كثيرة هي مشاريع ومبادرات التسوية للقضية الفلسطينية والتي تم طرحها عبر العديد من المؤسسات والمؤتمرات الدولية والإقليمية منذ اليوم الأول لنكبة الشعب الفلسطيني ، وكثيرة هي حلقات الحوار والتفاوض حول هذه المسالة ،ولعل أبرزها تلك الحقبة الطويلة من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وبمشاركة أطراف دولية أخرى في بعض مراحلها ، مرحلة قاربت على إغلاق عامها السادس والعشرين منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ، ولم تتمخض هذه المفاوضات إلا على أمر واحد ما زال ملقى في أدراج وأسطح المكاتب ألا وهو فكرة حل الدولتين ، دولة فلسطينية ، على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في أعقاب حرب عام 1967 ، ودولة إسرائيلية ، حيث اقر هذا المطلب في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 عبر ما أطلق عليه اسم المبادرة العربية ، وكما ورد ذلك فيما بعد في خطة خارطة الطريق التي جاء بها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ، ومنذ ذلك التاريخ انصبت الجهود على تحقيق هذه المبادرة وكأنها الحلم الفلسطيني المأمول وما زال قائما .
لكن وبدءا من العام 2017 وتولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأمريكية ، بدأت فكرة حل الدولتين تتراجع خاصة بعد أعلن الرئيس ترامب أنها ليست الطريق الوحيد للحل وهو بذلك يسقط هذا الحل ومن يومها بدأت الكتابات والآراء والتحليلات والمواقف تتناول الحلول الممكنة غير حل الدولتين ، وهنا نجد أنفسنا نعود إلى تناول مسألة الرؤية الفلسطينية للحل العادل لقضية فلسطين وهي في اعتقادي المرجع الأساس لأي جهد سياسي فلسطيني وعربي في هذا المجال ، فلو وجهت سؤالا لأي فلسطيني عن رويته للحل العادل لقضية فلسطين ، فسوف تجد أنه من الصعب على الفلسطيني تناول رؤيته للحل العادل لقضية فلسطين ولو بشكل موضوعي، إلا إذا تخلى مؤقتا عن انتمائه لفلسطين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الفلسطيني طرف في هذه القضية، بل هو الطرف الرئيس، ولذلك فإن حل قضية فلسطين في نظر أي فلسطيني يكمن في جملة واحدة هي عودة الحقوق المغتصبة لأهلها" وهذا يعني:
1- عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ومنازلهم في قراهم ومدنهم، التي أجبروا على النزوح منها في أعقاب حرب عام 1948.
2 . ممارسة الفلسطينيين لكافة حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أرضهم الكاملة من النهر إلى البحر.
هذا هو رأي كل الفلسطينيين تقريبا مهما اختلفت انتماءاتهم وأطيافهم الإيديولوجية والثقافية والسياسية. ومازالت هذه المطالب يورثها الآباء للأبناء منذ 69 عاما على اغتصاب هذه الحقوق .
تلك هي قضية فلسطين، التي تعتبر من أخطر ما أفرزته أحداث القرن العشرين، والتي ألقت بظلاتها على القرن الحادي والعشرين، قضية أفرزت العديد من التداعيات ما جعلها تأخذ أبعاداً محلية وإقليمية ودولية معقدة.
ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ما اراة من ظهور بعض الآراء والمواقف المختلفة المرحبة والداعية لهذا الطرح منها الفلسطيني ومنها الإسرائيلي ومنها غير ذلك ، ولعل أبرزها ما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية حول خطة بديلة لحل الدولتين نقلها رجل الموساد الإسرائيلي السابق عمانوئيل شاحف إلى الإدارة الأمريكية الجديدة قبل أسابيع ، وتدور الخطة حول دولة واحدة ولكن فدرالية ، عندما نقرا بعض ملامح هذه الخطة نجدها أنها تعمل أول على تجزئة الأراضي الفلسطينية ، حيث أنها تجعل قطاع غزة ذي المليونين من البشر خارج الخطة وخارج الدولة ، ثانيا ، ستجعل الفلسطينيين داخل هذه الدولة مواطنين ليسوا من الدرجة الثانية بل ربما ابعد من الدرجة الثالثة ، وسوف يواجهون نظام حكم عنصري ربما اشد واقسي من نظام جنوب إفريقيا السابق .
مقترحات ومبادرات تطفوا على سطح بحيرة المفاوضات الراكدة هذه الأيام التي تشهد تحركات عربية قييل انعقاد القمة العربية في عمان ، ومن ثم الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأمريكا ولقائه المرتقب بالرئيس الأمريكي ، وبالطبع ستكون القضية الفلسطينية في جدول الأعمال ، ثم زيارة الرئيس محمود عباس لأمريكا ولقائه المرتقب بالرئيس الأمريكي أيضا .
إذن نحن نعيش في مرحلة تغير في مسار ونهج ورؤى الجهود السياسية لحل القضية الفلسطينية ، وليس بعيدا أبدا تناول مسالة الدولة الواحدة وبشكل جدي .
السؤال وفي ضوء ما تقدم من معطيات هل الدولة الواحدة هي الحل ، في اعتقادي يمكن أن تكون هي الحل بشرط التساوي المطلق في الحقوق والواجبات ، الحقوق السياسية ، والاجتماعية والاقتصادية لجميع سكان الدولة الواحدة حتى في تسمية الدولة فلا تغييب لاسم فلسطين ، ولا تجزئة للأراضي الفلسطيني أي بمعنى قطاع غزة يجب أن يكون حاضرا وبقوة .
ففي ظل هذا الشرط هل يمكن نجاح الحل؟ اعتقد لا لا يمكن له النجاح وسوف نعود من حيث بدأنا ، وسينطبق علينا المثل القائل : كأنك يا أبو زيد ماغزيت .
والسبب ميزان القوة ، القوة الاقتصادية ، والقوة العسكرية ، فلا توازن بين قطبي سكان هذه الدولة العرب الفلسطينيين واليهود ، أولا ثم التغلغل السكاني اليهودي في المناطق الفلسطينية أيضا , الأمر الذي سيؤثر حتما على مختلف مناحي الحياة خاصة وان الحواجز النفسية ستحتاج ردها من الزمن قبل أن تختفي ، بسبب ارث العداء التاريخي بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين .
النتيجة كما نراها تحتاج مزيدا من البحث والحوار لا يمكن التعايش في دولة واحدة بأي شكل من الأشكال ، لان الاتفاقات المكتوبة لا تكفي ، وارث العداء التاريخي لن يجعلها مستقرة ، بالإضافة حالة الاختلاف المجتمعي والطبقي التي ستنشأ خاصة من النواحي السياسية والاقتصادية ، سنكون المناطق العربية هي الأكثر بؤسا وشقاءه من المناطق اليهودية .
بقلم/ أكرم أبو عمرو