محللون: ربط الرواتب بالمصالحة دفع غزة للهلاك والانتحار السياسي

تساؤلات عديدة تطرح في الشارع الغزي تحديدا عن الخطوات المقبلة التي يمكن أن تحدث في حالة استمرار ربط قرار خصم الرواتب بإتمام المصالحة ومدى جدية أن ينجح هذا الأمر، أم سيكون له تبعيات خطيرة تؤدى إلى دفع غزة للهلاك و الانتحار السياسي.

وحذر محللون من تبعيات هذه الخطوات التي وصفت بأنها غير مدروسة، ولها ردات فعل سياسية عنيفة ستكون على المشروع الوطني الفلسطيني ككل، وأن القرارات التي اتخذتها حكومة الحمد الله تفتقر للحكمة وستضر بأكثر من 2 مليون نسمه في قطاع غزة .

ما مدي جدية تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة

 وتعقيبا على هذه التساؤلات، قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل:" أرجو أن لا يشك أحد بأن مجزرة رواتب موظفي غزة، ستؤثر سلبياً وإلى حد كبير على وجود ووحدة حركة فتح في القطاع، وقد لاحظنا اعلانات الاستقالات الجماعية والفردية التي جاءت كردود فعل فورية على هذا القرار. تبدو غزة هكذا على أنها تدفع إلى الهوامش وهي مرفوضة من قبل كل الأطراف الفاعلة، فلا إسرائيل تريدها، ولا السلطة تريدها، ولا أحد آخر يقبلها.

وأوضح عوكل، أن هؤلاء كلهم لا يقرؤون التاريخ، وسيدركون بعد فوات الأوان أن غزة هي التي حافظت على الهوية الوطنية وستبقى، وأنها مركز المشروع الوطني الفلسطيني، وحاملة رايات الكفاح من اجل كل فلسطين.

كذلك تساءل عوكل وفق ما رصده تقرير "وكالة قدس نت للأنباء"، عن مدى جدية التصريحات الكثيرة عن الالتزام بالسعي نحو تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة، وأتساءل، أيضاً، عن مدى جدية الخطاب الذي يطالب بإجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني، وإن من يصدق القول بالفعل، لا يمكنه أن يقدم على إجراءات وقرارات من هذا المستوى، والتي تجعل الجماهير تنفضّ من حوله، ومن يصدق القول بالفعل، لا يضحي بحركة فتح، التي هي العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية.

هذا ونصح عوكل الكاتب في جريدة الأيام وفق مقاله الذي جاء بعنوان النيزك الضخم الذي ضرب غزة الذين اتخذوا القرار بالعودة عنه فوراً، وإلى ذلك الحين أنصحهم أن يتابعوا نسب الذين يصابون بالجلطات القلبية والدماغية بعد صدور القرار، وأن يتابعوا، أيضاً، نسب حالات الانتحار، أما لاحقاً فإن عليهم أن يراقبوا معدلات الهجرة، والانهيار الاقتصادي، وتدني مستوى جودة الحياة، بالنسبة لمليوني فلسطيني أخرجهم الكل من حساباته.

افتقاد الحكومة لحساسيات الواقع الانقسامي

بينما رأى الكاتب د. عبد المجيد سويلم ، أن ما دار في "ذهن" الحكومة عندما أقدمت على هذا الاقتطاع. الافتقاد إلى الحساسية في قراءة الوضع واللحظة هو ما يميز هذه القرارات. والافتقاد إلى تقدير النتائج التي يمكن أن تترتب على قرارات من هذا النوع في مثل هذا الوضع وفي مثل هذه اللحظة هو جوهر هذه الفضيحة.

وإذا أردنا أن نكشف عن الأمر فنحن لا نحتاج إلى أكثر من قراءة البيان الحكومي حول الاقتطاعات. إذ ترى الحكومة أن الانقسام وسلوك حكومة حماس وتمردها وسطوها على الضرائب إضافة إلى انخفاض الدعم الخارجي هو الذي "أجبر" الحكومة على اتخاذ هذه "الخطوة".

سويلم الذي تساءل في طرحه أين الحكمة يا حكومة؟ بقوله:"الحقيقة، إن الظلم الذي ألحقته هذه الحكومة بموظفيها في القطاع ينمُّ عن استهتار فاضح وخفة محزنة تجاه أهلنا في غزة وأخواتنا وإخواننا الموظفين على وجه التحديد. تبدو المسألة محصورة في افتقاد هذه الحكومة لحساسيات الواقع الانقسامي في البلاد، لكنها في الحقيقة هي حالة عقم عميقة.

وأوضح سويلم، أنه بغض النظر عن درجة أحقية شعور أهلنا في القطاع كونهم يدفعون ثمن الانقسام مرتين من ذوي القربى ومرة كبيرة من الحصار الإسرائيلي فإن الشعور العام لديهم هو أنهم الضحية الأولى للانقسام، وأن الأكثرية الحقيقية في القطاع هي أكثرية الفقر والبطالة والظلم والشعور بالمهانة والغبن.

وأضاف، وعندما تأتي الحكومة على مثل هذه القرارات في ظل هذا الواقع وفي ظل هذه المشاعر لدى أهلنا في القطاع فإن الحكومة تكون قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنها (أي الحكومة) غائبة عن الوعي السياسي، وتسبح في بحر أرقامها المالية الجوفاء بعيداً عن بؤس الناس وشقائهم، وبعيداً عن أي حكمة سياسية .

قرار سياسي استراتيجي خطير

فهل ما حدث في القطاع هو فعلا مسألة رواتب، أم أن الموضوع أكبر واخطر من رواتب، هذا ما أجاب عليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر الدكتور إبراهيم أبراش قائلا: "سياسة قطع الرواتب وتحديدا عن موظفي قطاع غزة تحت مسميات مختلفة، تارة التعامل مع حركة حماس وأخرى التجنح مع دحلان ، وأخيرا خصم حوالي ثلث الراتب الذي يتقاضاه موظفو القطاع تحت ذريعة العجز المالي، فهذا القرار ليس مجرد قرار إداري عادي أو يدخل ضمن سياسة تقشفية بل إنه قرار سياسي استراتيجي خطير سيؤدي بوعي من متخذيه أو بدون وعي إلى تصفية الحالة الوطنية وتصفية بقايا المدافعين عن المشروع الوطني في قطاع غزة وتكريس الانقسام ودفع قطاع غزة إلى الجحيم أو إلى حماس أو دحلان أو داعش، لا فرق بالنسبة لمن يقف وراء هذا القرار والقرارات السابقة ذات الصلة .

وشدد أبراش على أهمية إيجاد حل ولكن ليس على حساب المشروع الوطني الفلسطيني بقوله:" يجب حل المشكلة وإن كان حلها في إطار المصالحة الوطنية وصل لطريق مسدود فهذا لا يعني حلها على حساب المشروع الوطني حتى كمشروع سلطة ودولة في قطاع غزة والضفة وبما يكرس حالة الانقسام ، وخصوصا أن قطاع غزة خزان الوطنية الفلسطينية ومربط الرهان على استنهاض المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني ضد الاحتلال أو في مواجهة أي مشاريع متعارضة وغير متصالحة مع الحالة الوطنية .

هذا ولجأت السلطة الشهر الجاري إلى تقليص رواتب الموظفين المضربين عن العمل في قطاع غزة منذ عشر سنوات، والذين يبلغ عددهم 50 ألفاً، بنسبة 30 في المئة، الأمر الذي أثار موجة احتجاجات واسعة.

وقال رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله أن الحكومة بدأت إجراءات التقشف منذ العام الماضي، مشيراً إلى تقليص نفقات الأمن بنسبة كبيرة وصلت إلى الربع. وأضاف للصحافيين: "القطاع الأول الذي تم البدء به هو قطاع الأمن، إذ تم خفض نفقاته بمقدار 25 في المئة، إضافة إلى خفض موازنات الكثير من القطاعات". وقال: "نعاني من أزمة مالية كبيرة نتيجة تراجع المساعدات الخارجية للسلطة بنسبة 70 في المئة".

كذلك ووصفت النائب عن فتح نعيمة الشيخ علي خلال مؤتمر عقدته بمقر الكتلة في غزة، قرار الحمد الله خصم 30% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة بـ"المشبوه والجريمة النكراء".

وتساءلت: "ما علاقة موظفي غزة بلجنة تفاهم مع حركة حماس؟ وما علاقة الموظف البسيط في غزة بمستقبل غزة السياسي؟".

كما حملت عباس وحكومة التوافق المسؤولية عن ما قالت إنه تمزيق الوطن وتعميق انفصاله السياسي والجغرافي، ومحاولة سلخ غزة عن الجغرافيا الفلسطينية من خلال سياسة التمييز العنصري.

المصدر: غزة- وكالة قدس نت للأنباء -