ألا يستحق الفلسطينيون قائداً أفضل ؟؟

بقلم: ماجد الزبدة

إحدى عشرة سنة كلُّها عِجاف مرت بالقضية الفلسطينية منذ أن نكصت حركة فتح عن التسليم بنتيجة الانتخابات التشريعية التي فاز بها خصمها السياسي حركة حماس نهاية يناير من العام ألفين وستة.

التسريبات التي تكشفت بعد ذلك من إصرار قادة فتح على إفشال حكم حماس، واستعانتهم بإسرائيل ميدانياً وبالأنظمة العربية والغربية سياسياً لإفشال مشروع حماس السياسي قاد الشعب الفلسطيني إلى انقسام سياسي نتج عنه نظامين سياسيين، الأول احتكر تمثيل الكل الفلسطيني وتمتع بعلاقات دولية ودبلوماسية، وامتلك جهازاً حكومياً وجيشاً أمنياً مركزه مدينة رام الله في الضفة المحتلة و كان شعاره ولا زال التنسيق الأمني والمفاوضات مع الاحتلال ضرورة لا بد منها، والثاني رغم فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية فقد عانى من حصار دبلوماسي عربي ودولي، ونجح في بناء جهاز حكومي وتكوين جيش أمني مركزه غزة المحاصرة، ورفع شعاراً عنوانه مقاومة الاحتلال حتى تحرير أرض فلسطين.

وقد صاحب هذا الانقسام السياسي طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية انقساماً مجتمعياً حاداً بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، وأصبح التمييز السياسي عُنواناً لمَيِّزاتٍ اجتماعية واقتصادية شتى، فقد عمدت سلطة رام الله إلى توفير مختلف وسائل الراحة لأتباعها في غزة، فمنحتهم المناصب الحكومية والرواتب الشهرية رغم استنكافهم عن العمل بتعليمات واضحة من رام الله، كما منحت أتباعها تصاريح تنقل للعمل والسياحة والعلاج بين المدن الفلسطينية أو خارجها بالتعاون التام مع جيش الاحتلال أو السلطات المصرية، كل ذلك قابله حرمان تام لمؤيدي سلطة المقاومة، فأتباعها في غزة عانوا ومنذ إحدى عشرة سنة من سوء الأحوال المعيشية وأصبح كثير منهم يعيشون دون خط الفقر، بل ومات العديد من مرضاهم دون التمكن من السفر للعلاج بسبب الحرمان من تصاريح التنقل التي اعتاد الاحتلال إصدارها بالتعاون مع سلطة رام الله، أما أتباعها في الضفة فقد مُنِعوا من حقِّهم في العمل ضمن الوظيفة الحكومية، أو استقبال حوالات مالية توفر لقمة عيش لأطفالهم، وأصبح كثير منهم ضحايا للاعتقال السياسي في سجون السلطة، ولا يكاد أحدهم يغادر سجن السلطة الفلسطينية حتى يتلقَّفه جيش الاحتلال في مشهد مريب جعل المواطن الفلسطيني في حَيْرة من أمره حول ماهية تلك السلطة التي تدّعي ليلا ونهارا تمثيلها الشرعي والوحيد لشعب يرزح تحت الاحتلال !!!

الجديد في هذا الانقسام الذي بات متجذراً بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد هو حالة الهلع التي أصابت صاحب القرار في رام الله، والذي جاوز الاثنين وثمانين عاماً ورغم إشغاله لمنصب رئاسة حركة فتح ورئاسة السلطة الفلسطينية ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ اثنتي عشرة سنة فلا زال يحلم بمستقبل سياسي زاهر، فمنذ عقد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج في إسطنبول أواخر شباط/فبراير الماضي، والحديث مؤخراً عن تغيير حركة حماس لميثاقها السياسي بما يوائم طبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، علاوة على الخطط الإقليمية برعاية أمريكية لإقصائه في ظل تسريبات عن "صفقة القرن"، دفعت الرجل للتخبط في سياساته تجاه حركة حماس، وبدا هاجس انتزاع احتكاره لتمثيل الكل الفلسطيني مُسيطراً على أفكاره وقراراته، فتارة تجده يهدد صراحة بإجراءات غير مسبوقة ضد مليوني فلسطيني من أبناء شعبه في غزة، وتارة يحرم مؤيديه من أبناء غزة من امتيازات مالية اعتادوا عليها طوال إحدى عشرة سنةً هي عمر الانقسام، وهي الخطوة التي صرح العديد من قيادات فتح في الضفة بأنها جاءت لتضييق الخناق على حماس بينما استنكرتها معظم الشخصيات والفصائل الفلسطينية بوصفها تعمق الانفصال السياسي والانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة، بل وذهبت صحيفة هآرتس اليسارية الإسرائيلية إلى أن هذه الخطوة تحديداً هي إحدى الإخفاقات السياسية الكبيرة لنظام عباس كَوْن الرجل هو نفسُه من أمر موظفي غزة بالاستنكاف عن العمل عام 2007م، ومن شأن هذه الخطوة بحسب الصحيفة ذاتها أن تزيد الفجوة السياسية بين الضفة وغزة.

القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة عباس ضد مؤيديه في غزة، وإعادة فرضه ضرائب باهظة تصل إلى 156 % على وقود الكهرباء التي لا تستطيع غزة توفير أثمانها أزال شيئاً من الغموض حول مسئولية عباس المباشرة عن تشديد الحصار على غزة، ودفع أهالي غزة رغم انقسامهم السياسي للتوحد ضد سياسة السلطة الفلسطينية تجاه غزة، ومن شأن مزيد من الإجراءات التي يهدد بها عباس أن تدفع الشخصيات والفصائل في غزة نحو البحث عن بدائل سياسية بمنأى عن سلطة عباس بهدف التخفيف من وطأة الحصار الذي تشارك سلطة رام الله علانية في تشديده على أهالي غزة.

ربما لم يشهد التاريخ الفلسطيني الحديث إخفاقاً سياسيا بحجم الإخفاق الذي صاحب مرحلة تبوأ محمود عباس لزعامة الشعب الفلسطيني، فمشروعه السياسي القائم على اتفاقية أوسلو فشل فشلا ذريعاً باعتراف طرفيه الإسرائيلي والفلسطيني، وحلم الدولة وعاصمتها القدس أصبح أبعد ما يكون في ظل انقسام سياسي واجتماعي رسخته سياسات فلسطينية ستلعنها الأجيال الفلسطينية المقبلة، وربما لم يعد للفلسطينيين بدٌّ من السعي بشتى الوسائل والأدوات لكسر احتكار عباس لتمثيل الشعب الفلسطيني أمام دول العالم، والبحث عن قيادة حقيقية تقدر تضحياتهم وتجمع شتاتهم المبعثر خارج وداخل أرض فلسطين، فشعبٌ لا زال صامداً فوق أرضه رغم كافة التضحيات والمؤامرات التي أحيكت لدفعه للتخلي عن حقه في الحرية هو شعب يستحق بلا شك قائداً أفضل من محمود عباس .

بقلم: ماجد نمر الزبدة

[email protected]