جدر الفصل العنصري بين ظلم الحكام وحقوق الإنسان

بقلم: أكرم أبو عمرو

ليست هذه المرة الأولى التي أتعرض فيها لجدر الفصل بالكتابة ، بل تناولت هذا الموضوع بالكتابة من جوانب مختلفة ، وعلى وجه الخصوص جدار الضم والتوسع الني بدأت الحكومة الإسرائيلية في إقامته عام 2002 ميلادية ، على طول خط الهدنة عام 1949 م ، بين الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة ، وبين إسرائيل بعمق يصل إلى عدة كيلومترات إلى الشرق من الحدود ليقتطع جزءا كبيرا من الأراضي الفلسطينية ، ويعزل عدد كبيرا من السكان الفلسطينيين في العديد من المدن والبلدات الفلسطينية عن باقي المدن والبلدات الأخرى في الضفة الغربية ، ونجعلهم يعيشون في ظروف أشبه بظروف الفصل العنصري التي مارستها دولة جنوب إفريقيا العنصرية السابقة .
ما دفعني لتناول هذا الموضوع هو ما تناولته وسائل الإعلام حول قرار الرئيس الأمريكي ترامب يقضي بإقامة جدار فصل يمتد بطول 1600 كيلو متر على الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك ، وبتكلفة تقدر ب 8 مليارات دولار وربما أكثر .لا شك في أن الأسوار والجدر هي مظهر من المظاهر الحضارية التاريخية التي أخذت بها معظم الشعوب والدول على مر التاريخ ، وكان هدفها هدفا حربيا محض لحماية المدن وعواصم الدول من اعتداء خارجي ، حيث زودت هذه الأسوار بأبراج المراقبة وقوات الحراسة الدائمة ، وبها بوابات للخروج والدخول ، تقفل وتفتح عند الحاجة ، وتراوحت هذه الأسوار بين الكبيرة والصغيرة ولعل من أشهرها على الاطلاق سور الصين العظيم الذي يبلغ طوله 2400 كيلومتر .
هذه الأسوار تلاشت فترة من الزمن بسبب التطور الكبير في وسائل القتال وأساليب الحروب ، من جهة وتطور العلاقات الدولية لتعدد وتشابك المصالح خاصة الاقتصادية لتبرز سياسة ترسيم الحدود وإقرارها وتوقيعها على خرائط وفق إحداثيات متفق عليها بين الدول المتجاورة ، ووفق معاهدات تبرم بين الممالك والدول وذلك في القرن التاسع عشر بهدف فرض السيادة ، وهذه الحدود هي عبارة عن خطوط هندسية وهمية ، أو حدود طبيعية كالأنهار أو الأودية أو المرتفعات . وتراعى فيها حقوق كل بلد في الموارد الطبيعية كالمياه وغيرها ، ومع تطور العلاقات الدولية وضرورة تنظيم الدخول والخروج من والى الدول تم اعتماد مبدأ تأشيرات الدخول التي تمنحها القنصليات والسفارات والمطارات ، وهذه من شانها أدت إلى اختفاء ظاهرة الأسوار في العالم ، إلا أنها ما لبثت أن ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية بإقامة سور برلين الذي تم إزالته عام 1989 ، لتعود الأسوار إلى الاختفاء حتى عام 2002 عندما شرعت إسرائيل ببناء جدار الضم والتوسع على طول خط الهدنة عام 1949 مع الضفة الغربية وبطول يصل إلى نحو 650 كيلومتر ، بحجة منع الفلسطينيين من التوجه لإسرائيل والقيام بتنفيذ أعمال مقاومة للاحتلال ، ثم بدأنا نسمع عن بناء الجدران العازلة ، بين مصر وقطاع غزة ، وبين قطاع غزة وإسرائيل ، مع اختلاف نوعية الجدر حيث سادت هنا الجدر الالكترونية ، في مناطق أخرى في العالم اصدر قبل أيام الرئيس الأمريكي ترامب قرارا بإنشاء جدار بين المكسيك والولايات المتحدة لمنع المهاجرين من المكسيك من التدفق إلى الولايات المتحدة ، والغريب أن تكاليف بناء هذا الجدار 8 مليار دولار .
إن العودة إلى انتهاج سياسة إقامة الجدر بين الشعوب إنما يعمل على خلق جدر أخرى من نوع آخر ، آلا وهي الجدر النفسية ، فغالبا ما ينتج عن إقامة الجدر والأسوار إعاقة تطور العلاقات بين الشعوب ، من حيث التبادل الثقافي والتجاري ، ويعمل على نشر البغضاء والحقد بين الشعوب ما يرفع من وتيرة الإرهاب في العالم .
إن منع مواطني أي بلد من حرية المرور والانتقال والحركة إنما هو انتهاك صريح لمبادئ القانون الدولي والإنساني ،وحقوق الإنسان ، وبدلا من الجري وراء إقامة الجدر لا بد من البحث عن أسباب انتقال البشر من مكان لأخر طلبا لظروف معيشية أفضل ، والهروب من أماكن الصراعات المنتشرة هنا وهناك واللجوء إلى أماكن آمنة ، وبالتأكيد إن السبب الحقيقي وراء ذلك هو الظلم الواقع من قطاعات واسعة من السكان في كثير من البلدان ، ففي فلسطين كيف يحيا الفلسطيني بحرية وامن واستقرار في ظل نهب الأراضي ونهب موارد الشعب وإشاعة أعمال التخريب والقتل والتشريد ، فبدلا من إقامة الجدار لابد من البحث عن أسباب علاج مثل هذه المشاكل ،
في أمريكا أليس الأجدر من إنفاق مليار 8 دولار لإقامة الجدار بين المكسيك والولايات المتحدة ، تخصيص هذا المبلغ لإقامة مشاريع تنموية في المكسيك ستعمل بشكل فعال للحد من الهجرة ,إلى الولايات المتحدة من هذا الاتجاه .
ناحية أخرى هؤلاء المهاجرين الذين يقدرون بالملايين يجدون ترحيبا في أوساط المجتمع الأمريكي ، وتفتح لهم أبواب العمل والحياة وفي نفس الوقت يعلمون أن وجودهم غير قانوني ، في فلسطين المئات وربما الآلاف يستطيعون الوصول إلى المدن الإسرائيلية عبر الجدار وتفتح لهم أبواب العمل ، وهكذا ، فلماذا مثل هذه الجدر .
إن السير في اتجاه إقامة الجدر بين الشعوب ، مؤشر خطير ينذر بعودة الأنظمة العنصرية ، لذلك من المفروض على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان التصدي لهذه الظاهرة قبل استفحالها .

أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
1/2/2017