تزامن القرار الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ34 التي عقدت قبل أيام في جنيف برفض الاستيطان، مع فشل التفاهمات الأمريكية – الإسرائيلية حول إلزام الأخيرة بوقف البناء الاستيطاني، وذلك وسط الأنباء التي تم تسريبها عن "التفاهمات الصامتة"، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حول استمرار البناء داخل الكتل الاستيطانية.
هذا الفشل أثار العديد من التساؤلات، ماذا بعد هذا الفشل، وما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية لإلزام إسرائيل بوقف الاستيطان خاصة ونحن على أعتاب القمة العربية التي يمكن من شأنها أن يتم طرح مبادرة سلام جديدة من قبل الرئيس محمود عباس وفق ما كشف عنه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، من أن السلطة الفلسطينية ستطرح على قمة عمّان نهاية الشهر "مشروعاً جديداً" للحل، يتضمن "إعادة صياغة بعض الأفكار" للتسوية، على أن ينقل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرؤية العربية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال اجتماعهما في واشنطن بعد أيام من ختام القمة.
الاعتراف بآلاف الوحدات الاستيطانية
ولعل ما كشف عنه اليوم من قبل القناة الإسرائيلية الثانية عن تسوية بين حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية تقضي بإقامة مستوطنة جديدة في البؤرة المخلاة "عامونا"، والاعتراف بآلاف الوحدات الاستيطانية الأخرى، مقابل أن يوافق نتنياهو على طرح ترامب "بوقف أعمال البناء الاستيطاني واقتصار العمل على الكتل الاستيطانية الكبرى"، إلا أن هذا الأمر سرعان ما نفاه مكتب نتنياهو وقال مساعدو نتنياهو إن "التقرير حول هذا الموضوع ليس دقيقا" .
هذه المناورات من قبل نتنياهو، وفق التقرير الذي أعدته، "وكالة قدس نت للأنباء"، تضع الكرة في الملعب الأمريكي، وبشكل واضح لا يقبل التأويل، ماذا يمكن أن يحدث الآن خاصة انه لا يوجد أجواء تفاؤل من قبل الفلسطينيين حول وقف البناء الاستيطاني.
ومنذ إبريل/ نيسان 2014 ومفاوضات السلام متوقفة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ جراء رفض نتنياهو وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض، والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدماء في سجون إسرائيل.
ويرى الاحتلال بتقلد ترامب منصب الرئيس الأمريكي فرصة لتعزيز البناء الاستيطاني والعودة للعمل به بقوة بعد تقييده لفترة خلال ولاية أوباما السابقة.
أمريكا وكيل عن إسرائيل
وحول هذه التفاهمات الصامتة، دعا تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الإدارة الأمريكية إلى احترام القانون الدولي وقرارات الشرعية في كل ما يتصل بالنشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وإلى التوقف عن البحث عن تفاهمات مع الحكومة الإسرائيلية حول البناء في المستوطنات في غياب الجانب الفلسطيني.
وجدد تيسير خالد دعوته إلى استيضاح ما يجري من محادثات حول مثل هذه التفاهمات من الجانب الأميركي وتحذيره من عواقب التصرف كما لو كان وصيا على الفلسطينيين ووكيلا عنهم في حقوقهم وفي أراضيهم المحتلة ودعوة الإدارة الأميركية إلى احترام قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي يدعو إسرائيل إلى وقف نشاطاتها الاستيطانية دون قيد أو شرط باعتبارها غير قانونية وغير شرعية وتشكل انتهاكا فظا للقانون الدولي.
وأكد خالد وفق تصريح له وصل "وكالة قدس نت للأنباء" نسخه عنه، أن أي استئناف لمسيرة التسوية السياسية والمفاوضات يتطلب أولا وقبل أي شيء آخر الوقف التام لجميع أنشطة إسرائيل الاستيطانية وأن الجانب الفلسطيني لم يعود من جديد إلى مفاوضات عبثية تستخدمها إسرائيل من جديد غطاء لسياستها العدوانية الاستيطانية التوسعية ولن يقبل بمفاوضات في إطار إقليمي تستخدمها إسرائيل منصة لتطبيع علاقاتها مع دول الإقليم قبل التوصل إلى تسوية شاملة ومتوازنة للصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلى تضمن انسحابا إسرائيليا شاملا من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بعدوان حزيران عام 1967 وتوفر في الوقت نفسه الأمن والاستقرار لجميع شعوب ودول المنطقة، بما فيها دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة وتصون حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها بالقوة العسكرية الغاشمة.
27 مليون شيكل لـ 22 مستوطنة في الضفة
يذكر أن حكومة الاحتلال لا تكترث للمواقف الدولية الداعية للجم الاستيطان، فقد كشفت مصادر عبرية، بأن نتنياهو يعتزم تحويل 27 مليون شيكل لـ 22 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة. وزعمت المصادر العبرية أن "المستوطنات التي ستحول لها هذه المبالغ تواجه تحديات أمنية وعجز مالي في ميزانيتها".
وقالت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية أن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي نشر بياناته عن أعمال البناء الاستيطاني التي بوشر بها عام 2016.
ووفقا لمكتب الإحصاء المركزي تم خلال العام 2016 بناء 2630 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية. وهذا يمثل زيادة بنسبة 40٪ (39.6٪) مقارنة بعام 2015 .
وأكدت "السلام الآن" أن الزيادة الحادة في البناء بالمستوطنات ترسل مؤشرا واضحا للفلسطينيين وللمجتمع الدولي بأن إسرائيل غير معنية بحل الدولتين، ومنذ تولي نتنياهو منصبه في عام 2009، تم بناء أكثر من 14الف وحدة سكنية في المستوطنات مضيفة انه في العام الماضي وحده، يؤشر البناء ب 2600 وحدة سكنية، أي بزيادة 40٪ عن السنوات السابقة، ومن خلال تسريع العمل ببناء المستوطنات، يقود نتنياهو إسرائيل إلى أن تصبح دولة عنصرية.
"صفقة" سياسية ذات مفهوم تجاري
وحول الخلاف الأميركي ـالإسرائيلي بشأن «تحجيم» الاستيطان، أوضح الكاتب في جريدة الأيام حسن البطل، "أن البيبي (( يقصد الكاتب بنيامين نتنياهو)) صار مؤخراً يدعي أن الاستيطان ليس هو المشكلة التي تعيق إرساء سلام فلسطيني ـ إسرائيلي، بينما يرى العالم في الاستيطان عقبة رئيسية تهدد "حل الدولتين"، كما أشارت، أيضاً، الست أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفلسطيني، في توقيت صادف إخفاق مباحثات عقدها في واشنطن وفدان رفيعا المستوى في الاتفاق لإقامة جهاز تنسيق مشترك للبناء الاستيطاني اليهودي".
وتساءل البطل، هل سنرى في جهاز التنسيق هذا بداية صفقة صغرى ثنائية، تمهد لـ"صفقة" كبرى وتاريخية يريد ترامب اجتراحها في السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟ إذا لم تتفق إدارة ترامب مع حكومة إسرائيل على مفهوم لـ"تحجيم" الاستيطان، فكيف ستتفقان على "حل الدولتين أو الدولة الواحدة"، كما خير ترامب الجانبين، في مؤتمره الصحافي الأول المشترك مع السيد "بيبي"؟ أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، "يديعوت أحرونوت" نقلت عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله، "غرينبلات هو توأم أوباما".
وأضاف في مقاله، الحقيقة أن ترامب هو غريم أوباما وكريهه، الشخصي والسياسي، وليس فقط في موضوع «الحل بدولتين وبالتالي رؤيته للاستيطان كعقبة تهدّده بالتقويض، إضافة إلى حديثه عن تسوية الصراع باعتباره "صفقة" سياسية ذات مفهوم تجاري، فالرئيس ترامب يستخدم عبارة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وليس سلاما يقوم بين دولتين! يرى بيبي أن السلام السياسي العربي ـ الإسرائيلي قد يشكل مدخلاً لسلام يحلّ المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، بينما يرى فريق ترامب في السلام الاقتصادي الفلسطيني ـ الإسرائيلي توطئة لسلام دولتين أو دولة واحدة.
