واضح بان ما يحدث في منطقة الخليج العربي من تطورات متسارعة على خلفية الصراع بين قطر وما يسمى بالتحالف الرباعي العربي(السعودية،الإمارات،البحرين ومصر)،هو صراع على النفوذ والمصالح،صراع على القيادة الخليجية والعربية،وإن غلف وحمل عناوين مكافحة الإرهاب والموقف من ايران وجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس،وهذا الصراع يمكن توصيفه بانه صراع قبلي بين جماعات قبلية تتنافس على الزعامة،ولكن في العمق يحمل مشاريع سياسية ذات أبعاد ودلالات خطيرة جداً،فمن بعد عقد القمم الثلاثة في الرياض في العشرين من الشهر الماضي،وحشد اكبر اصطفاف عربي- إسلامي خلف "إمامة " ترامب،كان واضحاً بان المقاومة العربية والفلسطينية مستهدفة،حيث اكد ترامب في خطابه امام القمة العربية - الإسلامية على ان حركات المقاومة حماس وحزب الله،هي حركات إرهابية،يجب العمل على محاربتها،وكان واضحاً بان هناك موافقة عربية – إسلامية ضمنية على ذلك،فلم يغادر ترامب الى واشنطن،حتى ظهرت فجأة قضية وازمة قطر مع المحور والتحالف العربي السعودي- الإماراتي- المصري - البحراني،بان قطر من اكثر الدول دعماً وتغذية للإرهاب،وان احد إشتراطات وقف الحصار ورفع العقوبات عن قطر وعدم تصعيدها نحو إسقاط وتغيير النظام فيها،طرد قيادات حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين،على اعتبار ان حركة حماس منظمة "إرهابية،ولم يكن هذا فقط مطلب سعودي- إماراتي،بل مطلب امريكي- إسرائيلي بصمت وتواطؤ عربي - إسلامي مريبين... والأمور لم تقف عند هذا الحد،بل تصاعدت حدة الهجمة الإسرائيلية على المقاومة والنضال الفلسطيني،من اجل تجريمه وإلصاق تهمة الإرهاب به،بما يطلق يدها في تصفية القضية والمشروع الوطني الفلسطيني،تحضيراً لمشاريع سياسية خطيرة يجري طبخها امريكياً وبموافقة عربية وإسلامية،تمس بشكل مباشر طليعة النضال الوطني الفلسطيني الشهداء والأسرى،حيث اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع صادقت أمس الأحد على خصم ما مقداره مليار ومليون شيكل من مستحقات الضرائب التي تحول للسلطة الفلسطينية،والتي تشكل قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة لعائلات الأسرى والشهداء،وترافق ذلك مع فبركة إعلامية وتحريض مباشر من قبل رئيس وزراء الإحتلال نتنياهو ضد وكالة الغوث واللاجئين "الإونروا"،مطالباً بتفكيكها،ودمج انشطتها وخدماتها مع انشطة وخدمات المفوضية السامية العليا للاجئين،بإدعاء انه لا يوجد ما يبرر استمرار الوكالة بتقديم خدمات خاصة للاجئين الفلسطينيين،وكذلك إستمرار قيام موظفي تلك الوكالة بالتحريض المستمر ضد دولة الإحتلال،وهجمة نتنياهو على وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"،جاءت بعد جولة مع مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة العنصرية المتطرفة "نيكي هايلي" في احد أنفاق غزة المكتشفة منذ ما سمي وعرف بعملية "الجرف الصامد"،حيث جالا في النفق،ومن بعد ذلك اعلن أنه يجب تفكيك وكالة الغوث "الأونروا" لكون حماس حفرت نفقاً يمر بين مدرستين تابعتين للوكالة،وهي تستخدم السكان المدنيين كدروع بشرية.
من الواضح بأن إستهداف طليعة النضال الوطني الفلسطيني الشهداء والأسرى،كان احد البنود الرئيسية في لقاء نتنياهو – ترامب في 15/شباط الماضي،واحد البنود التي ناقشها المستشار الخاص لترامب "جيسون غرينبلات" مع الرئيس عباس أثناء لقاءه في رام الله،حيث كانت واحدة من الشروط التسعة المنقولة من الإدارة الأمريكية الى قيادة السلطة في رام الله من أجل العودة الى المفاوضات.
وكانت بداية الإستجابة لهذا المطلب بوقف رواتب محرري صفقة الوفاء للأحرار،تشرين اول /2010،والأن اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع،تقر خصم مليار ومئة مليون شيكل من الضرائب على البضائع الفلسطينية التي تحولها اسرائيل للسلطة الفلسطينية،وهذا المبلغ يعادل قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات وأسر الشهداء والأسرى.
تجريم النضال الوطني الفلسطيني وإعتباره شكلاً من أشكال الإرهاب،هذا النضال الذي كفلته الشرعية الدولية للشعوب الواقعة تحت الإحتلال من اجل نيل حريتها وإستقلالها،يستهدف تكريس وشرعنة الإحتلال،واعتبار مقاومته إرهاباً،وهذا يتفق مع قالته المتطرفة " نيكي هايلي" المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة،بان زمن تقريع اسرائيل في الأمم المتحدة قد ولى،وانها ستضرب بالحذاء كل من يتطاول على اسرائيل.
إستهداف وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" والمطالبة الإسرائيلية بتفكيك انشطتها وخدماتها يحمل نفس الأهداف والمضامين،التصفية للقضية الفلسطينية،والمرتكز الأساسي للمشروع الوطني الفلسطيني،ألا وهو حق العودة،حق العودة هذا الذي كفلته الشرعية الدولية أيضاً لشعبنا الذي طرد وهجر من أرضه وعنها قسراً من قبل العصابات الصهيونية التي ارتكبت الجرائم والفظائع بحقه،وفق القرار الأممي رقم (194)،إسرائيل لا تريد لقضية اللاجئين أن تبقى شاهداً حياً على جرائمها بحق شعبنا،ولا تريد أن تتحمل وتعترف بالمسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه الجريمة،ولا تريد لشعبنا ان يعود لوطنه وأرضه من المنافي ومخيمات اللجوء التي يعيش فيها في ظروف مأساوية تفتقر الى أدنى مقومات الحياة الإنسانية،تريد لهذا الشعب ان يختفي ويوطن خارج أرضه.
وكالة الغوث واللاجئين " الأونروا" يجب أن لا تفكك وتتوقف انشطتها وخدماتها للاجئي شعبنا الفلسطيني،او ان تدمج ضمن المفوضية السامة العليا للاجئين،فوضع شعبنا اللاجىء يختلف عن باقي لاجئي العالم،الذي غادروا بلدانهم قسراً بسبب الحروب او المشاكل العرقية والمذهبية فيها،فهم يعودون اليها مجرد توقف تلك الحروب والمشاكل،ولكن نحن امام عدو إستيطاني،إقتلاعي،إحلالي،لا يعترف بحقنا بالوجود.
مخططات تصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني تتواصل وتتسارع،والمسرح السياسي الذي يجهز لتصفية قضيتنا،قد يحمل في المستقبل القريب،عدواناً وحرباً شاملة على المقاومة الفلسطينية وشعبنا في قطاع غزة،بغرض تصفية أي إعتراض على هذا المشروع التصفوي،ولربما تجري اتفاقيات تحمل نفس المضامين،تكرس انفصال الضفة الغربية عن القطاع،عبر اقامة دويلة فلسطينية هناك،على ان يجري تقاسم فائض الأرض الفلسطينية الزائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية،بين الأردن والسلطة الفلسطينية ضمن فيدرالية،او ان يقوم إطار اقتصادي اسرائيلي- فلسطيني- أردني ،يكرس ويشرعن الإحتلال،ضمن ما يسمى بمشروع نتنياهو للسلام الإقتصادي.
بقلم/ راسم عبيدات