في احد اجتماعات المجلس الثوري وفي خضم ازمته مع دحلان معتبرا ان حركة فتح مزرعة شخصية له يدخل في خياراتها من يشاء ويطرد من يشاء اعتلى عباس المنصة نافشا ريشه ومصورا للحضور من مركزية واعضاء ثوري بأنه بطل القرار والانطلاقة والبيان الاول هاضما حق المؤسسين مشككا في ياسر عرفات ودوره وبأنه كان شخصية غير مرغوب فيها لكير من اعضاء المركزية ، انها ثقافة الاقصاء التي بنيت عليها هذه المدرسة وهذا النهج والمستمر للان في عقلية كل من يمتلك قرار في حركة فتح .
مر هذا الشريط وانا جالس في احد اركان قاعة فندق الموفمبيك منتظرا وصول رئيس المكتب السياسي لحماس وماذا سيقول في خطابه المرتقب وبرغم ان استقراءاتي لفحوى الخطاب لم تخفق ولم تخطيء عن إحداثيات هذا الخطاب مسبقا دونتها على صفحات التواصل الاجتماعي مستعينا بالمتغير الاقليمي والدولي والذاتي .
كان الحضور يتجاوز الالف من قيادات حماس والقوى الوطنية والعشائر والكتاب والمحللين السياسيين وجنرالات ذات رتب رفيعة تبدو على وجوههم الصرامة والانضباط الشديد، كنت متوقعا ان يدخل اسماعيل هنية الى القاعة بزمة كما عهدناها في قيادتنا في فتح وزغاريد من المراءة التي كان لها زاوية خاصة في القاعة ، واذ بإسماعيل هنية يدخل مثله كمثل أي من دخلوا القاعة وبدون زغاريد وهتافات وشلة من الانس والدبكة وغيره من مهرجانات الاستقبال التي وصفت بها قياداتنا في فتح، كانت لحظات وتأملات ومقارنات تنبئ بمظاهرها وظواهرها وسلوكياتها لحركة استطاعت في بنيتها ان تحافظ على نفسها وعلى كادرها وعلى برنامجها .
جلس رئيس المكتب السياسي على المنصة لا احد بجانبه من ملوك وسلاطين وعلى كرسي متواضع ومكتب لموظف من الدرجة العاشرة ليس عليه باقات الورود وعشرات الميكروفونات وفي تواضع شديد وبدون ربطة عنق اعتدنا ان نراها بالبدلة السوداء او الزرقاء .. وصف لابد منه .
لم يتنكر هنية او يقلل او يلمح من رئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل بل اعطاه قدره وحقه وشراكته في القرار وادارة حركة حماس وكانت تلك لفته رائعة ووفاء واخلاص لخالد مشعل والمؤسسين وعلى رأسهم الشيخ احمد ياسين .
خطاب هنية لم يترك شيئا من ميثاق حماس ووثيقتها بل كان خطابه سمفونية حمساوية بامتياز لماضيها وحاضرها ومستقبلها ومستقبل علاقاتها مع القوى الوطنية وعلى رأسها فتح وباقي الفصائل ولم تتنازل حماس عن شعائرها السياسية وارتباطاتها والتزاماتها الاقليمية ومنظورها للوحدة الوطنية التي قد تكون غزة اول محطة فيها تاركا الباب بنصف فتحه لمحمود عباس ليكمل المثلث المكسور .
طبعا قبل ان نتحدث عن الخطوط السياسية في الخطاب والتي خصصت لها مقال منفردا بعد ساعتين من من نهايته، ما لمسته في الخطاب بان من يقود حماس المكتب السياسي والشورى والقيادة الجماعية وكما لمست ما روج له بعض الكتاب بان هناك خلافا بين قيادة الداخل ممثلة بالقائد الجديد لحماس في غزة وقيادة الخارج ، وما لمسته سابقا من مواقف لأشد المتطرفين مثل الزهار والحية بانهم يباركون التوافق الوطني والتفاهمات في القاهرة كما كان موقف ابو مرزوق ايضا .. وهذا يدحض ما يشاع.
البعض ما زال يرفع عصا الماضي ويشكك مقدما في كل ما جاء في خطاب هنية علما بان مرتكزاته هي تراكمات لمواقف حماس السابقة السياسية بالمنظور الوطني ولازمات غزة والقضية الفلسطينية ، والجديد هي قناعة حماس وكما ذكر هنية بان فصيل بمفرده لا يمكن ان يحل ازمات غزة او السير في مشروع التحرير والبناء والمقاومة وهذا ما رأته حماس في القائد الوطني دحلان بحالته الشعبية والوطنية ومناصريه.
قدم هنية خطابه الشامل وعلم فلسطين على يمينه وعلى يساره وامامه على سطح المكتب المجهز بتواضع شديد وانهى كلمته بالتحية وخرج بالتحية وكما دخل وبدون زغاريد او هتافات او حلقة من الدبيكة على انغام عتابه وميجنة وهز الكتف بحنية ، راكبا سيارته الخاصة ايضا وبدون جوقه واسراب من الموتوسكلات والاحتياطات الامنية الفائقة والمظاهر الذي يشمئز منها رجل الشارع .
مقال يجب ان يفهم في سياقه الصحيح
بقلم/ سميح خلف