أقف قليلا عند رأي بعض الإخوة من الكتاب والمحللين السياسيين حول اعتبار حادثة اغتيال الشهيد مازن فقها في غزة قبل أيام رسالة دموية إسرائيلية موجهة لحركة حماس وقادتها والأسباب كثيرة معروفة للجميع وأهمها على الإطلاق انتهاج طريق المقاومة والإعداد والتجهيز لاحتمالات المواجهة في أي وقت ، اذكر هذا وأعود بالذاكرة القريبة عندما كنت على رأس عملي في مركز المعلومات الوطني بالهيئة العامة للاستعلامات سابقا ، عندما كنا نتابع أحداث انتفاضة الأقصى لحظة بلحظة حيث أفردنا صفحة خاصة بها لتوثيق أجداثها شهدائها وأعداد جراحاها وردود الأفعال العربية والدولية ، كان من بين اهتماماتنا أن خصصنا جزء من إحصائيات الشهداء ، شهداء الاغتيالات ، فكانت النتيجة عشرات الشهداء سقطوا نتيجة حوادث اغتيالات اعتبرها القانونيون إعدامات خارج نطاق القانون ، تعرض العديد من القادة نتيجة هذه العمليات الجبانة التي كانت تتم في معظمها بالطائرات ، ذهب المهندس إسماعيل أبو شنب ، الشيخ احمد ياسين ، وصلاح شحاذة ، واحمد الجعبري ، وأبو على مصطفي ، وهاني عابد ، وجهاد العمارين ورائد الكرمي وعبد المعطي السبعاوي والقائمة طويلة وعلى راسها الشهيد القائد ياسر عرفات ، قائمة طويلة سبقتها قائمة اطول من شهداء الاغتيالات على مر تاريخ القضية الفلسطينية منذ النكبة ، السؤال هل هذه الاغتيالات كانت بمثابة رسائل توجهها إسرائيل ولمن ؟ هل إلى قادة شعبنا الذين هم على قيد الحياة لرفع القبعات والانحناء اعترافا وتقديرا لإسرائيل وجيشها ، أم إلى كل من تسول له نفسه من الفلسطينيين بتوجيه العداء إلى إسرائيل الحقيقة كما أرى لا ، ليس هكذا ، وإذا وضعنا مسالة الاغتيالات في بوتقة الرسائل نكون قد جانبنا الصحيح .
الحقيقة إن جرائم الاغتيال هي سياسة إسرائيلية ثابتة مارستها وتمارسها منذ اليوم الأول لاغتصابها فلسطين وتشريد أهلها ، هي جرائم إنما تقوم بتجسيد حقدها الدفين ضد كل من قام بمواجهة أفراد جيشها المحتل والحق بهم خسائر فادحة ، ليس هذا فحسب بل قامت أيضا بتجسيد حقدها بكل من دعا إلى مقاومتها سواء بالقلم أو الرسم أو بالأدب لذلك تجد قائمة الاغتيالات حافلة بالكتاب والأدباء والفنانين الفلسطينيين ، وخير مثال على ذلك الشهيد ناجي العلي ، والشهيد غسان كنفاني .
وهي جرائم تأتي نتيجة سياسة عليا أقرتها جهات عليا على المستوى الحكومي، تهدف إلى تصفية جسدية لأشخاص محددين بعد رصدهم وذلك كبديل للقبض عليهم، واعتقالهم في المعتقلات لمدد طويلة . إن ارتكاب جرائم الاغتيالات أدانتها العديد من المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية التي اعتبرتها جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد. وذلك وفق ما جاء في تقريرها في فبراير/ شباط 2001 بعنوان " إسرائيل والأراضي المحتلة والاغتيالات".
وقد تناولتها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية معتبرة إياها انتهاكا صارخا للحق في الحياة وفق ما جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه ". كما نص البند الأول من المادة السادسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن " الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً". كما أن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ أغسطس عام 1949 جاء في المادة الأولى منها تعهد الدول الأطراف السامية المتعاقدة، " بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال". كما جاء في المادة(32) من نفس الاتفاقية على أنه " تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها"..
وهكذا إن مثل هذه العمليات من القتل تأتي مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان ومخالفة لما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن المدنيين تحت الاختلال ،
إننا نعتقد ومن خلال متابعة الجرائم الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا منذ 69 عاما ، إن هذه الجرائم ستستمر ، طالما هناك مطالبة بالحق المغتصب ، طالما هناك مقاومة للاحتلال وبأشكالها المختلفة ، ستستمر هذه الجرائم في فلسطين وخارج فلسطين ، ولا يغرنا اتفاقيات بين فترة وأخرى فإسرائيل لا تعرف عهدا ولا ذمة ، تنفذ جريمتها متى حانت الفرصة ، ودوائر التخطيط لهذه الجرائم لا تهدا وهي تعمل على مدار الساعة ، وقائمة الاغتيالات ربما تكون طويلة فشعبنا جميعه مقاوم كيف لا والأرض والممتلكات اغتصبت ، والتشريد واللجوء ما زال قائما ، والمعاناة ما زالت تلف حياتنا .
في ظل هذه الجرائم السابقة والتالية المطلوب من أبناء شعبنا ، على مختلف مستوياتهم الحذر ثم الحذر ، أنها حرب مفتوحة ، لا تنتهي إلا بنهاية الاحتلال وعودة الحقوق ، وإيانا وردات الفعل الغير محسوبة ، فدماء شعبنا ليست رخيصة .
بقلم/ أكرم أبو عمرو