إستقبل الرئيس دونالد ترامب يوم 15 فبراير رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، وأستمع لمطالبه ولرؤيته لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والقائمة على أساس الإنكار التام للحقوق الوطنية الفلسطينية في حدها الأدنى المتوافق عليه حسب الشرعية الدولية، وما رشح من موقف السيد دونالد ترامب أنه لم يقرر بعد في أمر هذا النزاع حتى يقوم بدراسته وتحديد موقفه مع حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة ؟! طالباً من نتنياهو إرجاء التوسع في الإستيطان مؤقتاً حتى تتضح الصورة إليه، ما خلف إرتياحاً كبيراً في أوساط اليمين الصهيوني الحاكم في فلسطين المحتلة، وخيبة أمل كبيرة لدى الأوساط التي بذلت الجهود المضنية على مدى عقود من أجل التوصل إلى حل للنزاع على أساس ((مبدأ حل الدولتين)) والمستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ ((الأرض مقابل السلام)) الذي أرساه مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، وقد إنطلقت على أساسه المفاوضات العربية الإسرائيلية.
إن موقف السيد دونالد ترامب يعد تنكراً لمواقف الإدارات الأمريكية السابقة والمتعاقبة من عملية السلام، وللجهود الدولية التي بذلت على مدى عقود من أجل إنهاء النزاع، ويضع مشروع حل الدولتين في مأزق لم يسبق له مثيل، في ظل إلتزام أمريكي متجدد بدعم الكيان الصهيوني، ودعم إستيطانه للأراضي العربية المحتلة بما يخالف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والتعهد بحماية الكيان الصهيوني من قرارات الإدانة المتعاقبة والتي صدرت أو ستصدر عن الأمم المتحدة، ما يمثل تحدٍ سافر للقانون الدولي وللشرعية وللمجتمع الدولي لم يسبق له مثيل.
ذلك ما يحتم على الفلسطينيون والعرب، وعلى الدول الصديقة، وكل دول العالم التي تؤيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي تحترم القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والتي ساندت كل الجهود من أجل التوصل إلى تسوية عادلة للصراع على أساس مبدأي ((الأرض مقابل السلام)) و ((مبدأ حل الدولتين))، أن تتداعى لإتخاذ القرارات والإجراءات والتدابير اللازمة من أجل إعادة جهود السلام إلى طريقها الصحيح، وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية ووفقاً للقرارات الأممية التي لا تجيز ضم أراضي الغير بالقوة، وتدين الإستيطان وتجرمه في الأراضي الفلسطينية التي ستكون أراضي الدولة الفلسطينية مستقبلاً، ومواجهة هذا التطرف اليميني الصهيوني الحاكم والذي أصبحت (أمريكا ترامب) شريكاً وداعماً قوياً له في تدمير عملية السلام، وما سينتج عنه من تهديد للأمن والسلام الدولي في المنطقة.
في ظل السياسات الصهيونية المتصاعدة في التوسع الإستيطاني في القدس والضفة الغربية وفرض السياسات العنصرية على الشعب الفلسطيني وإفراغ سلطته من أي محتوى سلطوي على الأراضي الفلسطينية، والسعي الدؤوب لإجهاضها وإسقاطها والحيلولة دون تطورها لفرض سلطاتها على الأراضي الفلسطينية كمقدمة لإنهاء الإحتلال والإستيطان وقيام الدولة الفلسطينية، فإن الكيان الصهيوني بات يفرض حلاً من طرف واحد ((الدولة الواحدة)) على أساس عنصري، يرفضه الفلسطينيون والعرب وجميع الدول المناهضة للعنصرية، وللأسف يجد له التغطية والتبرير من الولايات المتحدة التي ستصبح شريكاً مباشراً له في هذه السياسات المرفوضة، ويصنع واقعاً ديمغرافياً وسياسياً يقضي على مبدأ حل الدولتين، ويشرع لحل الدولة الواحدة العنصرية على كل إقليم فلسطين.
إن هذه السياسات الصهيوأمريكية تؤكد عدم إمكانية التوصل إلى الحلول الوسط بين المشروع الوطني الفلسطيني، والمشروع الكلونيالي الإستعماري الإستيطاني العنصري، الذي يقوم على أساس الإستحواذ والإستفراد بكل شيء وإلغاء الآخر صاحب الحق والمشروعية في وطنه المغتصب، ما يرتب على ذلك أن يصبح الفلسطينيون في حِلٍ من (حل الدولتين) والسعي والنضال من أجل إسقاط هذا النظام الصهيوني العنصري الذي يتجسد يوماً بعد يوم على كامل إقليم فلسطين، وطرح النقيض الإستراتيجي له والذي يتمثل في الحل النهائي والإستراتيجي للصراع على أساس إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني، التي يتحقق فيها الأمن والسلام للجميع، وتحقق الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية للجميع، والخالية من كل أشكال العنصرية الدينية وغيرها، وهذا ما يتفق مع الحقائق التاريخية والجغرافية للإقليم ومع الحقائق الإجتماعية والسياسية المعاصرة، التي تقوم فيها العلاقة بين الفرد والدولة على أساس المواطنة، وليس على أي أساس عنصري آخر.
إن هذه الحقيقة السياسية الصادمة لأصحاب المشروع الكلونيالي الإستعماري العنصري في فلسطين المحتلة، سوف تواجه بالصد والرفض أيضاً، لأنها تنهي هذا المشروع العدواني، وهذا ما يعيد الصراع إلى المربع الأول.
إن فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني، دون منازع، ورغم ما أقترف في حقه من ((جريمة العصر)) والتي مضى عليها أكثر من سبعون عاماً، بات من المؤكد معه فشل الحلول الوسط، لذا عليه النضال من أجل إسقاط النظام العنصري الصهيوني المسيطر في فلسطين، بالتحالف مع الجماهير العربية والعالمية، واليهودية والمسيحية والإسلامية، المناهضة لكل أشكال التمييز العنصري، والسعي لإقامة الدولة الديمقراطية المدنية على كامل إقليم فلسطين، والتي يتساوى فيها الجميع دون تمييز على أساس العرق أو الدين، هذا هو منطق العدل ومنطق العصر، يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا لصادقون.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس