تشير ديموغرافيا الإنتشار الفلسطيني حول العالم إلى وجود ما يزيد عن 12 مليون فلسطيني، نصفهم تماماً يعيش خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة. تكرَّس تجاهل وتهميش هذا الثِقل الكمي والنوعي من الفلسطينيين، بعد توقيع إتفاق أوسلو في العام 1993 والإعتراف المتبادل بين م. ت. ف. والكيان الإسرائيلي وإنشاء سلطة الحكم الذاتي في الضفة وغزة. إتفاقية أوسلو التي يراها الباحث والكاتب الفلسطيني الدكتور سلمان أبو ستة بأنها أخطر على القضية الفلسطينية من وعد بلفور 1917 إذ "وضعت الشعب الفلسطيني رهائن وعبيداً للإحتلال وقلصت فلسطين وقزمتها إلى خمس فلسطين وقتلت م. ت. ف.، وأنشأت السلطة الفلسطينية التي تحكم تحت الإحتلال مليوني فلسطيني"، عطّلت كذلك دور فلسطينيي الخارج المحوري في صناعة القرار الوطني الفلسطيني، وأعطت الضوء الأخضر للكيان الإسرائيلي لممارسة كل ما يتعلق بإنتهاكات القوانين الدولية المتعلقة بالإحتلال، وضرب كافة القرارات الأممية التي صدرت وتدين الإحتلال بعرض الحائط سواء المتعلقة ببناء جدار الفصل العنصري أو إنهاء الإحتلال أو مصادرة الأراضي أو بناء المستوطنات الذي يشكل جريمة حرب وتوسع افقي سرطاني في البناء يبتلع الضفة الغربية المحتلة شيئاً فشيئاً وضاعفت الإتفاقية عدد المستوطنين اليهود في الضفة لأكثر من أربعة أضعاف؛ من حوالي 160 ألف في العام 1993 إلى حوالي 700 ألف في العام 2017، وتجرُّء ما يسمى بالكنيست الإسرائيلي على إستصدار قانون مزيف بموجبه يستطيع الإحتلال مصادرة أراضي وممتلكات الفلسطينيين في الضفة والقدس عدا عن عمليات التهويد المستمرة ومحاولات الإستيلاء على المقدسات، واقتحامات بيوت المدنيين، وعمليات الإغتيال بدم بارد، والإعتقال الإداري وأعمال الحفريات المنظم في القدس، وبناء المتاحف والكُنُس أسفل المسجد الأقصى والقائمة تطول..
تَحدُث جميع هذه الكوارث أمام سمع وبصر م. ت. ف. التي ينادي الجمع الفلسطيني السياسي والشعبي بضرورة الإصلاح والتطوير والتفعيل، يرافقه تعطيل كامل لدور المجلس الوطني ومؤسساته إذ أن آخر دورة فاعلة عقدت في الجزائر قبل ما يقارب من ثلاثة عقود (1988)، بينما لقاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي عُقد في قطاع غزة في 1996 قد خصص لإلغاء وتعديل بنود من الميثاق الوطني الفلسطيني للعام 1968 تلك المعادية لدولة الإحتلال الإسرائيلي والصهيونية، مقابل أن اعترفت دولة الإحتلال بـ م. ت. ف ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني..!
استشعر الحراك الشعبي حجم المخاطر وهبّ فلسطينيو الخارج بمؤسساتهم وثقلهم الكمي والنوعي لمحاولة الضغط على صانع القرار الفلسطيني، لكن دون تفاعل من الأخير يرتقي إلى مستوى الإنعطاف الحاد في المسار الفلسطيني السياسي والإنساني، في محاولة لتقديم صورة مشرقة لفلسطينيي الخارج بأن إتفاق أوسلو سيوفر الإستقرار والسلام والرفاه الإجتماعي والإقتصادي، يساهم فيه المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر توفير ميزانية سريعة لوكالة الأونروا في العام 1993 من 22 دولة مانحة بلغت قيمتها 83.5 مليون دولار لتمويل "برنامج تطبيق السلام" لتحسين مستوى عيش اللاجئين داخل أراضي السلطة.
جاء إنعقاد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج في مدينة اسطنبول في 25 و 26 شباط/فبراير 2017 تلبية لحاجة وطنية، وبعد أن وصل السيل الزبى في مسلسل تهميش نصف الشعب الفلسطيني ومصادرة دوره، ولإطلاق صرخة وطنية مدوية لتذكير الفلسطيني والعربي والمسلم والمجتمع الدولي وكل متضامن في العالم بأننا لا زلنا كشعب فلسطيني في مرحلة تحرر وطني، هدفنا تحرير فلسطين وعودة شعبها إليها شأننا في ذلك شأن جميع حركات التحرر الوطني في العالم، من خلال عملية إستنهاض لحالة شعبية تتطلب استحضار رصيد النخب والكفاءات والخبرات من أبناء شعبنا الفلسطيني وما أكثرها وما تحتاجه سوى الفرصة المناسبة للنهوض للتغيير والتعديل بما يخدم مشروع وطني فلسطيني لا مكان فيه لا للفئوية ولا للحزبية، لذلك الإنتقاد الهادف والبنّاء والملاحظات التي تساهم في تطوير الأفكار والمقترحات ضرورة موضوعية للمؤتمر، وعلى التوازي سؤال كل منا لنفسه كيف يمكن أن يكون له دور، وقيمة نوعية مضافة في المشروع الوطني، وكيف له أن يحصل على وسام شرف تاريخي يُنقش عليه "ساهَمَ في تحرير فلسطين".
بقلم/ علي هويدي