"صفقة القرن" والباب الفلسطيني المفتوح

بقلم: أحمد فؤاد أنور

خلال الأيام القليلة الماضية أعلنت "حماس" وثيقتها السياسية الجديدة، وحصل إضراب الأسرى على زخم واهتمام داخلي وخارجي مارَسَ بعض الضغط على المجتمع الإسرائيلي. وعُقد أول لقاء بين دونالد ترامب ومحمود عباس (أبو مازن)، ومن قبله مباشرة صدر قرار لـ "يونسكو" يجدد اعتبار القدس الشرقية مدينة محتلة. وفي موازاة ذلك صدر كتاب مروان كنفاني "جدلية النجاح والفشل"، الذي عبر فيه عن غضبه من أجنحة فتح الثلاثة أبو عباس– دحلان- البرغوثي ومن نهج "حماس" الذي يتماهى مع نهج منظمة التحرير، ودعوته لـ "إنهاء عصر الزعيم الأوحد ليحل محله الرئيس الحاكم لفترة محددة ووفق برامج وتحالفات".

كل ما سبق يدفع "باباً مفتوحاً"، أي أنه لا يحقق إنجازاً ولا يسجل تحولاً طال انتظاره في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو تقرير مصيره، لكنه يؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال حية تتنفس في ظل انكفاء الدول العربية نحو مشكلاتها الداخلية المتراكمة، وإدارة أميركية تحدثت عن حل الدولتين باعتباره واحداً من حلول عدة. لكن لماذا يقدم المجتمع الإسرائيلي ما يصفه بـ "تنازلات"؟ فالرأي العام قبل صناع القرار توجهوا إلى عرفات وأبرموا معه اتفاقات لكونه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منذ الستينات، ولكونه رمزاً التفت حوله غالبية ساحقة سارت خلفه في النضال والمقاومة وفي المعارك التفاوضية أيضاً. إن التشخيص الصحيح هو بداية العلاج، والكل يرى أن وجود حكومتين قبل وجود الدولة ومقوماتها هو مأساة كبرى ويزيد الحنق من استمرارها، كونها بلا سبب حقيقي، كما أن المعسكرات الفلسطينية المتناحرة بات ترتيب لقاء بين بعضها البعض أكثر صعوبة من ترتيب لقاء فلسطيني- إسرائيلي والتزام نتائجه.

نرى أن الباب لا يزال مفتوحاً الآن بفضل تضحيات جيل سابق، لكن لا يوجد تقدم أو إنجاز ملموس، فالمستوطنات تتزايد وتيرتها، ومستقبل منظمة التحرير في خطر حقيقي والتوافق على اسم خليفة أبو مازن بات حلماً بعيد المنال. فهل في ظل هذه الأجواء يتم التجهيز العلني والسري لـ "صفقة القرن" التي يخطط لها ترامب؟ فوفقاً للمعطيات الحالية وموازين القوى لن يكون مستغرباً أن تكون فحوى الصفقة قتل المريض! ما يعني إصدار شهادة وفاة لعملية السلام وفقاً لأسسها التقليدية القائمة على القرار 242 وتبادل الأراضي أي سقوط مبدأ الأرض مقابل السلام، وما سيواكب ذلك بالضرورة من مواجهات قد تنزلق إليها أطراف إقليمية. وفي كل الأحوال، ستتكبد الأطراف المختلفة خسائر فادحة ولن يغير في الأمر شيئاً مَن سيطلق الطلقة الأولى.

إن العلاج يبدأ من الداخل، لأن الحل المنشود من الخارج في ظل الوهن والانقسام سيكون مجرد فخ سيتضرر منه الجميع. لقد اشترط ترامب موافقة الفلسطينيين على أي تحرك دراماتيكي في القدس أو خارجها، وتحدث عن قدرته على حل الصراع العربي- الإسرائيلي في ستة أشهر ما يعد مؤشراً لتهيئة الأجواء للتراجع عن هذا الحل إذا تعقَّدت الأمور بسببه، وتراكمت الخسائر، لكن التربة الفلسطينية في الواقع غير مهيأة لتفاوض مريح.

في المقابل، تجب ممارسة مزيد من الضغط على نتانياهو ومتابعة ملفات فساده عن كثب، ومد جسور تفاهم بين مفاوضين فلسطينيين وبين معارضي نتانياهو من أنصار إيهود باراك رئيس الوزراء السابق صاحب الخبرة المكثفة في الجوانب العسكرية والسياسية والمحتمل عودته إلى الساحة قريباً كمرشح لرئاسة الوزراء أو بصيغة تحالف انتخابي بين اليسار ويمين الوسط. وبالفعل بدأ في إطلاق تصريحات معارضة لمواقف نتانياهو ولمعسكر اليمين ويمكنه التحالف مع وزير الدفاع المستبعد أخيراً من ائتلاف نتانياهو موشيه يعلون، ومع "كاديما"، ومع حزب "المعسكر الصهيوني"، و "يش عاتيد"، و "كولانو"، لخلق ائتلاف واسع في مواجهة اليمين المتطرف، أو تشكيل ائتلاف يساري بالتنسيق مع القائمة العربية، ربما يستفيد من حقيقة تراجع ترامب عن تنفيذ قانون نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

الخلاصة هي أن المراجعة الذاتية السريعة مطلوبة لأن الوقت يداهمنا والتحديات خطيرة والأبواب المفتوحة لن تظل كذلك إلى الأبد. ليس لدينا ترف أن تستغرق "حماس" كل تلك السنوات لتصل إلى النتائج التي سبق أن توصلت لها منظمة التحرير واتهم بسببها مهندسو أوسلو بالخيانة. لا بد من الإقرار بأنه لا مبرر لاستمرار الانقسام سوى التشبث بمصالح ومكاسب شخصية. إنهاء الانقسام هو الحل مع مراقبة نقاط القوة والضعف في الجانب الإسرائيلي والحديث مع الإدارة الأميركية والأطراف الدولية المؤثرة، وحتى الدول المناصرة تاريخياً للقضية الفلسطينية بلغة المصالح وبصوت واحد، لا بصوتين.

 أحمد فؤاد أنور  

* كاتب مصري