ماذا يعني فتح معبر رفح ثلاثة أيام للعالقين؟ ببساطة يعني أن الطريق مفتوحة وبإمكان الناس أن يسافروا عليها من القاهرة حتى رفح هكذا الأمر، ويعني ذلك أن بإمكان الناس أن يغادروا بالمقابل وعلى نفس الطريق من رفح للقاهرة، إذاً، هناك قرار بعدم السماح للناس بالخروج من غزة.
لماذا وكيف؟ لقد بحت أقلامنا ونحن نكتب ونناجي ونصرخ من هذا الألم المستمر منذ عشرة أعوام ولا ذنب لسكان غزة فيه سوى أنهم شاهدوا فيلماً متشحاً بالسواد على أرض غزة عندما قاتل الفلسطينيون أنفسهم صراعا على السلطة وقامت حركة حماس بطردها لتتم معاقبة أناس لا حول لهم ولا قوة، كيف؟
الإقليم كله مضطرب ومصر أقله اضطراباً كادت تسقط لكن أبناءها كانوا أكثر حرصاً من أي بلد عربي لكن بقيت سيناء تنزف وهي التي يمر منها الطريق الذي يفصل بين غزة والقاهرة، الدول المضطربة في الإقليم لم تغلق معابرها رغم ضراوة الأحداث والمعارك هناك بقيت مفتوحة كحبل نجاة لمن يريد الهرب من جحيم واقع صنعه العرب بأنفسهم تماماً كما صنعنا نحن الفلسطينيين بأنفسنا في قبل عشرة أعوام أو كما صنع بنا نهم السلطة وجوعها.
كتبنا كثيراً عن مأساة شعب وضع في سجن لسنوات طويلة وترك ليواجه مصيره الأسود هنا بين أسلاك وبحر تحده من جميع الجهات، بين الموت غرقاً أو قتلاً أو حرقاً أو جوعاً، إنها أكبر مأساة إنسانية كان بالإمكان التخفيف منها لكن الجميع بقي متفرجاً دون رحمة ودون إحساس بأن هنا بشرا من حقهم العيش كباقي الشعوب فهل يجوز سجن شعب بأكمله؟
السلطة طردت من غزة بقوة السلاح ووقفت على الحياد تتفرج على مأساة غزة التي تأبطتها حركة حماس التي وعدتنا طويلاً برفع الحصار وبإنهاء هذا الواقع الذي أحدثته والآن اتضح أن هذا لم يكن أكثر من كلام، طالبنا مراراً الحركة التي تسببت بإغلاق المعبر لسيطرتها في ذلك اليوم لكنها أغلقت عيونها وآذانها وكأن الأمر لا يعنيها وهنا كان لابد وأن نجد بعض التخفيف من مصر التي رهنت فتح المعبر بمصالحة بين حركتي فتح وحماس وهي تعرف أن تلك لن تتم.
في بدايات الانقلاب وفي عصر الرئيس حسني مبارك كانت هناك رأفة بالغزيين تسمح بمرور الحالات الإنسانية من طلاب ومرضى وإقامات كان ذلك مقبولاً ومعقولاً فمصر لا تريد أن تعطي المعبر لحركة حماس بغياب السلطة الشرعية لكنها لم تقبل أن يموت المجتمع فأوجدت ممراً إنسانياً آمناً وسط حالة العبث القائمة واستمر ذلك في مرحلة لاحقة.
في بداية تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي ظل الممر الإنساني الآمن للناس دون مساس الى أن حدثت عملية إرهابية كبيرة بحق الجيش في سيناء وهنا بدأت أزمة من نوع جديد ليشتد التضييق على الحركة.
قبل أكثر من ستة أشهر بدا وكأن مصر لديها رغبة بالتخفيف عن معاناة الناس واستقبلت وفودا من غزة وأعطت وعودات كثيرة وكبيرة جداً وخصوصاً فيما يتعلق بالمعبر وأهمها التعهد بعدم إغلاقه لأشهر وتقارب فترات فتحه وتمكين الناس من الحركة، كان هذا كلاماً واضحاً لا يحتمل المناورة ولا يرتبط بالعلاقات السياسية ولا بصراعات الفلسطينيين التي لا تنتهي ضد أنفسهم وقد طرأ تحسن معقول مع نهاية العام الماضي وبداية هذا العام لكن كل شيء انتكس من جديد.
منذ شباط الماضي والمعبر مغلق دون مبررات مقنعة ولا يمكن لإعادة تجديده أن تغلقه كل هذه الفترة فكل الدول تجدد معابرها وبالتأكيد معابر خمسينيات القرن الماضي لم تعد قائمة وجرى تحديثها وتغييرها ولم يحدث أن كان ذلك سببا لإغلاقه، الأمر سياسي مع تفهم الضرورات الأمنية المصرية ولكن الحركة على الطرق لم تتوقف بالنسبة للمصريين وهي نفس الطرق التي يسافر عليها الفلسطينيون دون أن يستدعي مزيداً من الجيش فهو يقوم بمهامه الأمنية تجاه أبنائه ولن يزيد الفلسطينيون أعباءه.
إذا كانت مصر تنتظر المصالحة لفتح المعبر فعليها أن تقرأ تاريخ العبث الطويل في كل العواصم التي سافر إليها الحوار عائداً بكل خيباتنا التي أصبحت جزءا من تاريخنا الحديث وتعرف أن تلك لن تتم وإذا كانت تشترط عودة السلطة لغزة لتمكين الناس من السفر ستنتظر طويلاً، فحركة حماس ليست مستعدة للتراجع عن سيطرتها عن غزة والسلطة ليست مستعدة للقبول بحلول وسط، وبين هذا وذاك قصة طويلة من الحزن وكابوس لم يتوقعه أشد المتشائمين.
ان أسوأ ما في هذا الانغلاق أن الإغلاق دائما كما قالت تجربة التاريخ ينتج شعوباً متخلفة عندما تنفصل عن الشعوب الأخرى وعن الحياة، التخلف ينتج شعوبا أكثر تطرفاً وتشدداً وليس من المصادفة ازدياد قوى التشدد بغزة لمن يريد أن يقرأ المجتمع بهدوء.
على مصر ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أن يقرآ الانزياح الحاصل في غزة وبأي اتجاه، الأمر يحتاج الى قراءة أعمق كثيراً من ردود الفعل السياسية فتجارب الشعوب كثيرة والتاريخ يمتلئ بدروس من حوصر منها والثمن المكلف نتاج ذلك، والعلاج الأكثر كلفة غزة وسكانها ليسوا أكثر من ضحايا بحاجة الى ممر إنساني أو مهرب أو سلم نجاة على مصر توفره دون ربطه بعلاقاتها بالمتحاربين الفلسطينيين أو دون انتظار مصالحة أصبحت كالغول والعنقاء..!!
أكرم عطا الله
2017-05-07
[email protected]