لا يعقل أن يكون الحدث جانحا بالفطرة، ولكن حرمان الحدث من حقوقه وحرياته الأساسية وغياب البيئة المناسبة التي تحتضن الحدث وتحمى طفولته وحقوقه، ولربما جهله بالقانون، ولربما لتوفير احتياجاته وغيرها هي من بين العوامل التي تدفع الحدث لارتكاب أفعال تنافى القانون.
اللافت أن أعداد الأحداث الجانحين في الأراضي الفلسطينية قد تزايدت في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي يتطلب دق ناقوس الخطر لأولئك القائمين على عدالة الأحداث، وللمهتمين بحماية الأحداث الجانحين والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم الأساسية وكرامتهم، وما يعنيه من ضرورة سرعة التدخل والمواجهة للحد من هذه الظاهرة وانعكاساتها الخطيرة على الحدث الجانح نفسه، وعلى أسرته والمجتمع الفلسطيني بكل مكوناته ككل.
وفى هذا السياق نقول : ليت القائمين على عدالة الأحداث ينظروا إلى ظاهرة جنوح الأحداث باعتبارها ظاهرة اجتماعية تتطلب الردع والوقاية وليس القصاص، وليتهم ينظروا إلى الحدث الجانح باعتباره ضحية لظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة يحياها في بيئة تفتقر إلى الحدود الدنيا من مقومات حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وليتهم يتعاملوا مع الأحداث الجانحين من خلال آليات تراعى حاجاتهم النفسية والاجتماعية، وتستجيب لمصلحتهم الفضلى، وليتهم يراعوا طفولة الأحداث الجانحين ومصلحتهم الفضلى لدى توقيفهم، واستجوابهم، ومحاكمتهم، وليتهم يقدموا كل الدعم الممكن للحدث الجانح بما يمكنه من تطوير ذاته، ويساعده في الاندماج السريع والفاعل في المجتمع... الخ، فالأحداث يشكلون ثروة وحاضر ومستقبل المجتمع الفلسطيني، وهى ثروة يجب استثمارها بكل ما متاح لدينا من وسائل تأهيلية وتربوية.
من المهم الإشارة هنا أنه وفى ضوء جهود مؤسسات المجتمع المدني وتعاون مرفق القضاء، فقد باشرت المحكمة المختصة بالنظر في قضايا الأحداث عملها بتاريخ 30 أكتوبر 2014، ولكن هذه المحكمة توقفت عن العمل لمبررات على رأسها نقص الموازنات، وقلة عدد القضاة.
هذا وأيا كانت مبررات وقف عمل محكمة الأحداث المتخصصة في قطاع غزة، ونظرا لخصوصية نمو وظروف الحدث الجانح وضعف قدرته على التمييز والاختيار، فإن عملية الوقف هذه لا بد أن يكون لها انعكاساتها الخطيرة على عدالة الأحداث، وهو ما يتناقض تماما مع المعايير الدولية ذات العلاقة بعدالة الأحداث وتحديدا اتفاقية حقوق الطفل 1989 التي نصت في المادة 40/3 على أهمية وجود قضاء متخصص وخاص بشأن الأحداث، والقرار بقانون لسنة 2016 بشأن حماية الأحداث المعمول به في الضفة الغربية، حين نص في المادة (24) منه على أن "تنشأ في دائرة كل محكمة هيئة أو أكثر مختصة بنظر قضايا الأحداث".
في ضوء ما تقدم، فإننا ندعو لسرعة اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بإعادة تفعيل محكمة الأحداث المختصة في القطاع بما يضمن الحد من استمرار زيادة ظاهرة انحراف الأحداث في المجتمع الفلسطيني، وحماية ودعم الأحداث الجانحين، والأخذ بيدهم من حيث سرعة وسهولة اندماجهم في المجتمع، وتحقيق مبدأ المصلحة الفضلى للأحداث الجانحين.
بقلم/ د. يوسف صافى