لقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أول زيارة له خارج الولايات المتحدة ستكون إلى المملكة العربية السعودية، التي تحتضن أقدس بقعتين لدى المسلمين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك يومي 21 / 22 / أيار الجاري، وأنه سوف يجتمع بالإضافة إلى خادم الحرمين الشريفين مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية، من أجل إقامة شراكة حقيقية بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية، بهدف محاربة الإرهاب والتطرف وخلق أمل لدى الشباب المسلم، وإحلال الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني ما تعاني من الإرهاب وعدم الإستقرار، لم يأتي هذا الإعلان من قبل الرئيس الأمريكي صدفة أو فجأة، فقد توالت قبله لقاءات الوفود بين الرياض وواشنطن منذ تسلم الرئيس ترامب الحكم في يناير الماضي، وبحثت الملفات الشائكة، والعلاقات العضوية التي تربط المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة، وكذلك مختلف القضايا ذات الإهتمام المشترك بين الطرفين، بالتأكيد كان يتصدرها مكافحة الإرهاب وهزيمته في المنطقة، وسبل تنمية العلاقات الثنائية، مع دول منطقة الشرق الأوسط والدول الإسلامية، كما بحثت هذه المواضيع بين الوفود المشتركة وقادة المنطقة الذين زاروا واشنطن والتقوا الرئيس ترامب خلال هذه الفترة.
بناء عليه فقد وجه خادم الحرمين الشريفين الدعوة إلى عدد كبير من رؤساء وقادة الدول العربية والإسلامية لحضور هذه القمة المزمع عقدها في الرياض يومي 21 / 22 / أيار الجاري، التي سوف يكون لها بالغ الأثر على العلاقات التي تربطها والولايات المتحدة، ومن بين القادة الذين تلقوا الدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، الذي كان قد أستقبل في بداية شهر أيار من قبل الرئيس دونالد ترامب في زيارة دولة رسمية، وقد فوجئ قادة الكيان الصهيوني بحجم الحفاوة والترحيب الذي لقيه الرئيس الفلسطيني والوفد المرافق له من قبل الرئيس ترامب وإدارته.
إن هذه القمة الأمريكية العربية الإسلامية سوف تمثل للطرفين فرصة مهمة للحوار، وتحديد أسس العلاقات العضوية والسطحية التي تهم الطرفين، ووضع التصور المشترك للحفاظ عليها وتنميتها، وكذلك سبل حل الأزمات التي تعاني منها هذه العلاقات، ووضع الأسس والسياسات التي سوف تتخذ لحلها وإنهاءها، وخصوصاً فيما يتعلق بمواجهة ظاهرة الإرهاب والحد من إنعكاساتها على الجميع، ووضع السياسات التي من شأنها تجفيف منابع الإرهاب على المستوى المادي والمعنوي، ولن يقتصر ذلك على المسائل الأمنية والعسكرية وإنما سوف يمتد إلى المستويات الفكرية والعقدية، والتربوية والسياسية والإقتصادية، والتقريب بين المفاهيم الدينية التي من شأنها أن تجنب العقائد الدينية تهمة تغذية الإرهاب، وبات الرئيس ترامب يدرك أن هناك مشكلة أساسية ورئيسية في الشرق الأوسط وتمثل أقدم القضايا والأزمات والتي عانت منها المنطقة على مدى سبعة عقود دون أن تجد لها حل، ألا وهي القضية الفلسطينية وأزمة الصراع العربي الإسرائيلي، التي باتت شماعة تتغذى عليها بعض الجماعات الإرهابية، ورغم ما اضطلعت به الإدارات الأمريكية السابقة المختلفة من دور منذ أزيد من ربع قرن في رعاية عملية سياسية تفاوضية للوصول إلى تسوية لهذه القضية ولهذا النزاع إلا أن ما تحقق مازال متواضعاً، ولا يلبي تطلعات الفلسطينيين والعرب في إنهاء هذا الصراع، رغم أن العرب مجتمعين قد أقروا ومنذ خمسة عشر عاماً مبادرة السلام العربية، إلا أن التعنت والرفض الإسرائيلي، وعدم الحيادية والجدية للإدارات الأمريكية المتعاقبة والسابقة، أدت إلى إستمرار حالة الجمود وبقاء الشعب الفلسطيني يعاني ما يعانيه من قضم وتغييب لحقوقه، وإستمرار الكيان الصهيوني في سياسة التوسع والإستيطان في الأراضي الفلسطينية، وتعريض الفلسطينيين إلى إجراءات عنصرية شتى، تجعل الوضع القائم أشبه ببرميل بارود قابل للإنفجار في أية لحظة.
لذا فإن جدية التوجه لحل القضية الفلسطينية، سوف يمثل المقياس الحقيقي لجدية ما سوف تتمخض عنه هذه القمة المشتركة الأمريكية العربية الإسلامية، كما أنها هي المعيار الحقيقي للتغيير النوعي والكمي لسياسات الولايات المتحدة في التعاطي مع قضايا المنطقة الأساسية وأزماتها، بعقلانية وجدية وأكثر حيادية وإلتزام بقواعد الشرعية الدولية وقراراتها، التي تؤكد وتحمي الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة، مما يؤكد على ضرورة إنهاء الكيان الصهيوني لإحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية.
لاشك أن الولايات المتحدة تعرف مدى أهمية العالم العربي والإسلامي في علاقاتها الدولية، وما يمنحها من مكانة متميزة على المستوى العالمي في عصر ولى فيه عصر الأيديولوجيا الذي صبغ العلاقات الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وباتت المصالح المشتركة وحمايتها هي الأساس الذي تبنى على أساسه العلاقات الدولية اليوم، وهي الضامن لإستقرار هذه العلاقات ونموها، إن نظام المصلحة الأمريكي الذي يعتمده الرئيس ترامب والولايات المتحدة، كمعيار لعلاقاتها مع الدول، لابد أن يقابله معيار نظام المصالح للدول العربية والإسلامية فرادى ومجتمعة، وهنا تأتي القضية الفلسطينية في صلب نظام المصلحة العربي والإسلامي، لما لها من أهمية وأبعاد قومية وإسلامية وإنسانية، إن مكانة فلسطين، ودعم الجهود الحقيقية الرامية لإيجاد حل عادل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي، لابد أن يكون على رأس القضايا محل البحث والإتفاق، وجوهر العلاقات العضوية التي ستقوم بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية، إذ بدون ذلك تبقى هذه العلاقات عرضة للإهتزاز والإختراق، وإننا ننتظر من قمة الرياض أن تحظى القضية الفلسطينية بالمكانة والأهمية التي تقتضيها، وهذا بالتأكيد ليس بغائب عن القيادة السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وبقية القادة العرب والمسلمين.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس