بعد أخذٍ ورد، للتهرب من قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، التي اعترفت بأن الأراضي المقامة عليها بؤرة "عمونا" الاستيطانية، هي أرض بملكية فلسطينية خاصة، قضت المحكمة بتفكيك البؤرة، وإعادة الأرض لأصحابها، فجرت محاولات ومناورات وتأجيل تنفيذ القرار، لتمكين المستوطنين من البقاء في مكانهم، فوجدوا ضالتهم، بتشريع قانون يحمل اسم "التسوية"، أقرته الكنيست بـ (60) صوتاً مقابل (52) معارضا، ليصبح قانوناً آخر في مسلسل قوانين الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، فمضمون هذا القانون باختصار سرقة الأراضي الفلسطينية لكن بالقانون الإسرائيلي، في الدولة التي تدعي الديمقراطية ودولة القانون، لقد كانت فرحة عارمة لدى المستوطنين واليمين الإسرائيلي على إقرار هذا القانون، الذي اعتبروه تاريخيا، في المقابل فإن أحزاب المعارضة الإسرائيلية غاضبة من تمريره، ليس حفاظاً على الأرض وحقوق الفلسطينيين، بل لأنه سيشعل الغضب في العالم ضد إسرائيل، واتهامها بالعنصرية والابرتهايد، كما أن المعارضة ترى في هذا القانون خطوة أخرى في الطريق إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل، ويقضي على حل الدولتين، الذي ترى بهذا الحل حفاظاً على الطابع اليهودي لإسرائيل، لان الضم وبوجود كثافة سكانية فلسطينية سيؤدي إلى دولة ثنائية القومية، وهذا يتعارض مع الفكر الصهيوني لأباطرة الحركة الصهيونية، لأنه سيؤدي مع الزمن إلى تغيير الوضع الديمغرافي في فلسطين، يؤدي إلى أن يصبح اليهود أقلية، يشكل خطراً قد يؤدي إلى انهيار الحلم الصهيوني، فهذا القانون يذكرنا بالقوانين التي شرعتها إسرائيل منذ سنوات الخمسينات، حيث شرعت قرابة (43) قانوناً، كلها تهدف إلى الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، بنت عليها أكثر من (500) مستوطنة، في منطقة 1948، وقرابة (134) مستوطنة في الضفة، وأكثر من (30) مستوطنة في الجولان المحتل، عدا عن (18) مستوطنة في قطاع غزة قبل اضطرارها لإخلائها، ومن أهم قوانين الاستيلاء على الأراضي: قانون أملاك الغائبين، وقانون الإنشاء والتعمير، وقوانين إصلاح الأراضي بعد هدم مئات القرى العربية في منطقة 1948، في ظل حكم عسكري قاتل، لنسلط الضوء للأجيال المتعاقبة على كيفية إقامة الدولة العبرية على أرض فلسطين.
قانون تسوية الأراضي مدار البحث، الذي أقرته الكنيست بتاريخ 6 من شهر شباط 2017، يقع في سبع صفحات، نقتطف أهم ما جاء فيه: "إن هدف تسوية المستوطنات في الضفة الغربية، لإتاحة الفرصة لمواصلة تجذيرها وتطويرها، بتسجيل الأراضي التي تحتاج إلى تسوية، ووضع اليد عليها، أو تم بناء مستوطنة عليها، يتم تطبيق قانون التسوية عليها، بقيام القيّم على أراضي إسرائيل، بتسجيل الأرض بوصفها أملاك حكومية، وفقاً للبند3 (أ) خلال (12) شهراً، من تاريخ صدور القانون، وتضع سلطات الاحتلال اليد على حق استخدامها وفقاً للبند3 (2) خلال ستة أشهر من تاريخ صدور القانون، ويقوم القيم على أراضي إسرائيل، في غضون (60) يوماً، من تسجيل حقوق الملكية من أجل الاستيطان الذي بني في تلك الأرض، وإذا وجدت سلطات الاحتلال أن الشروط الواردة في البند (3) قائمة في المستوطنة، يتم تعليق جميع الإجراءات الخاصة بفرض الأوامر الإدارية التي تم اتخاذها بشأن تلك المستوطنة، وحال استكمال إجراءات التخطيط بناء على البند (6) يتم إلغاء جميع الأوامر التي جرى تعليقها، كما ينص البند 7(أ): يصبح من حق صاحب الحقوق في الأرض، الحصول على مقابل استخدام الأرض أو أرضاً بدلاً منها".
إن قانون التسوية، يضفي شرعية وبأثر رجعي على (3921) مسكناً استيطانياً، كما سيؤدي إلى مصادرة (8183) دونماً من الأراضي الفلسطينية الخاصة، إضافة إلى ما سبق مصادرته، ويضفي الشرعية على (55) بؤرة استيطانية في عمق الضفة الغربية المحتلة، بينما، ووفقاً للقانون الدولي، فإن كافة المستوطنات غير شرعية، هذا القانون غير القانوني، أدى إلى حملة انتقادات دولية واسعة النطاق، فالاتحاد الأوروبي قرر إلغاء الحوار مع إسرائيل، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ألغت الاجتماع السنوي المشترك للحكومتين الألمانية والإسرائيلية احتجاجاً على القانون، وتتالت الاحتجاجات والادانات من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا والمكسيك، وغيرهم، باستثناء الإدارة الأميركية الجديدة، في بيانها من تاريخ 3 شباط 2017، أنها لا تؤمن بأن المستوطنات عائق أمام السلام، فهي بانتظار زيارة "بنيامين نتنياهو" لمواصلة النقاش في هذا الموضوع، فالسياسة الأميركية تتبنى الإملاءات الإسرائيلية بشكل أعمى.
إسرائيل تتجاهل بشكل فاضح القانون الدولي، وقانون حقوق الإنسان، وتضرب بعرض الحائط القوانين التي تدينها، حتى أن القرار (2334) الأخير لمجلس الأمن ضد الاستيطان لم تحسب له حساب، وحسب القانون الدولي فإن جميع المستوطنات غير قانونية، بل تعتبر جريمة حرب يعاقب عليها القانون، بغض النظر عن التشريعات الإسرائيلية غير القانونية، فجهات حقوقية إسرائيلية عديدة توجهت إلى المحكمة العليا في القدس للطعن في قانون التسوية والمطالبة بإلغائه، بتكليف من قبل (17) مجلس محلي فلسطيني، حتى أن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أعلن عن معارضته لهذا القانون وأنه غير مستعد للدفاع عنه أمام المحكمة، وأحزاب المعارضة الإسرائيلية تحذر من أن هذا القانون سيفضي إلى تدمير دولة إسرائيل، والفكرة الصهيونية، فوزير العدل الأسبق "دان مريدور"، وهو من حزب الليكود، وصف القانون بقانون نهب الأراضي دون أي وجه حق، والأديب الإسرائيلي "أ.ب. يهوشع" قال بأن هذا القانون مخجل، وغير عادل، ونائب الكنيست "ميراف ميخائيلي" وصف القانون كضرب الرأس بالجدار، في المقابل فإن الوزير "نفتالي بينت" قال:" لقد صنعنا اليوم التاريخ بتمرير هذا القانون، وهو إنجاز كبير للاستيطان"، والوزير الليكودي "أوفير اكونس":" القانون يؤكد إصرارنا على حقنا في هذه البلاد، وعلى حقوقنا الأساسية في أرضنا"، بينما سكرتير عام الأمم المتحدة قال بأن قانون التسوية ينتهك القانون الدولي وسيكون له انعكاسات بعيدة المدى على إسرائيل، والبروفيسور اليهودي الأميركي للحقوق الشهير "ألان دير شوفيتش"، الذي يعارض قانون التسوية، أثنى على المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، الذي أعلن عن رفضه الدفاع عن القانون المذكور أمام المحكمة العليا، مطالباً إبداء المعارضة للقوانين المنافية للقوانين الدولية، حتى أن "روبي ريفلين" ،الرئيس الإسرائيلي، أعلن عن معارضته للقانون لمخالفته للقانون الدولي، وأنه سيؤدي إلى وضع إسرائيل في خانة "الابرتهايد"، فماذا سيكون موقف الحكومة الإسرائيلية إذا قررت المحكمة العليا إلغاء هذا القانون؟ المطالبة بتشريع قانون آخر يحظر على المحكمة العليا إلغاء قانون شرعته الكنيست.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الرئيس "محمود عباس"، بأن القانون عدواني، يجب مواجهته في المحافل الدولية، ومعاقبة إسرائيل، دون اللجوء إلى وسائل أخرى، فإن الموقف الإسرائيلي لا يخشى من فزاعة "لاهاي"، لأنها لم تنضم إلى ميثاق روما، ولا يمكن محاكمة الدول التي لم توقع على ميثاقها منذ تأسيسها عام 2002، وأن جميع القضايا التي بحثت في هذه المحكمة، لا يتجاوز (30)حالة، جميعها بتهم شغب، وتجاوزات في دول إفريقية، حسب التعقيب الإسرائيلي، وللتذكير .. فحين أقامت إسرائيل جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، أعلنت أنه سيكون مؤقتاً، للحماية من العمليات الفلسطينية المسلحة، وأن زواله سيتم بزوال الاعتداءات، لكنها لا تقصد ذلك، بل أنها عززته، وزادت من الأراضي التي استولت عليها داخله، وأن قرار محكمة (لاهاي) بإزالته رفضته إسرائيل، فمن الخطأ أن نبني دفاعنا عن حقوقنا بالاعتماد على محكمة (لاهاي)، فمنذ سبعة عقود يرتكبون الجرائم، فإسرائيل، رغم عزلتها الدولية، ما زالت تتحدى العالم، وتواصل استيطانها، ويعلنون صباح مساء بأن كل أرض "إسرائيل" فلسطين من البحر إلى النهر ملك لليهود، وأنه حق أبدي لا جدال فيه.
الكرة في الملعب الفلسطيني، وما وصلت القضية إليه سببه فشل القيادات بإدارة الصراع مع إسرائيل.
بقلم/ غازي السعدي