شكلت حركة الجهاد الاسلامي قبل ثلاثين عاماً إضافة نضالية بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، رغم أن الحركة طرحت شعارات فكرية مهمة لم يُكتب لها الاستمرار، جراء غياب التراكم الفكري، وفقدان برنامج سياسي واقعي، والانخراط في العمل العسكري خلال الانتفاضتين، حتى ما أطلق عليه مؤخرا "مبادرة د. شلح" لم تجد احتضان أو أفق، جراء ضعف تأثير الحركة السياسي، واستغلالها سلباً وايجاباً ضمن حالة الاستقطاب الشديد بين حركتي فتح وحماس، فضلا عن عدم قدرتها على تحولها إلى أداة سياسية قادرة على الاستقطاب وتفكيك الأزمة، رغم "المجاملات" الكثيرة التي تلقتها الحركة حول المبادرة.
إعلان حركة حماس برنامج سياسي جديد يتوائم مع وثيقة الوفاق الوطني، وبرنامج منظمة التحرير، ومشروع السلطة الفلسطينية، يضع حركة الجهاد في حرج سياسي كبير أمام تحول حركة حماس السياسي، التي قررت ترك حليفها وحيدا خلف فكرة التحرير من البحر إلى النهر، وشعار الجهاد المطلق، الذي سيتحول إلى خناق شديد حول رقبة حركة الجهاد لأسباب داخلية أولها: أن تكلفة المقاومة في غزة كبيرة وتساوي حرب عدوانية، وربط الاحتلال العمل العسكري في الضفة أو الداخل باستهداف الحركة في غزة والخارج، ولأسباب خارجية تتمثل في تبني الدول العربية والاقليم مقاربة حساسة بين مفهوم الجهاد والارهاب، جراء ممارسات جماعة داعش، وأعتقد ان حركة الجهاد ستجد نفسها في مشكلة أيضا حول اسمها ومدلولاته، مشلكة جربتها في مسمى الجماعة الاسلامية لإطارها الطلابي واضطرارها لتغييره الى "الرابطة الاسلامية".
عاجلاً أو أجلاً ستجد نفسها وحيدة بعد دخول حركة حماس في تجربة السلطة مضطرة للقبول بالشراكة في منظمة التحرير والحكم، وفي خضم مألات مشروع الدولة وما ستفضي له صفقة كبيرة تعد لها الادارة الأمريكية مع مصر والاردن والسعودية لتسوية سياسية ما في الملف الفلسطيني، أو عملية تأجيل للصراع، وعمليا شهدت حماس تحولات هامة واتسعت مسؤولياتها في هذا الاطار تحضيرا للشراكة أمام خيار الاقصاء من المشهد الذي لن تحتمله حركة حماس أو على الأقل لن يقبل به الجزء البراغماتي فيها، وهنا من حق المراقبين السؤال: ما موقع الجهاد الاسلامي القادم على الخارطة الفلسطينية؟.
اخراج جماعة الاخوان المسلمين من الحكم في مصر لم يؤثر على التقارب الكبير بين حركة الجهاد وحماس، وواصلت الحركة التماهي مع مواقف حركة حماس، وتعميق التناقض مع السلطة الفلسطينية في رام الله، رغم احتفاظ حركة الجهاد بعلاقة خاصة مع ايران، خاصة بعد مؤتمر طهران الأخير، الذي صعد فيه أمين عام الجهاد على المنصة الرئيسية فيما بقي ممثل حركة حماس في الصفوف الأولى للحضور، علاقة تتفهمها حركة حماس وتتعايش معها جراء تراجع مشروع الاخوان المسلمين، وما دام الجهاد يتعايش مع حكم حماس في غزة.
ملامح الترتيبات القادمة لم تتضح حاليا، هل ستواصل الادارة الأمريكية تشجيع مشروع دولة غزة أو ستعيد الاعتبار لحل الدولتين المعدل، وفي كلا الحالتين ستكون حركة حماس حاضرة بصورة ما، لكن من الصعب على حركة الجهاد الاسلامي قبول أحد الحلين في غزة (1% من فلسطين) أو (22% من فلسطين)، وفي نفس الوقت لا يمكن القبول بموقف رمادي للحركة التي ستبقى وحيدة وتحت ضغط غير مسبوق، وهنا للحركة ثلاثة خيارات:
أولا: الاندماج في الوضع السياسي والقبول بالانضمام في منظمة التحرير على الأقل لتأمين نفسها وطنيا، وترك الشراكة في الحكم عبر البرلمان أو دعم مرشح رئاسي، والاكتفاء بالمشاركة في البلديات، وتجميد العمل العسكري، وترك الباب مفتوحا لأعضائها للاندماج في الترتيبات الادارية والأمنية الجديدة.
ثانيا: التسليم بالواقع الجديد والاحتفاظ بالخطاب السياسي الحالي والتحول لحركة أقل تأثير بانتظار فشل التسوية الجديدة، على غرار تجربتها مع اتفاق أوسلو وابان انشاء السلطة الفلسطينية في الفترة ما بين 1994 واندلاع الانتفاضة الثانية.
ثالثا: أن تُحدث الحركة تحولا سياسيا داخليا وخارجيا وتبني شعار سياسي أقرب لحل الدولة الواحدة وفق الرؤية الفلسطينية، لتصبح خط رجعة وطنية للواقعية السياسية، مع تبني فاعل لقضايا الصراع الأساسية التي لن تشهد انفراجه، مثل ملفي حق العودة والقدس، والاحتفاظ بالرواية التاريخية، مع المراهنة على فشل التسوية جراء الرفض الاسرائيلي أو عدم قدرة الفلسطينيين على تقديم تنازلات مؤلمة، على اعتبار أن الحل الشامل للصراع لن يكون على المدى المتوسط على الأقل.
أمام كل الخيارات السابقة وغيرها، على حركة الجهاد اجراء مراجعات سياسية، واختيار موضع قدم سياسي على الخارطة القادمة، وهذا يجب أن يسبقه تحولات داخل الحركة لترتيب بنيتها التنظيمية بما يليق بحجم الحركة وتاريخها الكفاحي، ومقتضيات الترتيبات الجديدة التي استعدت لها حركة حماس.
بقلم: عامر أبو شباب