في أمسيتنا الثقافية التي تعقد في مجلسنا مساء كل خميس، وفي أمسية الخميس الفائت 3/آذار الجاري، كان أحد الحضور والذي فاجأني حضوره مبكراً هو الأخ الأستاذ هشام دبسي وبصحبة أخ عزيز لبناني، ومنذ اللحظة الأولى لإستقباله كانت الكيمياء الأخوية والسياسية والوطنية، قد شدتنا لتذكر الماضي الذي زاد على أربعة وأربعين عاماً، يوم كانت دمشق حاضنة العمل الوطني الفلسطيني بداية سبعينات القرن الماضي، لنتذكر الأخوة والرفاق في إتحاد عام طلبة فلسطين، وأعضاء الهيئة الإدارية البارزين في تلك الحقبة وهم أصدقاء مشتركون نذكر منهم، ياسين جابر أبوالوليد، روحي فتوح، وليد الشيخ، عبد الفتاح غانم، سالم غنام، محمد خليفة، وآخرين كثر ينتمون للفصائل الفلسطينية المختلفة والتي كان يتوزع عليها الشباب الفلسطيني، وكان يحكمهم حينها التنافس في العمل من أجل فلسطين سواء من خلال الفصائل والتنظيمات التي ينتسبون إليها، أو من خلال الإتحاد العام لطلبة فلسطين بفروعه المنتشرة في مختلف الدول العربية والأجنبية، يوم كان إتحاد الطلاب الفلسطينيين مدرسة ثورية، وقاعدة أساسية من قواعد م.ت.ف، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية بأرقى وأنقى أشكالها، وبعد أن بدأت الأمسية وكان موضوعها ((فلسطين بين الملاك والممالك إلى أين)) وقد إفتتحت الأمسية بعرض موجز للتطورات السياسية العامة للأوضاع العربية ومنها الفلسطينية، والمرور على تاريخ الصراع المعاصر بين الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية، والتغيرات التي طرأت على وسائله وآلياته، تحدث الأخ حسني المشهور الكادر الفتحاوي المخضرم، بإسهاب وتفصيل عن جدلية الصراع وعلاقة الملاك وهم دول المركز، والممالك وهم دول المحيط، وبين أن الحركة الوطنية الفلسطينية ((أنها قد أنهت معركتها مع الممالك (دول المحيط) وأنها قد أنهت عصر الوصاية لدول المحيط عليها))، وأن ما نراه من تدخلات اليوم إقليمية ومن دول المحيط بالشأن الفلسطيني، ما هي إلا محاولات يائسة وبائسة لبعض هذه الدول تهدف التأثير في القضية الفلسطينية، لمقايضتها مع الملاك في حساباتها الخاصة، وقد خلص إلى أن المعركة الوطنية الفلسطينية تدور اليوم مع الملاك (دول المركز) ويقصد بها تلك الدول صاحبة المشروع الصهيوني، وهي الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، تلك الدول المسؤولة عن صناعة المشروع الصهيوني، وعن النكبة والقضية الفلسطينية، وبالتالي عن تحديد مستقبل الكيان الصهيوني، وحل القضية الفلسطينية لابد أن يتم مع هؤلاء الملاك أصحاب المشروع.
وخلص إلى أن الوطنية الفلسطينية ممثلة بـ م.ت.ف قد قطعت شوطاً كبيراً في فرض الإعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على هؤلاء الملاك، وما يجري اليوم هو المساومة على حجم هذه الحقوق.
وكعادتنا في الأمسية الثقافية، يتاح لجميع الحضور المشاركة والمداخلة والإدلاء بالرأي في الموضوع محل البحث أو الأمسية، وكانت هناك مداخلات جد قيمة من جميع الأخوة أغنت الأمسية، وأوضحت الإشكالية محل البحث، لكنني سأتوقف عند المداخلة التي تقدم بها الأخ هشام الدبسي الصديق والزميل القديم والتي كانت مداخلة مميزة ونوعية، تناولت الخطاب السياسي والإعلامي لحركة "فتح" ولـ م.ت.ف بشكل عام حيث إنتقد الخطاب السائد ووصفه، بالإنفصام بين خطاب الفصائل من جهة، وخطاب م.ت.ف والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، حيث تركز "فتح" والفصائل على اللغة القديمة في خطابها السياسي والإعلامي ولم تستطع أن تجاري جملة التغيرات المحلية والقومية والدولية، وتقدم خطاباً سياسياً وإعلامياً أكثر واقعية وقرباً من الواقع ومن الجيل الجديد، فهي تعيش في ثوب خطاب سياسي قديم وماضوي ولم يعد يتناغم مع الواقع ولا يتجاوب ومتطلبات الجيل المعاصر، في حين أن السلطة و م.ت.ف تقدم خطاباً سياسياً وإعلامياً أكثر واقعية وقرباً من الجيل المعاصر، وبناءً على ذلك طلبت من الأخ هشام أن يزودنا بمقترحاته وملاحظاته حول بنية الخطاب السياسي والإعلامي الفتحاوي الذي يتوجب أن يكون عليه الخطاب حتى يقدم رسالته بصورة أقرب إلى الواقع وإلى الجيل المعاصر، وتحريره من القوالب الماضوية القديمة، التي سادت عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهنا أقدم مقترحاته كما وصلتني منه مكتوبة دون زيادة أو نقصان:
((مقترحات في بنية الخطاب السياسي الفتحوي
يحتاج الخطاب الفتحوي الى تحديث يساعد على التقريب والانسجام اكثر مع خطاب المنظمة والسلطة الوطنية ويجسر بين لغة التحرر الوطني ولغة الاستقلال واساليب النضال المعتمدة من اجل انتاج موقف هجومي صلب يعبر عن خياراتنا السياسية بعيداً عن التبرير والدفاع.
ثانيا - ضرورة التركيز على المستقبل وعلى الاحتياجات الملحة والاولويات السياسية بما هي دليل وخريطة طريق من ردم الفجوة مع الجمهور وخاصة الفئة الشبابية الاكثر وزنا.
ثالثا- اهمية ربط الاهداف بالوسائل والامكانات باسلوب يبين علاقة خياراتنا السياسية بنظام المصلحة الفلسطينية وتبيان تشخيصنا لنظام المصلحة بواقعية وحقائق صلبة.
مقترحات في بنية الخطاب الاعلامي
يمكن تحديث الخطاب الاعلامي بدراسة كل مصطلح والتدقيق بالجملة الاعلامية ومدى قربها من المعايير المهنية المعتمدة في الاعلام الحداثي ومدارسه المعاصرة.
ثانيا- اهمية تعريف الفئات المستهدفة ان كانت فلسطينية او عربية او أجنبية بما فيه الاسرائيلية من اجل بناء وسائل اعلام متخصصة وانتاج خطاب مدروس وعقلاني.
ثالثا- اطلاق حرية المبادرة الاعلامية من اجل تجاوز اسلوب اعلام القطاع العام النمطي بالاستناد الى تطوير رؤية بانورامية حاضنة وديمقراطية تؤمن الفاعلية والالتزام.
رابعا- الى جانب المهنية والتخصص يلزمنا انتاج سرديات انسانية متنوعة قادرة على تجاوز الاعلام التعبوي والشخصاني وتجاوز النمطية المعتمدة على ثلاثية الحق الضحية المؤامرة من اجل سردية متنوعة قادرة على النفاذ لاذن وعين الفئة المستهدفة عبر كافة اشكال الفنون المعاصرة.))
وهنا لا يسعني إلا أن أتقدم إلى الأخ هشام الدبسي الباحث ومدير مركز تطوير للدراسات والزميل والصديق القديم بجزيل الشكر والتقدير له على هذه الرؤيا وعلى هذه المساهمة في تطوير الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني بشكل عام.
أخلص إلى خلاصة تؤكد على ضرورة مراجعة الخطاب السياسي والإعلامي لحركة "فتح" خاصة ولمختلف الفصائل الفلسطينية ولـ م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية، للخروج من النمطية التي لم تعد تتوافق وجملة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية السياسية والتقنية، في ظل سيطرة وسائل السوشل ميديا، ومراكز البحث العلمي المتطورة، وأثرها على فئة الشباب وجيل المستقبل، الذي يحب أن يتوجه إليه الخطاب السياسي والإعلامي أولاً وأخيراً.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس