زيارة الرئيس لواشنطن .. وهي ليست وسيطاً

بقلم: فايز رشيد


زيارة الرئيس لواشنطن .. وهي ليست وسيطاً

May 04, 2017

مع نشر هذه المقالة، يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد التقى الرئيس الأمريكي الغرائبي ترامب. كثيرون يتوقعون أن الأخير سيعمل على إنصاف الفلسطينيين بحقوقهم الوطنية، وسيجد حلّا عادلاً للصراع الفلسطيني العربي مع العدو الصهيوني.
وإن كنا نتمنى أن تنصفنا أمريكا! لكن، ومثلما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في رائعته: نهج البردة: "وما نيلُ المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا". ذلك، أن المراهنة على موقف عادل ونزيه من قبل الولايات المتحدة في صراعنا مع الكيان الصهيوني، هو مخالف للأسس التي قامت عليها من الأساس، العلاقة الاستراتيجية الإسرائيلية – الأمريكية منذ إنشاء إسرائيل حتى هذه اللحظة. أيضاً، لا يبدو في الأفق على المدى المنظور، ما يوحي بإمكانية تغيّر ولو بسيط في هذه الاستراتيجية وتداعياتها السياسية. هذا ليس افتئاتاً ولا قراءةً للغيب! وإنما يأتي اعتماداً على قراءة متأنية لتاريخ هذه العلاقة منذ عام 1947 في تأييد الولايات المتحدة لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، القرار رقم 181، وصولاً إلى الحاضر السياسي. كما رصد السياسات الأمريكية أيضاً، من خلال استعراض نماذج مختلفة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وإذا كان من المستحيل إيراد كل حقائق هذه العلاقة في مقالة! فلا أقل من التطرق إلى بعض محطاتها.
بدايةً، يحسنُ القادة الإسرائيليون ابتزاز كل من مرشحي الحزبين، الجمهوري والديمقراطي في كل انتخابات رئاسية وتشريعية أمريكية. يعلنون تأييدهم الأكبر لأحدهما، وبذلك يضمنون المزيد من ولائه للدولة الصهيونية، وإن لم يفزالمعني، فإن هاجس المرشح الثاني الفائز يكون: إثبات ولائه لهذه الدولة. هذا ما حصل بالنسبة لغالبية المرشحين للرئاسة، ورومني وأوباما مثلاً.
أيضاً فعندما يجري تعيين ولو موظف بسيط في الإدارة الأمريكية وعليه اعتراض من إسرائيل، تبدأ الآلة الإعلامية الجهنمية في إطلاق اتهامات مكشوفة قاسية على هذا الموظف، فإن لم يقله الرئيس، يصبح حتى الهدف الأكبر للموظف، كسب الرضا الإسرائيلي، هذا ما حصل بالنسبة للكثيرين ومنهم تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس أوباما والذي اضطر للاستقالة من منصبه عام 2014 بفعل الضغط الذي مارسه اللوبي الصهيوني الأمريكي، برغم ، حرصه في كل تصريح له على التعبير عن (عشقه) لإسرائيل. أيضاً، فإن التهم الإسرائيلية للمسؤولين في الدول الحليفة، ممن يوالونها، لكنهم يعترضون على استيطانها مثلاً، تكون جاهزة ومنها"العداء للسامية"، التي يحاول مطلق سياسي عدم الوقوع في فخّها. الرئيس ترامب انتقى 70% من أركان إدارته موظفين من الصهاينة ذوي الولاء المطلق لإسرائيل. من ناحية أخرى: قلناها، ونعيد قولها: إن المقرر الأساسي للسياسات الإستراتيجية الأمريكية (خاصة بالنسبة لإسرائيل) هو: المجمع الصناعي العسكري المالي، بالتعاون مع الإيباك). أما الرئيس الأمريكي فهو الواجهة لتنفيذ هذه السياسات. نقول ذلك في الوقت الذي تخلى فيه معظم الرؤساء الأمريكيين عن وعودهم بتأييد إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة: بوش الابن، كارتر، أوباما وغيرهم، وتبنوا فيما بعد الاشتراطات الإسرائيلية للتسوية، كما وجهة النظر التي يطرحها القادة الإسرائيليون. الرئيس ترامب قضى نهائياً على حل الدولتين! ووعد بكلام، لا يفهم منه شيء ، بأنه سيعمل على إيجاد حل عادل بين اسرائيل والفلسطينيين، أما شكل الحلّ فلا يعرفه سوى سيادته.
خذوا مثلاً، فإن الرئيس السابق أوباما تخلّى عمّا قطعه على نفسه من وعود، في خطابيه العرمرمين في كل من أنقرة والقاهرة، عن عزم إدارته التعامل بأسس جديدة مع العالمين العربي والإسلامي، وتحقيق الهدف الفلسطيني بإقامة الدولة القابلة للحياة، والتي تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل . أوباما عاد إلى السياسة الصقورية ، فقد تخلى عن كل اشتراطاته بالنسبة لإعادة التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وأخذ يردد في سنتي رئاسته الأخيرتين، المفهوم الصهيوني للتسوية: باعتبار الاستيطان لا يشكل عقبة أمام العودة إلى المفاوضات.
السؤال هو، هل من المتوقع أن يمارس ترامب، عكس سياسة أوباما تجاه الفلسطينيين؟ لا نعتقد ذلك، فـ "المكتوب يُقرأ من عنوانه ـ كما يقول المثل"! والرئيس ترامب في حملته الانتخابية، وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. لكنه بعد فوزه ، يريد فترة من الوقت لدراسة المسألة، ثم إنه يعتبر أن الاستيطان لا يساعد على السلام، لكنه لم يدنه!، والحكومات الإسرائيلية توافق أسبوعياً في اجتماعاتها على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس وفي أنحاء الضفة الغربية المحتلة كافة.
معروف أيضاً، أن هناك رسالة ضمانات أمريكية لإسرائيل (قُدّمت إليها في عام 2004) والتي تؤكد في إحدى نقاطها: على التزام الولايات المتحدة وتعهدها بعدم إجبار إسرائيل على اتخاذ ما لا تريد فعله من خطوات. ثانياً: التزام الولايات المتحدة الكامل بالأمن والوجود الإسرائيلي وفق ما تقرره إسرائيل. صحيح أن هناك أحياناً تعارضات بين الحليفتين الاستراتيجيتين الطرفين، لكن لا يمكنها الوصول إلى حدود التناقض.
أيضاً، تأتي زيارة الرئيس لواشنطن ، وقد مضى 17 يوماً على إضراب أسرانا البواسل في السجون الصهيونية، الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية ضد الجلادين الصهاينة. أسرانا يعوّلون كثيراً ـ بعد اعتمادهم على عزيمتهم وهمّتهم وصبرهم- على الدعم والمساندة المحلّية والعربية والدولية لقضيّتهم، والضغط على الاحتلال للاستجابة لمطالبهم التي يتم الحصول عليها فقط بواسطة الإضراب، إلا أن ردود الفعل العربية للأسف كما الدولية خيّبت آمالهم . فرغم مرور أكثر من أسبوعين على إضراب أسرى شعبنا، أسرى الضمير الإنساني، فإن حجم التضامن العربي والدولي بدا ضعيفاً، مقارنة بخطورة المعركة التي يقودونها داخل السجون.
من ناحيتها ، فإن فلسطين (كما كلّ الفلسطينيين في كل مواقعهم في الوطن والشتات)، تشتعل من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بحملات التضامن مع الأسرى المضربين، وبدا بشكل لافت أن هذه القضية ليست على سلّم أولويات الدول العربية والأوروبية و الولايات المتحدة، التي زارها الرئيس، حتى باتت لا تمثّل إلا خبراً صغيراً يُعلن عنه في نشرات الأخبار لا أكثر.
إبان احتجاز الجندي شاليط، الذي جاء في جيش كبير لغزو القطاع في حرب عدوانية، حرص مشعلوها على تهديم كل منشآت البنية التحتية وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، جعلت الولايات المتحدة من احتجاز الجندي الصهيوني، قضيةً دولية! لكن قضية أسرى مضربين عن الطعام، وهم مناضلو حريّة كافحوا ويكفاحون من أجل تحرير وطنهم، كي يعيش شعبهم في وطن حرّ مثل باقي شعوب العالم، هذه القضية لا تهم الإدارة الأمريكية لا من قريب أو بعيد! حتى لو قضى كثيرون منهم جوعاً ومرضاً، لأن الكيان في العرف الأمريكي، دوماً على حقّ.
وبعد، أيتصور سياسي أو صحافي أو مطلق كاتب، أن تتخلى الولايات المتحدة عن انحيازها السافر والتام إلى الكيان الصهيوني، وعن تبني مواقفه بالكامل فيما يتعلق بوجهة نظره من التسو.

د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني