أثار قرار النائب العام المستشار أحمد براك، أمس، بضبط كافة نسخ رواية "جريمة في رام الله" لعباد يحيى، والمعروضة للبيع لدى المكتبات والمحلات ونقاط بيع الكتب والروايات في كافة محافظات الوطن، ... وتسطير مذكرات إحضار لكل من المؤلف والناشر الموزع، ليتم استكمال إجراءات التحقيق حسب الأصول والقانون"، عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحركات الكترونية على صيغة بيانات للتوقيع، وغيرها، خاصة بعد أنباء عن احتجاز صاحب امتياز نشر الرواية وتوزيعها في فلسطين فؤاد العكليك، مالك دار الرقمية للنشر، وذكرت صحيفة "الأيام" الفلسطينية بأنها مرخصة وفق الأصول من وزارة الإعلام، وقيام قوات أمنية فلسطينية باقتحام عدد من دور النشر والمكتبات، ومصادرة الرواية الصادرة بالأساس عن دار المتوسط ومقرها ايطاليا.
وفي وقت انتشر فيه "هاشتاغ" تحت عنوان "# أنتم جريمة في رام الله"، والتقط عدد من الكتاب الفلسطينيين والعرب صوراً مع الرواية المصادرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، انتشرت تعليقات غاضبة وساخرة من القرار كتبها روائيون وشعراء وأكاديميون وحقوقيون فلسطينيون وعرب يستهجنون القرار.
وكتب وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو على صفحته في "فيسبوك": سأبدأ اليوم (أمس) قراءة رواية "جريمة في رام الله" للكاتب عباد يحيى، فقرار منع تداولها جعلني أكثر إصرارا على قراءة العمل بحثا عن مسوغات المنع، رغم رفضي لزج القانون في العملية الإبداعية، فهذه مسألة بحاجة إلى نقاش طويل قبل الخوض في تفاصيلها المتشابكة.
وأضاف: إن فكرة مصادرة أي رواية أو كتاب إبداعي بالاستناد الى بنود قانونية، رغم عدم قبول الفكرة ثقافيا هي مسألة بحاجة إلى رأي خبراء القانون في المقام الأول من هذه المسألة، والذين نتطلع إلى مداخلاتهم القانونية حول الموضوع، انتصارا للحرية والقانون معا في فلسطين، ورفضا لممارسة أي نوع من الرقابة الفكرية على الأعمال الإبداعية، فمحاكمة الإبداع تأتي عبر النقد، وليس عبر المنع الذي يحيلنا إلى حالات متعددة من كوارث الإقصاء.
وأكد بسيسو: إبداعيا المسألة مختلفة تماما عن "الرؤية القانونية"، وقابلة للكثير من التأويل حول مفاهيم الأدب ووظيفته ودوره والمدارس الأدبية المختلفة وغير ذلك من القضايا ذات البعد الفكري والثقافي.. أومن أنه من حق الجميع الاختلاف في رؤية الفن والأدب ومن حق الجميع إبداء الرأي حول الأعمال الأدبية والفكرية والفنية في سياق تعددية ثقافية تسمح بنقاش حضاري وفكري، تتفق أو تعارض، توافق أو ترفض في سياق ثقافي في هذه المساحة المتسعة للرؤى المختلفة والقابلة لتعدد الرأي.. هذا هو دور الثقافة كما أراه وهذا هو جوهر العمل الثقافي الذي يثري المشهد العام بتنوع الآراء والرؤية والنظرة للأدب والفكر.. لا يمكن القبول بأي وصاية فكرية تحددها أي جهة في المجتمع، لأنها ببساطة تفتح بابا لا يمكن إقفاله وتثير حالة قد تبدأ ولا تنتهي من الإقصاء بدواعي الوصاية وفرض الرأي، وهذا ما لا تنتظره فلسطين.
وشدد وزير الثقافة: إن منع رواية لا يصنع فكرا، ورغم هذا أقبل من يعارض جوانب معينة في أي عمل إبداعي لكن دون محاكمة نصية للإبداع ومع محاكمة إبداعية للنص، عبر النقد.. المثقفون كنقاد وقراء أذكياء بما يكفي لقبول عمل أو رفضه، عبر القراءة والنقد والمتابعة، فالجدوى من الإبداع خلق الأسئلة وفتح المجال للتأويل والنقد وليس عكس ذلك، وإلا ستنحصر مفاهيم الإبداع ونحاصر أنفسنا في حصارنا.
وختم بسيسو: فلنقرأ الرواية أولا ونناقش المسألة ثقافيا، وفي الجانب القانوني ستتابع وزارة الثقافة المسألة دون تردد مع جميع ذوي الاختصاص انتصارا لمبدأ حرية الرأي والتعبير.
احتجاز ومداهمات
واحتجزت شرطة رام الله، تنفيذاً لقرار النائب العام، الناشر فؤاد العكليك، مالك دار الرقمية للنشر، صاحبة حق امتياز وتوزيع الرواية من ناشرها الأصلي دار المتوسط في إيطاليا، قبل الافراج عنه في وقت متأخر من مساء أمس، بينما لم يتم احتجاز المؤلف لتواجده خارج البلاد، في وقت دهمت فيه قوات الأمن عدداً من دور النشر في مدينة رام الله، وضبطت النسخ المتوفرة من الرواية، تنفيذاً للقرار.
وأوضح بيان من مكتب النائب العام، أمس الاثنين، أنه "جاء استنادا للتحقيقات التي تجريها النيابة العامة بخصوص الرواية المذكورة"، و"التي "وردت فيها نصوص ومصطلحات مخلة بالحياء والأخلاق والآداب العامة، والتي من شأنها المساس بالمواطن، ولا سيما القصّر والأطفال حماية لهم ووقاية من الانحراف، بما يتنافى مع الاتفاقيات الدولية ومنظومة القوانين الفلسطينية ذات العلاقة، لاسيما قانون المطبوعات والنشر، وقانون العقوبات، وقانون حماية الأحداث، وقانون الطفل، الذي حظر نشر أو عرض أو تداول أي مصنفات مطبوعة أو مرئية أو مسموعة، تخاطب غرائز الطفل وتزيّن له السلوكيات المخالفة للنظام العام والآداب العامة"، على حد وصف البيان، الذي أكدت فيه النيابة العامة أن "هذا القرار لا يتنافى مع حرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون، والتي توجب الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية في إطار ممارسة حرية الرأي والتعبير".
استهجان الناشر الأصلي
واستهجن الناشر الفلسطيني خالد الناصري، في حديث مع "الأيام"، من القاهرة، حيث يتواجد للمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، قرار النائب العام بمصادرة الرواية .. وقال: ما حدث أمر معيب .. بعد أيام على انقضاء العام 2016، الذي حصد فيه الروائيون وكتاب القصة القصيرة وشعراء فلسطين أبرز الجوائز الأدبية العربية، يصدر قرار بمصادرة رواية فلسطينية بدعوى خدش الحياء العام .. معيب علينا كفلسطينيين ذلك .. معيب على دولة تسعى للتحرر من الاحتلال، وتدعي أنها دولة تصون الحريات المدنية وتراعي حقوق الإنسان في مواجهة من ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني كل يوم، أي الاحتلال، القيام بذلك، رافضاً احتجاز الناشر فؤاد العكليك، علماً أن ناشرها وموزعها الأساس دار المتوسط.
وتساءل الناصري عن كيفية إنفاذ القرار على من يقوم بتحميلها عبر الإنترنت، وأضاف: لا أدري إذا كنا نتحدث عن دولة قانون، بماذا نبرر اعتقال العكليك، ومصادرة الرواية من المكتبات، قبل أن يختم: أنا على استعداد للقدوم غداً إلى فلسطين، وليعتقلوني .. لم أرتكب أي جريمة على الإطلاق، وأنا مسؤول عن كل ما أنشر.
ما قاله الكاتب
وفي وقت انتشرت فيه حملات توقيع ضد قرار النائب العام فلسطينية وعربية، تحدث الروائي عباد يحيى عن اتصالات من النيابة، ونقاش بينه وبين المتصلة، وعن حديث بين وزارة الإعلام والناشر عنها .. وشدد: أبدي كل القلق والاندهاش والاستغراب من هذا القرار، ومن كل توابعه من تحقيق ومصادرة.. أنا مندهش وقلق على واقع حرية الإبداع والتعبير والنشر والكتابة، ومصدوم فعلا من حدوث ما يجري وبهذه الطريقة!
وأضاف: طوال فترة الجدل بشأن الرواية على فيسبوك وغيره لم أعلق، لأنني لست بصدد جدل أدبي عن طبيعة الأدب اليوم وأمس، وماذا يقول وأي مساحات يطرق، خاصة حين يقارب واقعيا وخياليا حيوات متعددة.. لا فائدة من الرد على الاجتزاء المتعمد، والجهالة المقصودة، وإطلاق الأحكام دون حتى قراءة الرواية أصلا، ونزع كل الفقرات المتداولة من سياقها الكامل، أما التهجم على شخصي والتهديد الذي يطالني فحقي القانوني واضح وسأتابعه مع كل شخص تهجم أو شهّر أو هدد.
وختم على صفحته في "فيسبوك": مهم هنا التأكيد على خصوصية النص الأدبي والروائي، وسياقاته ولغته ومقتضياته الفنية، وهذا ما لا أتنازل عنه ككاتب، هذه حريتنا ببساطة..أعتقد، وهذه لكل الأصدقاء العاملين في المجال الثقافي، أننا نواجه تحدياً غير مسبوق، والموقف الواضح من الجميع مطلوب، وأنا متأكد أننا في فلسطين تجاوزنا هذه الحالة، ولن يقبل أحد بنقض كل منجز الأدب والثقافة في فلسطين، عبر باب التضييق والمصادرة.. أتمنى ألا يتطور الأمر إلى أسوأ، مع قلقي الشديد وبكل صراحة.
