في كل مرة تقترب فيها انتخابات بلدية الإحتلال القدس يحدث جدل مقدسي وأبعد من مقدسي،حيث تخرج أصوات تطالب بالمشاركة في تلك الإنتخابات،لأن عدم المشاركة فيها من وجهة نظر الداعين والمروجين للمشاركة فيها،يعني سلبية المقدسيين تجاه حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية التي يفترض ان يقدمها الإحتلال لهم مقابل ما يدفعونه من ضرائب قصرية لتلك البلدية وبالذات ضريبة المسقفات الأرنونا..وهناك من يتسرب الى ذهنه وفكره وهم بان المشاركة في هذه الإنتخابات بكثافة قد يقلب المعادلة ولتصل الأمور حد التطير عند البعض فلربما نجد اسرائيل امام رئيس بلدية عربي لما يسمى بعاصمة دولة الإحتلال القدس،ولربما يمنح هذا الرئيس صلاحيات اتخاذ سلسلة من القرارات توقف مشاريع الإستيطان في المدينة وتعطي العرب المقدسيين الكثير من الحقوق المحرومين منها في إطار مواطنة كاملة...وعلى الرغم من اهمية حصول المقدسيين كمواطنين تحت الإحتلال على الخدمات والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والتي بإستطاعة المقدسيين إيجاد ألف طريقة وطريقة لكي تجبر حكومة الإحتلال وبلديته لتقديمها لهم،دون المس بحقوقهم ووضعهم كمواطنين واقعين تحت الإحتلال وعدم المشاركة في الإنتخابات البلدية،فمسألة المشاركة في الإنتخابات لبلدية القدس مسألة مختلفة تماما عن المشاركة في أي بلدية او مجلس محلي في الداخل الفلسطيني 48 ،حيث الجنسية الإسرائيلية القسرية المفروضة على شعبنا هناك،فالإحتلال يستهدف تشريع ضمه لمدينة القدس واعتبارها عاصمة لدولته ولكل يهود العالم،ولا ينطبق عليها القانون الدولي كمدينة محتلة،ولذلك هو يعمل ليل نهار على تهويدها وأسرلتها وشن القوانين والتشريعات لهذه الغاية،والتي أخرها القانون المطروح من قبل حزبي البيت اليهودي و الليكود لمنع تقسيمها مستقبلا،او التخلي والإنسحاب من الجزء الشرقي منها،وتسليمه للسلطة الفلسطينية او سلطة اخرى غير يهودية ....ولذلك لا يجوز بأي شكل من الأشكال القفز عن الواقع السياسي للمدينة ومقايضة وتبرير المشاركة في إنتخابات البلدية الإسرائيلية على أساس ان من شانها ان تمنح المقدسيين خدمات وحقوق اقتصادية واجتماعية أكبر....فالجانب الخدماتي أو المتعلق بالحقوق المدنية والخدماتية،هناك العديد من المؤسسات أو اللجان التي يمكن لكل قرية أو مؤسسة او على المستوى العام ان يستعين بها العرب المقدسيين لرفع قضايا ومطالبات لبلدية الإحتلال لكي تمنحهم هذه الخدمات دون الغوص في شرعنة عملية الضم والتهويد أو ربطها بالمشاركة في الإنتخابات البلدية ...أو اعطاء الإحتلال صفة الديمقراطية وبأن القدس مدينة لكل مواطنيها بغض النظر عن إنتماءاتهم القومية،ولكي لا يبقى هذا الجدل كل عام قائم يجب علينا ان لا نخلط بين السياسي والقانوني وبين الخدماتي والمدني،وأنا أعرف تماما وبدون لغة التخوين لأحد بأن هناك من يغذي مثل هذا الجدل ويدفع تجاه المشاركة في هذه الإنتخابات،وهذه الأصوات خرجت ونادت بذلك في المؤتمر الذي عقدته جامعة القدس في قاعة الحمراء في القدس في ذكرى خمسين عاما على إحتلال المدينة... ولكم أن تتصورا ان تخوض قائمة عربية الإنتخابات تحت شعار القدس عربية او نحو الإنفصال عن دولة الإحتلال او بلدية الإحتلال،فعدا عن منعها من خوض الإنتخابات سيكون مصير من ينادون بذلك الإعتقال والسجن...ولذلك ليس المسألة مسألة تخوين لمن يطرح وجهة نظر في قضية انتخابات بلدية الإحتلال والمشاركة فيها،بقدر ما هو تحذير من المخاطر المترتبة على مثل هذه المشاركة فيما يتعلق بوضع المدينة كمدينة محتلة وفق القانون الدولي،يفترض ان يزول عنها الإحتلال لا ان يتكرس بموافقتنا ومشاركتنا .
في تجربة النضال من داخل المؤسسة الإسرائيلية الكنيست التي تبنتها العديد من الأحزاب العربية،والتي خاضتها في الإنتخابات الأخيرة الأحزاب المشاركة في الإنتخابات في قائمة موحدة،وحصلت على 14 مقعدا،وجدنا بان النضال من داخل تلك المؤسسة عدا انه اعطى صبغة ديمقراطية لدولة الإحتلال، وحتى أن الإحتلال الذي يشهد مجتمعا وحكومة انزيحا كبيرا نحو اليمينية والتطرف منذ عام 1996،لم يعد حتى معنيا بتكريس مثل هذا المظهر،فهو يتحدث الان عن يهودية الدولة وضرورة الإعتراف الفلسطيني بها لقبوله بالعودة الى طاولة المفاوضات،وينظر للوجود العربي الفلسطيني كقنبلة ديمغرافية وغدة سرطانية يجب العمل على التخلص منها وإجتثاثها بكل الطرق مشروعة وغير مشروعة،ولذلك هذه المشاركة البرلمانية لقوى واحزاب عربية،لم يكن لها تأثير جدي وحقيقي على أية قرارات ل الكنيست البرلمان الإسرائيلي ذات بعد وطابع استراتيجي،يحمي حقوق العرب الفلسطينيين ووجودهم،وخاصة ما يتعلق بالأرض وملكيتها،أو القرارات المتعلقة بالطابع الأمني والعسكري كالحروب العدوانية التي شنت وتشن على شعبنا في قطاع غزة او سياسة الإغتيالات لقادة ميدانيين فلسطينيين في الضفة والقطاع.
ولذلك في ظل الحرب المفتوحة والمستمرة التي يشنها الإحتلال بكل اجهزته ومستوياته ولجانه ومؤسساته على شعبنا في مدينة القدس عبر سلسلة طويلة من الإجراءات والممارسات القمعية والتنكيلية والعقوبات الجماعية وسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية الهادفة لتهويد الأرض وأسرلة السكان،فإن الحديث عن ان المشاركة في الإنتخابات لبلدية الإحتلال القدس سيجعل الفلسطينيين اكثر قدرة على تحصيل حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية من الإحتلال،ويصبحون اكثر قدرة على فرض وجهة نظرهم فيما يتعلق بقرارات المجلس البلدي،يفتقر الى الكثير من الدقة والصحة،فالإحتلال لن يسمح بأي شكل من الأشكال في قضايا ذات طابع سيادي كالإستيطان والمخططات الهيكيلة وضم المزيد من المستوطنات الى ما يسمى بالقدس الكبرى وغيرها،بأي تدخل فلسطيني،وما هو مسموح هنا هو سفلتة شارع هنا او هناك او زيادة عدد حاويات القمامة او غيرها،ولذلك الحقوق السياسية والقانونية لشعبنا الفلسطيني يجب عدم الخلط بينها وبين الحقوق الخدماتية والمدنية،او القفز عنها،والقول بان المشاركة في الإنتخابات البلدية لبلدية القدس ستحقق لشعبنا اللبن والعسل.
بقلم/ راسم عبيدات