا يستطيعون الوقوف على الحياد أمام "الهجوم الجامح والتهديدات الموجهة إلى قضاة المحكمة العسكرية". ووفق ناؤور، فإن "الانتقاد الموضوعي لقرار الحكم شرعي طبعاً، لكن الهجوم على القضاة اجتاز حدود الحوار، ويشكل خطراً على سلطة القانون والديموقراطية".

في أعقاب ذلك وعلى خلفية جدية تهديدات المتطرفين، قرر جيش الاحتلال تعزيز الحراسة حول قضاة المحكمة العسكرية: العقيد مايا هيلر، والعقيد كرمل وهبي، والرائد يارون سيطبون، إضافة الى المدعي العسكري الرائد نداف فايسمان.

كشفت قضية محاكمة أليئور أزاريا عمق الخلافات والانقسامات التي بات يشهدها المجتمع الإسرائيلي، وما رافقها من حملة تحريض على قضاة المحكمة وقادة الجيش، من جانب مجموعات من متطرفي اليمين الاستيطاني والعقائدي، ومسارعة رئيس الحكومة وبعض الوزراء والسياسيين الى المطالبة بالعفو عنه، وقد وصفت بعض الصحف الإسرائيلية والعديد من كتابها ردود الفعل المتنامية بـ "العاصفة"، في وقت ذهب البعض إلى الميل نحو وصف ما يجري بأنه نوع من العنصرية.

المعارضة الإسرائيلية شنّت حملة واسعة ضد نتانياهو على خلفية قضية أزاريا ومطالبته العفو عنه، كما على خلفية التحقيق معه بعدد من تهم الفساد، ما دفع عضو الكنيست تسيبي ليفني، الى القول أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يشرع أعمالاً غير أخلاقية وغير قانونية.

ونقل موقع "واللا" العبري عنها قولها: "نتانياهو شرعن أعمالاً غير قانونية في قضية مستوطنة "عامونا"، وحاول تشريع أعمال غير أخلاقية في قضية الجندي أليئور أزاريا، وفي عائلته يشرع أعمالاً لا تمت الى القيم الأخلاقية بصلة". ودعت ليفني نتانياهو الى أن يختار أن يكون حكم الأقلية، أو أن يكون رئيساً للوزراء لكل الإسرائيليين، كذلك دعت مستشار الحكومة القضائي أفيحاي مندلبليت إلى حسم قضية التحقيق معه سريعاً. وأضافت: "نتانياهو فقد البعد والتفويض الأخلاقيين اللذين يؤهلانه لمواصلة دوره في منصب رئيس الوزراء، وآن الآوان لتحديد مسار التحقيق معه".

هي محاكمة أولية من خارج صناديق الاقتراع، لكن من يحاكم الاحتلال على جرائمه، بل من يحاكم مجتمع الإسرائيليين الاستيطاني والاحتلالي على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني؟

عدا قضية الشهيد عبدالفتاح الشريف التي وُثِّقت وأدت المحاكمة فيها إلى إدانة القاتل، حقق جيش الاحتلال منذ اندلعت الهبة الشعبية الأخيرة في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2015، في أكثر من 20 حالة إطلاق نار على مواطنين فلسطينيين، إلا أنه لم يتم تقديم لائحة اتهام إلا في حالة واحدة، هي في قضية أزاريا.

ووفق المراسلة العسكرية لصحيفة "هآرتس"، جيلي كوهين، فإن جيش الاحتلال استمع إلى شهادات من جنود، وجمع أشرطة مصورة وتوثيقات، وتوجه في حالات معينة إلى منظمات حقوق إنسان، ومن ضمنها "بتسيليم"، بيد أنه لم يتم اعتقال أي جندي، ولم يتم تقديم لائحة اتهام إلا في حالة أزاريا.

وكتبت هذه الصحافية في تقريرها، أن ما جعل قضية الجندي أزاريا مهمة، هو عملية التوثيق للحادث بكاميرا عماد أبو شمسية، وهو متطوع في "بتسيليم"، وقدم أفضل دليل على الجريمة، بالصوت والصورة. لهذا، كان جزاؤه مطاردة المستوطنين له والتهجم على منزله ومهاجمته بالحجارة، وتهديدهم له بالقتل. حيث أفاد أبو شمسية لموقع (صفا) المحلي أن مجموعة من المستوطنين اقتحمت بوابة منزله وهتفت بالقتل والموت له باللغة العبرية، وحاولت الدّخول إلى المنزل والاعتداء على أفراد العائلة. لكن قوّة عسكرية من جيش الاحتلال حضرت إلى المكان، وأخلت المستوطنين، قبل أن يهاجموا المنزل بالحجارة، من دون وقوع إصابات في صفوف أفراد عائلة أبو شمسية.

وأكّد أبو شمسية أنّ الخطر يقترب منه ومن عائلته يوماً بعد يوم، مستنكراً عدم وجود حملة شعبية فلسطينية تناصره، معرباً في الوقت ذاته عن أسفه من عدم تبنّي قضيته من جانب القيادة الفلسطينية، التي يشير الى أنّها لم تتصل به للاطمئنان عليه.

ماجد الشّيخ 

* كاتب فلسطيني