كتاب مفتوح… لم يرسل… إلى الرئيس الأمريكي ترامب

بقلم: عماد شقور


هذا نص كتاب مفتوح باسم الشعب الفلسطيني إلى الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب:
"السيد الرئيس دونالد ترامب المحترم
واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة الأمريكية،
تحية طيبة، وبعد،
يسعدني، ان ابدأ كتابي هذا اليكم، بتمنياتي لكم بالصحة والسعادة والتوفيق، والنجاح في المساهمة الفاعلة، في جعل عالمنا اكثر استقرارا، وازالة التوترات بين العديد من دول العالم وشعوبه، سعيا لعالم يسوده العدل والسلام، وفق ما بشرت به جميع الاديان السماوية التي انطلقت من وطننا فلسطين، مرددين الرجاء مع السيد المسيح، عليه السلام، لأن يتحقق ما بشّرنا به، بكلماته الخالدة: "على الارض السلام، وفي الناس المسرة". كما اتمنى لشعبكم ولبلادكم دوام التقدم والازدهار.
نعرف انكم ستلتقون بعد ايام معدودة، مع رئيس حكومة اسرائيل، السيد بنيامين نتنياهو. وهي مناسبة لأن نضع امامكم عددا من الحقائق الاساسية الخاصة بقضية شعبنا الفلسطيني، على امل ان تنير الدرب امامنا جميعا، وتمكننا من الوصول إلى حالة من الهدوء والاستقرار، والتطلع إلى مستقبل واعد للجميع، نمارس فيه من جديد دورنا في المساهمة في بناء الحضارة البشرية، اسوة بما كان لنا ولبلادنا المقدسة، عبر تاريخنا الذي نعتز به.
اولى هذه الحقائق، ان لشعبنا الذي يعاني من تشريد نحو نصفه خارج وطننا فلسطين، ويعاني نصفه الثاني من التمييز داخل اسرائيل، ومن الحصار الخانق في قطاع غزة، ومن الاحتلال في الضفة الغربية والقدس العربية، والخضوع لسياسة ابارتهايد وفصل عنصري، الحق الكامل في الحياة والحرية وتقرير المصير، كما حدده الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في مطلع القرن الماضي، وشكل دافعا وسندا قانونيا قويا، لنيل كل شعوب الارض استقلالها، وقد تحقق هذا لجميع تلك الشعوب، مع استثناء واحد وحيد: شعبنا الفلسطيني.
الحقيقة الثانية هي وجود تناقض تام بين الاساسين اللذين تنطلق منهما الاستراتيجيتان: الاستراتيجية الفلسطينية الايجابية؛ والاستراتيجية الاسرائيلية السلبية. اساس الاستراتيجية الفلسطينية، التي أؤمن وأبشر بها، ومعي الغالبية العظمى من ابناء شعبي الفلسطيني وامتي العربية، والغالبية شبه المطلقة لحكومات دول العالم وشعوبه، بما في ذلك بالطبع غالبية من الشعب الأمريكي، هو ان هناك دولة ناقصة في هذا الشرق الاوسط، هي دولة للشعب الفلسطيني، يجب اقامتها ،فعليا، اسوة بما هو حال كل شعوب الارض. في مقابل ذلك نرى ان اساس الاستراتيجية الاسرائيلية، في الغالب الاعم من حكومات اسرائيل، وحكومة نتنياهو الحالية بشكل خاص وفاقع، هي ان في هذا الشرق الاوسط، شعب زائد، هو شعبنا الفلسطيني، الذي لا يحق له ان يتمتع بتقرير مصيره، وان يقيم دولته المستقلة. هكذا هي اذن المعادلة التي يتوجب التعاطي معها، والتقدم بحزم لحلها، انها معادلة: شعبا زائدا يجب ازالته، ام دولة ناقصة يجب اقامتها.
غني عن القول، ان شعبنا الذي بدأت معاناته منذ اكثر من قرن من الزمن، ولم يستسلم، لن يستسلم في المستقبل، مهما بلغت قسوة الاحتلال والاستعمار والظلم والاجحاف والطغيان الاسرائيلي، المرتكز على القوة العسكرية ودعم قوى عسكرية واقتصادية وسياسية عالمية كبرى، مهما طال عمر هذا الاحتلال والاستعمار ومداه.
اما الحقيقة الثالثة التي ارى ان من المفيد توضيحها لكم، وانتم في الاسابيع الاولى لتوليكم مقاليد الحكم في الاقوى بين دول العالم، ان شعبي الفلسطيني، ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في شتى اماكن تواجده، في الوطن وفي دول اللجوء والشتات، قد اعلن بوضوح وجلاء، عام 1968، ان هدفنا الاستراتيجي هو اقامة دولة على كامل الاراضي الفلسطينية، من نهر الاردن حتى شاطئ البحر المتوسط، ومن المْطِلَّة ورأس الناقورة حتى ام الرشراش (ايلات) على خليج العقبة؛ دولة عصرية ديموقراطية، يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، بمساواة تامة، ودون أي نوع من التمييز.
هذا الموقف الفلسطيني الرسمي المعلن، يثبت بشكل قاطع، تطلّع شعبنا الفلسطيني وقيادته الرسمية الشرعية، لمستقبل من بناء الذات، لا لمستقبل من هدم الآخر، مستقبل من السلام والاستقرار، لا مستقبل من الحروب والقتل وتخليد الصراع.
الا ان جميع حكومات اسرائيل لم تقبل بهذا العرض الفلسطيني الانساني المتسامح. وانقسم الاسرائيليون في ايامنا هذه إلى فريقين شبه متساويي العدد: نصفهم يريدون ويعملون على السيطرة على كل ارض فلسطين؛ ونصفهم الثاني يريدون "الطلاق" مع الاحتفاظ بما تم اقامته من مستعمرات على ارض فلسطين، وتبادل تلك المساحات، جزئيا مع الدولة الفلسطينية، المقامة على 22٪ فقط من ارض فلسطين.
تستطيع، ان تؤكد لضيفك، السيد نتنياهو، قبولنا باي من الحلّين: حل دولة للجميع على كامل ارض فلسطين التاريخية، او حل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على 22٪ من ارض فلسطين. وفتح كل ملفات القضايا العالقة ووضع حلول عملية حقيقية لها، تضمن لشعبنا حقوقه الشرعية، وتضمن للاسرائيليين الامن والهدوء والاستقرار؛ من اجل ان ندخل معا عصرا جديدا من التعايش بسلام، عصرا خاليا من العنف والقلق، مع زوال الاسباب التي ادت إلى كل تلك المآسي.
لقد بذل رؤساء أمريكيون كثيرون من قبلك جهودا لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. إلا ان كل تلك الجهود لم تثمر حلا ينهي الصراع، بسبب تعنت اسرائيل، ومواصلة استعمارها وجهودها الظالمة في الاستيلاء على الارض وحرمان اصحابها منها، مستندين ومستغلين في ذلك، امتناع الرؤساء الأمريكيين من الضغط الجدي لالزام اسرائيل بانهاء استعمارها والتقدم بصدق، وصولا إلى أي من الحلّين الممكنين.
مع بداية عهدك رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، بالغ الاسرائيليون في سياستهم المتطرفة. ففي خلال اقل من ثلاثة اسابيع اقروا بناء آلاف جديدة من المساكن على ارضنا الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي عاصمتنا، القدس العربية، ومحيطها؛ واقر البرلمان الاسرائيلي قانونا جديدا يجعل من مصادرة الاملاك الخاصة امرا مشروعا؛ وتعهد السيد نتنياهو ببناء مستوطنات جديدة؛ واقتحمت الشرطة الاسرائيلية قرية ام الحيران في النقب تنفيذا لقرار مجحف بهدمها وطرد سكانها واقامة بلدة يهودية على انقاضها. هذه السياسة الاسرائيلية تستند إلى قناعة لديهم، انكم تؤيدون هذا الاجحاف بحقوق شعبنا الشرعية والبديهية. وكلنا امل ان تبدد هذه القناعة لدى ضيفك، وان تلزم اسرائيل بالتقدم خطوة حاسمة على طريق الحل الذي يضمن لشعبنا الحرية والاستقلال.
ان حل وانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هو المفتاح السحري لبدء انهاء كل مظاهر العنف في منطقتنا وفي العديد العديد من المناطق الاخرى في العالم، ذلك ان الجذر الاول والاعمق للغالبية الاعم من تلك الصراعات، هو الظلم والاجحاف بحقوق شعبنا الفلسطيني.
انهي كتابي هذا اليكم، بتكرار تمنياتي لكم بالتوفيق، ولمواصلة شعبكم التقدم والازدهار.
مع التحية والتقدير".

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني