الإدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة.....من الواضح بأنها تتخبط ويبدو بأن خطواتها وقراراتها يغلب عليها الطابع الإرتجالي،حيث نجد بان الرئيس الأمريكي الجديد واصل إطلاق تهديداته في اكثر من اتجاه،وهي شملت روسيا والدول الأوروبية وايران والدول العربية والإسلامية والسلطة والشعب الفلسطيني وحتى المهاجرين وسكان امريكا من أصول غير امريكية،وما ان قامت طهران بتجربة ناجحة لإختبار صواريخ باليستية جديدة،حتى اطلق الرئيس الأمريكي سيل تهديداته تجاه طهران،بأنه سيعمل على الغاء الإتفاق مع طهران حول برنامجها النووي لتعارضه مع المصالح الأمريكية العليا في المنطقة،وقد سبق ذلك منع رعايا ايران من دخول الأراضي الأمريكية،في إطار قرار شمل رعايا سبع دول عربية واسلامية،بحجة ان لها علاقة بدعم "الإرهاب".
"ترامب" قبل توليه مقاليد الحكم قال بأن الألوية عنده،هي لمحاربة الإرهاب وما يسمى ب"الإرهاب" الإسلامي مع التركيز على "داعش"،وهو سيتعاون مع الدول التي تحارب الإرهاب فعلاً وقولاً روسيا وسوريا.
نحن نعلم جيداً بأن الإتفاق مع طهران حول برنامجها النووي،هو اتفاق دولي (5+1)،وامريكا لا تمتلك القدرة على إلغاءه لوحدها،وكذلك هي لا تستطيع أن تجند المجتمع الدولي لفرض عقوبات أممية وشاملة على طهران كالتي كانت عليها قبل 35 عاماً، خمسة وثلاثين عاماً من الحصار لم تنكسر إرادة الشعب الإيراني والقيادة الإيرانية،ولم تتخل عن حقها في إمتلاك التكنولوجيا النووية،والحصار والعقوبات لم تجبرها على التراجع والإنطواء،واقتصادها لم ينهار،بل إستطاعت ان تكيف اقتصادها وفق الحصار،ولم تتخل عن أصدقائها وحلفائها،بل كانت تقدم لهم المساعدات في مختلف المجالات والميادين،وفي الحصار تمددت وتوسعت طهران إقليمياً وغدت قوة مركزية في المنطقة،لها مصالح وصاحبة قرار في اكثر من شان وساحة من افغانستان ومرورا بالعراق وسوريا والضاحية الجنوبية وحتى اليمن.وقد ضغطت العديد من الدول في مقدمتها اسرائيل ومشيخات النفط العربي وتركيا وفرنسا وبريطانيا على واشنطن،من اجل شن هجوم عسكري على طهران لتدمير ترسانتها ومفاعلاتها النووية والعسكرية والصاروخية،ولكن كل تلك الضغوط والإغراءات والرشاوي المالية والإقتصادية الضخمة التي قدمتها دول الخليج العربي ( السعودية وقطر والإمارات) لم تفلح في دفع واشنطن لشن حرب على طهران،لأنها على قناعة بأن الكلفة التي ستدفعها في تلك الحرب اعلى بكثير من التوصل إلى اتفاق مع طهران يحفظ ويراعي مصالح واشنطن في المنطقة.
الإدارات الأمريكية السابقة جربت كل الطرق والوسائل لثني ايران عن برنامجها النووي،ولم تفلح في مساعيها،وفي تلك الفترة كانت امريكا شرطي العالم،وحشدت كل دول العالم حول العقوبات التي فرضتها على ايران،واليوم الصورة تبدو مختلفة تماماً،روسيا قوة رئيسية ومقررة على الساحة وكذلك الصين،ولهما مصالح مشتركة مع ايران وتحالفات في اكثر من قضية،وكذلك الدول الأوروبية لا تبدو مواقفها متطابقة مع الإدارة الأمريكية الحالية،وهي أكبر شريك اقتصادي لطهران،ولذلك الحديث عن عقوبات جديدة على طهران لن يجدي نفعاً.
ناهيك عن أن تقرير وكالة الطاقة الذرية تقول بأن طهران ملتزمة تماماً بالإتفاق،وبرنامجها الصاروخي واجراء تجارب على صواريخها الباليستية لا يشكل خرقاً للإتفاق.
التهديدات التي يطلقها الرئيس اليمني المتطرف "ترامب"،والقول بأنه ليس اوباما وأنه الأقوى،والقول بأنه سيلغي الإتفاق النووي مع طهران او يعمل على تعديله أو إعادة فتحه،الجميع يدرك بأنه سيصطدم برفض ايراني،وربما تهديدات "ترامب" لن تصل حد الخيار العسكري على أرض الواقع،فهو يبدو في خطابه وتراجعه عن قراراته في أكثر من قضية غير متزن واهوج،كما حدث في قضية منع الهجرة ومنح تأشيرات لرعايا سبع دول عربية واسلامية،حيث قضائياً رفض وأبطل قراره،ولذلك هذا قرار ليس أكثر من استهلاك محلي أو ربما يريد أن يخفف من حدة الضغوط الواقع عليه من اسرائيل والعديد من الدول الخليجية العربية،التي تطالبه بإلغاء الإتفاق مع طهران وشن حرب عليها،هو يدرك بأن نتيجتها ستكون باهظة ومكلفة ومدمرة،فإسرائيل هاجسها الأول ايران وذراعها التنفيذي في المنطقة حزب الله،ودول الخليج يريد "ترامب" بان "يستحلبها" مالياً،ولذلك دائماً ايران "البعبع" والهاجس لهذه الدول بأن امنها واستقرارها مهددة من ايران،وترى بأن ايران هي من تدعم جماعة أنصار الله " الحوثيين" في اليمن والثورة على الظلم والطغيان الذي تمارسه القيادة البحرانية بأحق أغلبية الشعب البحراني.
اعتقد بان الهدف المباشر لواشنطن والدول المتحالفة معها تحديداً مشيخات النفط الخليجي واسرائيل وتركيا،الحد من النفوذ والدور الإقليمي الإيراني المتصاعد في المنطقة،فإيران مقررة في اكثر من ساحة العراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى فلسطين،وهي شريك رئيسي للجيش العراقي في الحرب على "داعش" هناك،وبالتالي بعد تطهير العراق من "داعش" ستكون العراق ساحة من ساحات النفوذ والمصالح الإيرانية،ولذلك السعودية التي كانت متنفذة في العراق تبحث لها عن دور من خلال امريكا،بحيث يكون النظام السياسي في العراق ما بعد "داعش" اكثر توازناً سياسياً،وانا اعتقد بان طهران لن تمانع في ذلك،اما في سوريا فإي محاولة لتقليص مساحة الدور والنفوذ الإيراني في دمشق،ستمر عبر البوابة الروسية،بمعنى بدون تقارب امريكي- روسي، لن يكتب أي نجاح للمساعي الأمريكية هناك،وخاصة أن الروس حذرين جداً في تعاملهم مع "ترامب" وسياساته،فهو يطرح اعادة شبه جزيرة القرم الى أوكرانيا،إذا ما رغبت روسيا في التعاون مع واشنطن ورفع العقوبات عنها.
دول الخليج وتركيا واسرائيل تبدي حماسة غير منقطعة النظير للتصعيد الأمريكي ضد ايران،ورئيس الموساد ونائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إلتقيا مع مستشاري "ترامب" مرتين للتحريض على ايران والعمل على إلغاء الإتفاق معها حول برنامجها النووي،وهذه الأطراف لديها اعتقاد بأن هذه التهديدات والتشدد الأمريكي ضد ايران،قد يمكنها من تحسين شروطها ومواقفها التفاوضية في أكثر من قضية سوريا ولبنان واليمن،ولكن ما يحكم ذلك ليس هو التشدد اللفظي والتهديدات،بل القوى الموجودة على الأرض،هي ستكون العامل المقرر في النهاية.
على ضوء ذلك المواجهة والتصعيد بين طهران ومحور حلفائها مع امريكا ومحور حلفائها،ستشهد مرحلة جدية من التصعيد،في أكثر من ساحة تحديداً سوريا والعراق واليمن،وهذا التصعيد في معمعان المعارك ربما يحدث هناك اصطفافات وتحالفات جديدة،استناداً للمصالح،وربما الدول المرشحة للتغيير في مواقعها وتحالفاتها هي مصر وتركيا،بالإنشداد والتحول لصالح التحالف الإيراني،في حين روسيا ستبقي مواقفها متأرجحة استناداً الى مصالحها،وربما تحسم ذلك لصالح ايران،إذا ما اصر ترامب على فرض عقوبات على روسيا وإعادة فتح موضوعة جزيرة القرم، وستدفع شعوب المنطقة ومجتمعاتها أثماناً باهظة لهذه الجولة التصعيدية، قبل أن تعود الأطراف للاقتناع من جديد، بأن "الإلغاء" و"الشطب" ليس خياراً،وأن "الحسم العسكري" ليس نزهة قصيرة،وأن البديل الوحيد لفوضى الاحتراب المذهبي وصراعات المحاور وحروب المعسكرات المتقابلة، هو السير بخطى حثيثة نحو منظومة إقليمية للأمن والتعاون.
بقلم/ راسم عبيدات