ما وراء تزاحم مشاريع تسوية الصراع ؟

بقلم: هاني العقاد

المشهد السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية اليوم يعتبر من اعقد المشاهد السياسية التي مرت بها قضيتنا منذ اكثر من ستين عام وحتى الان , المشهد على الارض يتقاطع كثيرا مع المشهد السياسي, استيطان مجنون لم يسبق ان عاشته الارض الفلسطينية سرقة للأرض بتشريع اسرائيلي و غطاء دولي وصمت عربي مخيف ,مخططات عنصرية ممنهجة ملامحها واضحة وتجاهل امريكي مقصود لدفع عملية السلام الدفع الحقيقي الذي يمكن ان يفضي لحل الصراع على اساس حل الدولتين , وغياب الدور الاوروبي الحقيقي , ملامح تحالف جديد بالشرق الاوسط بدأت فكرته سراً منذ فترة ليست بالبسيطة والان بدأ امره ينفضح شيئا فشيئا وخاصة بعد لقاء نتنياهو ترامب الذي شدد فيه ان اسرائيل تربطها علاقات قوية مع دول عربية لم تعقد اتفاقيات سلام مع اسرائيل بعد , وبعد مؤتمر ميونخ الاخير وما جري خلاله من ملامح تكون جبهة جديدة تضم دول عربية واسلامية بالإضافة الى اسرائيل عضو معلوماتي هام ولعل العرب لهم هدف بتشكيلية لحماية الانظمة العربية من تهديد الأيدولوجيات الجديدة والتي باتت اهدافها معروفة لتدمير كل نظام عربي وفرض خارطة جيوسياسية جديدة .
المشهد اليوم يعج بالعديد من المشاريع والاقتراحات لحل الصراع بخلاف حل الدولتين كلها تصب في مصلحة اسرائيل , هناك حل الدولة الواحدة اي الدولة الديموقراطية ذات القوميتين اليهودية والعربية , وهناك حل الدويلة بإدارتين في الضفة وغزة الاولى تكون مرجعتيها الاردن والثانية مرجعتيها مصر ,وهناك مقترح قديم حديث وهو حل دولة غزة الكبرى في غزة ككيان منفصل عن الضفة الغربية بالإضافة لأجزاء كبيرة مقتطعة من سيناء تبلع 1600 كيلو متر تكون صالحة لمشروع توطين كبير للفلسطينيين , وهناك طرح اخير تحدث عنه نتنياهو خلال لقائه مع وزيرة الخارجية الاسترالية مؤخرا بوضع غزة تحت الوصاية الدولية وفرض السيادة الامنية بالكامل على الضفة الغربية واعطاء الفلسطينيين سيادة ادارية على ا جزاء محددة من المدن الكبرى في الضفة ,واحذر ان هذا السيناريو قد يتم لكن بعد ان تشن اسرائيل حرب تدميرية على غزة يندفع في نهايتها العالم لإرسال قوات دولية ويقبل الفلسطينيين بهذا السيناريو للتخلص من آلة الحرب الاسرائيلية والقتل المستمر , كل هذه المشاريع تعتبر في حد نظري مناورات مقصودة وشبه حقيقية تهدف للإيحاء بتلاشي حل الدولتين ودفع الولايات المتحدة بالتخلي تماما عن التحدث عن هذا الحل وتبنيه وخاصة ان هذا الخيار بات الان في عداد الميت لان اسرائيل تمعن في التنكر وتدميره من خلال الاستيطان المجنون وبشكل دراماتيكي وخاصة بعد لقاء ترامب نتنياهو , ولو تابعنا مصدر كل تلك المشاريع لوجدنا انها تطبخ في مطابخ اسرائيلية وتفبرك في غرف الموساد الاسرائيلي لان اسرائيل بالفعل لا تريد ان يحل الصراع بإيجاد دولة فلسطينية جنبا الى جنب لدولة الكيان الصهيوني , وهذا بالطبع بدعم امريكي كبير جدا عكسته التصريحات المتكررة لمسؤولين أمريكيين قبل وبعد زيارة نتنياهو الى هناك توحي بان امريكا لن تملي شروطها لحل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بل ستدعم اي اتفاق يتوصل اليه الطرفان أيا يكن هذا الاتفاق.
المشاريع المطروحة كلها توحي بان هناك تفاهمات بين نتنياهو و ترامب والدول العربية تمت سراً للأعداد لصفقة كبري يمكن ان تكون اساس لحل الصراع تبتعد كثيرا عن الحلول التي تحقق الطموح الفلسطيني الحقيقي في دولة مستقلة صاحبة سيادة على الارض والسكان وعاصمتها القدس الشرقية مع حل جميع قضايا الصراع و اولها قضية اللاجئين على اساس قرارات الامم المتحدة الصادرة بهذا الشأن , الملاحظ ان المشاريع الثلاثة السابقة لم تتحدث عن القدس ولم تتحدث عن حل قضية اللاجئين ولا حتى سيادة الدولة بل تحدثت عن وصايات عربية ودولية وتحدثت عن سيادة غير كاملة للفلسطينيين على اجزاء من الضفة الغربية وتحدثت عن حلول مؤقتة فقط لا ترتقي لحل سياسي يضمن انهاء كامل ونهائي للصراع, و انا اعتبر ان الطروحات التي يصورها البعض على انها مشاريع حلول للصراع لا ترتقي لمشاريع ولا خطط بل عبارة عن فرقعات هنا وهناك لا اكثر ولا اقل لإنهاء ما تبقي من امل لدي الفلسطينيين في امكانية بقاء حل الدولتين حيا ولدفع الفلسطينيين للتنازل والقبول باقل من حل الدولتين وتجهيزهم لهذا التنازل خلال المرحلة القادمة وهنا نقول ان الشعب الفلسطيني و القيادة باتوا امام خيار مهم وهو الدفاع عن وجودهم على هذه الارض بمقاومتهم الشعبية وحراكهم الدبلوماسي المستمر امام هيئات المجتمع الدولي ويجب على شعبنا الفلسطينينى الا يكترث بمثل هذه الطروحات لان اي حل لا يرتقي لتحقيق حلم الفلسطينيين التاريخي لن يمرر وسوف يسقطه الشعب الفلسطيني بالثبات على الأرض, والمقاومة الابداعية والمتواصلة المتمثلة بكافة اشكالها المختلفة في كل مكان على الارض المحتلة وخارجها و الاستمرار في تشجيع مزيدا من المقاطعات الدولية الاقتصادية والاكاديمية وتحقيق مزيدا من الاعترافات الدولية الشعبية والرسمية بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 والقدس عاصمة لهذه الدولة , بل وبات مهما على صعيد العلاقة مع اسرائيل تنفيذ قرارات المجلس المركزي التي دعت لتحديد العلاقة بين السلطة واسرائيل اذا ما استمرت اسرائيل بالتنكر لكل الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين ,بل وان سحب منظمة التحرير الاعتراف بدولة الكيان قد يعتبر اهم قرار لإنهاء العلاقة تماما مع دولة الاحتلال لتدفع ثمن الاحتلال الذي تصر عليه .

د. هاني العقاد
[email protected]