حكاية المقايضة بين تعيين سلام فياض وتسيبي ليفني

بقلم: عبد الحميد صيام

تذكرني حكاية ربط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، بمرتبة وكيل أمين عام في الأمم المتحدة مقابل تعيين تسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل أثناء مجزرة "عملية الرصاص المصبوب" في منصب بالمستوى نفسه، ويكون القبول أو الرفض على الاثنين بحكاية الجمل والهر.
فقد أقسم رجل أغلظ الأيمان أن يبيع جمله بدينارين، إذا ما عثر عليه بعد هروبه للمرة الرابعة ليتخلص منه إلى الأبد. فلما وجده عز عليه أن يبيعه بدينارين فاستشار زوجته لتجد له مخرجا، فقالت إذهب إلى السوق واربط الهر بالجمل وصح في الناس "الجمل بدينارين والهر بألفين والبيع على الاثنين".
إن المقايضة هذه التي ربطت توظيف فياض مقابل ليفني، تشكل سابقة خطيرة وتبشر ببداية سيئة للأمين العام الجديد، تؤكد ما قلناه في مقالنا الأسبوع الماضي، وقد نرى العجائب في السنوات الخمس المقبلة، تجعلنا نتحسر على قلق بان كي مون الذي استبدله غوتيريش بالأسف. لقد بدأت محاباة الكيان المتلبس بحالات انتهاك صارخة لجميع القرارات الدولية منذ قرار التقسيم 181 وقرار 273 بتاريخ 11 أيار 1949 الذي بموجبه ضمت الجمعية العامة إسرائيل إلى عضويتها والذي ينص على تعهد إسرائيل "بقبول القرارين 181 (التقسيم) و194 (حق العودة). وسأتناول الحكاية من أولها كي أضع القراء في صورة ما حدث.

العرض الأصلي كان لتسيبي ليفني وليس لفياض

قبل نحو ثلاثة أسابيع زارت ليفني مقر المنظمة الدولية والتقت بالأمين العام غوتيريش، دون أن يعلن المتحدث الرسمي عن الزيارة، رغم الأسئلة المتكررة، إلى أن كشفتها الصحف الإسرائيلية. في الزيارة عرضت ليفني على الأمين العام فكرة تعيينها في منصب رفيع في الأمم المتحدة، يناسب مؤهلاتها كوزيرة خارجية سابقة. لقد بدأت ليفني تشعر بأن مشوارها السياسي في إسرائيل قد وصل نهايته فأرادت أن تسجل سابقة في المنظومة الدولية، بأن تكون أول إسرائيلية تحتل موقعا دوليا مرموقا، كاسرة بذلك تقليدا متبعا منذ إنشاء الكيان بألا يعين إسرائيلي واحد تحت الجنسية الإسرائيلية، إذ أن هناك المئات الذي يعملون في خدمة إسرائيل تحت جنسيات مختلفة. الأمين العام بدوره رأى أن تعيين ليفني أولا دون أن يكون اختار أي عربي لمنصب رفيع في إدارته الجديدة قد يثير ردة فعل عالية في العالمين العربي والإسلامي، خاصة أن هذه السيدة متهمة بارتكاب جرائم حرب نص عليها تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة في حرب 2008/ 2009 المكونة من ثلاثة أعضاء لكنها سميت خطأ باسم رئيسها غولدستون.
كان الأمين العام في هذا الوقت المبكر من ولايته يخشى أن تعيين ليفني قد يفاقم الانتقادات التي تعرض لها بعد ما أثاره تصريحه الأخير حول الحرم الشريف والبيان البارد الذي عبر فيه عن أسفه الشديد حول قرار الكنيست المضي حول شرعنة المستوطنات والبؤر الاستيطانية. تصادف أن مارتن كوبلر، ممثل الأمين العام في ليبيا، اقترب من انتهاء عمله مسجلا فشلا كبيرا في جمع كلمة الليبيين لتنفيذ الاتفاق السياسي الشامل، الذي وقع في الصخيرات بالمغرب بتاريخ 17 ديسمبر 2015. والوظيفة تحمل رتبة وكيل أمين عام ولا يعلو عليها إلا منصب نائب الأمين العام.
خطرت إذن فكرة تعيين سلام فياض مكان كوبلر. السيد غوتيريش، على حد علمنا، لا يعرف فياض. إذن من الذي رشح فياض للمنصب؟ وحسب مصادر ليبية تقول إن الذي رشحه للأمين العام هو الأمريكي جيفري فيلتمان، وكيل الأمين العام للشؤون السياسية، وحسب مصادر دبلوماسية أخرى في الأمم المتحدة الذي رشحه صديقه العزيز توني بلير، وفي رواية ثالثة أن الذي رشحه الحكومة الإيطالية لأهمية الملف الليبي بالنسبة لها. كما أن هناك توافقا على أن الرجل خبير في بناء المؤسسات ومحاربة الفساد ورفع مهنية الأجهزة الأمنية.
بعث الأمين العام برسالة إلى مجلس الأمن يطلب فيها التصديق على اختياره لفياض ممثلا خاصا له في ليبيا، وكان من المقرر أن تسفر جلسة المشاورات المغلقة يوم الجمعة 10 فبراير عن تأييد الترشيح دون أي اعتراض. وكان التوافق حاصلا لغاية الساعة الثالثة بعد الظهر حسب مراجعة ثلاثة أعضاء من داخل المجلس. وعندما بدأ النقاش بعد الخامسة مساء في مسألة الموافقة على فياض اعترضت المندوبة الأمريكية نيكي هيلي. فماذا حدث في هاتين الساعتين؟
وصلت رسالة ترشيح فياض إلى أيدي السفير الإسرائيلي داني دانون، وإذا به يرسل رسالة إلى الأمين العام وأعضاء مجلس الأمن مساء الخميس يطالبهم فيها بإصدار موقف حازم ما أطلق عليه "التحريض الفلسطيني". انصاعت هيلي لأوامر السفير الإسرائيلي وعممت بيانا يدين التحريض الفسلطيني وطالبت أعضاء المجلس بتبني البيان ليصدر بالإجماع، لكن عددا من أعضاء المجلس رفضوا مثل هذا الطلب وفشلت المحاولة. جاء بعد ذلك قرار هيلي برفض ترشيح فياض أمام دهشة غالبية الأعضاء بعد أن كان الإجماع عليه متوفرا.

من الذي رفض ترشيح فياض؟

الجواب تجده في صحيفة "هآرتس"، التي كتبت يوم 13 فبراير "أن رئيس الحكومة نتنياهو، قال في بداية جلسة الحكومة، يوم الأحد بأنه أبلغ قبل عدة أيام حول إمكانية تعيين رئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض لمنصب في الأمم المتحدة، وأكد انه عارض التعيين. وقال للوزراء: قلت إنه حان الوقت كي يتم التعامل بشكل متبادل مع إسرائيل، ولا يمكن تقديم هدايا طوال الوقت للجانب الفلسطيني. حان الوقت أن يقدموا تعيينات للجانب الاسرائيلي أيضا، في حال تعيينه". وحسبما نشرته الصحيفة نفسها الأحد 12 فبراير، اتصل الامين العام للأمم المتحدة بالنائب ليفني، في نهاية الأسبوع، وعرض عليها منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة. وإلى هنا تنتهي القصة.

الدلالات الأساسية للرفض والمقايضة

أولا- العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في أقبح صورها- فمن يرفض فياض إنما يرفض كل وجود للشعب الفلسطيني، حتى لو كان الشخص صديقا أو مخلصا أو حتى عميلا لهم. ففياض كان أول فلسطيني يلقي كلمة في مؤتمر هيرتسيليا السنوي في 6 فبراير 2010 ولقي من الترحاب الإسرائيلي لدرجة أن شمعون بيريس وصفه بأنه "بن غوريون فلسطين". فإذا كان هذا غير مقبول عند الإسرائيليين والأمريكيين فلا يوجد فلسطيني واحد مقبول.
ثانيا- الإدارة الأمريكية الجديدة تخضع لأوامر الحكومة الإسرائيلية – ليس الأمر تنسيقا ولا تعاونا بل إملاء ينصاع لها الجانب الأمريكي. على العرب عامة والمجموعة العربية في الأمم المتحدة خاصة أن تنتظر المزيد من مثل هذه المواقف.
ثالثا- بتنا نخشى أن الأمين العام الجديد سيكون قفازا حريريا في أيدي الإسرائيليين وتابعيهم من الأمريكيين. السيد غوتيريش يعرف أن الأمريكيين هم الذين استبعدوا المرشحة القوية المنافسة له إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو بناء على تعليمات من الإسرائيليين لعقابها على قبول فلسطين دولة كاملة العضوية، واعتبار الحرم الشريف تراثا إسلاميا فقط. إذن أصبح غوتيريش أمينا عاما بفضلهم.
رابعا- على الفلسطينيين أن يكونوا متيقظين، خاصة في الأمم المتحدة، فهناك هجمة غير مسبوقة للارتداد على كل ما أقرته المنظمة الدولية من قرارات تحمل صفة قانونية في غاية الأهمية، في مواضيع الاحتلال والاستيطان، والقدس والجدار العنصري، وحق تقرير المصير وحق العودة وحق إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة والمترابطة جغرافيا وعاصمتها القدس الشريف. وإذا ما بقيت هذه القيادة تتصرف بهذه البرودة وأسلوب رد الفعل فإضاعة هذه الحقوق أمر وارد تماما.
سنوات عجاف بدأت في عهد ترامب في البيت الأبيض وأنطونيو غوتيريش في مقر المنظمة الدولية وسيدهما الأقوى في تل أبيب، فلنكن مستعدين لما هو آت.

د.عبد الحميد صيام

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز بنيوجرسي