لا أحد يعرف ماذا يريد الرئيس دونالد ترامب أو ما هي تصوراته لدفع عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، هذا إن كانت لديه استراتيجية أساساً أبعد من "الرغبة" في تحقيق السلام. فحتى مساعدوه لا يعرفون بماذا يفكر، فيما يترقب الإسرائيليون لقاءه الرئيس محمود عباس اليوم في البيت الأبيض بقلق، وفي بالهم أن نتائج اللقاء ستحدد أجندة الرئيس الأميركي خلال زيارته إسرائيل نهاية الشهر، ومعها مسار عملية السلام برمتها.
والقلق أيضاً يصيب الفلسطينيين، فاللقاء الذي احتفت به السلطة كإنجاز بحد ذاته، قد يتحول سريعاً إلى كابوس طويل، خصوصاً أن الموضوعات التي من المتوقع إدراجها على طاولة البحث هي من النوع الخطير، مثل استئناف المفاوضات في غياب وقف كامل للاستيطان، ثم الدفع نحو عقد مؤتمر إقليمي للسلام، بما هو فتح الباب واسعاً أمام التطبيع، ثم بحث النقاط العشر التي حددها موفد ترامب لعملية السلام جيسون غرينبلات كخطوات لبناء الثقة.
صحيح أن الإعلام الإسرائيلي يروّج أن ترامب ينوي أن يطرح مبادرة سياسية تعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل في مقابل دعم دولة فلسطينية، أو أنه يعتزم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، إلا أنه في ظل الصمت الإسرائيلي الرسمي، فإن هذه التكهنات تبقى أمنيات. فالقدس ورقة ضغط في يد ترامب. وربما هذا ما عناه عندما سئل عن موقفه من نقل السفارة، فأجاب: "اسألوني هذا السؤال الشهر المقبل"، أي موعد زيارته للدولة العبرية. فحتى هذا الرئيس المشاكس والمبتدئ في عالم السياسة، أدرك، إثر لقاءات مع عدد من قادة المنطقة، أن الشرق الأوسط قضية معقّدة ومتشابكة وفي مركزها فلسطين، وأن منح القدس لإسرائيل لن يساعده في خططه لتشكيل حلف في إطار الحرب على الإرهاب و "داعش"؟
يدرك ترامب أيضاً أن قراراً من هذا المستوى تجاه القدس لا يؤخذ بعزف أميركي منفرد ومن دون تنسيق مع الحلفاء، خصوصاً أوروبا التي تعارض ذلك تماماً. وحتى إسرائيل الرسمية لم تعد تراهن على إعلان من هذا القبيل.
ثم أن عباس نفسه سيعارض بشدة خطوة في شأن القدس مهما كانت الضغوط والمغريات، أولاً لأنها قضية عربية وإسلامية مثلما هي فلسطينية، وثانياً لأنه لا يستطيع الخروج عن الخط الذي رسمه سلفه الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما رفض ضغوط الرئيس بيل كلينتون في مفاوضات كمب ديفيد وتمسك بالقدس ودفع الثمن لاحقاً.
من غير المرجح أن يكون ترامب حسم أمره من قضية القدس أو أي من قضايا التسوية قبل لقائه عباس. وحتى لو كان اتخذ قراره، فما من شيء سيمنعه من تغيير رأيه وهو المتقلّب الذي يغيّر مواقفه بلمح البصر.
وعلى رغم قوة اللوبي الصهيوني، إلا أن عباس يذهب إلى واشنطن مسلحاً بلفتات "حسن نية" تجاه الرئيس الجديد. فقضية مقتل الناشط باسل الأعرج واعتقال رفاقه دليل لا لَبْس فيه على التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، وهناك أيضاً الحسوم على رواتب والحملة على حركة "حماس" في قطاع غزة لإجبارها على تسليم القطاع إلى السلطة. ويأتي إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام ليضع قضيتهم في صلب اللقاء.
أما ملف الاستيطان، فيفرض نفسه بعد أن أعلنت إسرائيل خططاً لبناء ١٠ آلاف وحدة في حي استيطاني وسط الكثافة السكانية في الضفة، وقرب معبر قلنديا، حيث يطمح الفلسطينيون إلى بناء مطارهم الخاص مكان المطار القديم.
الأكيد أن الاتصالات في شأن عملية السلام قطعت شوطاً كبيراً جعل زيارة ترامب للمنطقة أمراً واقعاً. لكن، بماذا يفكر الرئيس، والأهم كيف سيُجبر إسرائيل على التجاوب؟
فاتنة الدجاني
