الاهتمام واللامبالاة وتداعياتها النفسية والاجتماعية

بقلم: أحمد عليان عيد

خلق الله تعالى الإنسان ليعيش ضمن جماعات، فهو لم يخلقه ليكون وحيدا منعزلا منطويا على نفسه، فنجده بحاجة إلى الاهتمام من قبل الآخرين لأنه عبارة عن حاجة نفسية إنسانية تمنح الإنسان الشعور بالأمان والثقة وتعمق روابطه مع المحيط، في حين أن غياب الاهتمام يقود إلى برودة المشاعر والجمود واللامبالاة، بل إلى أشكال متنوعة من الأمراض النفسية والجنوح.
فعندما نجد شخصا ما يقول إن هذا الأمر لا يعنيني أو لا يهمني أو دعوني وشأني ...الخ، أو نجد أفعاله تدل على ذلك ، فإن هذه إشارة تدل على اللامبالاة، وتعني عدم الاهتمام وترك الأمور كما هي، ويأتي هذا من أمر قد استقر في ذهنه ويحتاج إلى تصحيح من قبل الآخرين، وعدم التدخل هنا من خلال استبدال الأفكار والكلمات التي يعتقدها الشخص يجعل الأمور تسير بالطريق الخطأ.
وهنا أخاطب كل إنسان أنه لابد أن ترى الآخرين من زاوية مختلفة و هي عبارة عن الأفكار والكلمات التي قد تكون غالبا سلبية وتحتاج إلى بدائل إيجابية ولا أتحدث هنا عن رؤيتك للشكل الخارجي للآخرين، وإنما عن تعبيراتك الداخلية والخارجية لهم، فإن كان الآخر في نظرك سيء فسيكون سيء مهما فعل من جميل وإن كان في نظرك مستفز ، فكل ما يفعل الآخر ستظنه مقصود لاستفزازك رغم براءة تصرفاته، حتى اهتمامه قد يتحول لتلصص على أفعالك إن كنت تريد هذا
فالمطلوب منك أن لا تخلط بين ما تريد أنت أن تراه وما يفعله الآخرون ولا تنس أن استمرار العلاقات مبني على حسن الظن، وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم الحجرات12
لذلك إن أخطأ الآخرون في حقك يوما فلتلتمس لهم سبعين عذر ، فإن لم تجد فلعل للآخرين عذرا لا تعرفه انتظر حتى تسألهم أو يظهر لك سبب يوضح ذلك وهنا لابد من وجود عبارات لتنمية التفكير الإيجابي وتحفيز الذات بداخلك مثل سأحادثك لأني اشتقت إليك ، وسأغيب لأني مشغول ، وسأنام لأني متعب ، لذلك ما عليك إلا أن تكون عفويا وكلما توصلت إلى مرحلة تحمل فيها تلك المشاعر الإيجابية ، حينها ستعمل على تحويل تركيزك مما لا تريده إلى ما تريده. وهذا إذا أيقنت بأن ما تركز عليه دوما هو الذي ينمو بداخلك أكثر من أي شيء آخر في حياتك ، فكل إنسان منا يحمل بداخله الكثير ، وكل شخص له ظروف وإن غاب عنك فليس بالمعنى أنه لا يريدك أو لا يهتم بك بل ربما ما زال يذكرك دائما ومهتم بك ويجدك بين حروفه دائما ، لذا كن عفويا.
ختاما لابد النظر من زاوية أخرى لأهمية معرفتها وهي أن للتواصل مع الناس فائدة كبيرة وأهمية عظيمة، فيجب أن يكون التواصل مع الناس أولوية من أولويات كل شخص ولكن عليك أن تعلم أنك ربما لا تمثل لأحدهم سوى عابر ولست من أولوياته فليس كل من نحب سيحبنا بقدر ما أحببناه، فعليك أن تترك بتفكيرك أثر طيب لترتاح ذاتك في التعامل مع الآخرين وحتى لا تصاب بالخيبة واليأس عندما تخالط الناس بنية طيبة، وتبحث دائما عن مبررات لدوافع أعمال البعض منهم حتى لو كانت فيها إساءة إلينا ونحن أحسنا إليه، فلا تعامل بالند و أعط حتى لو لم تأخذ شيء. واسمع لقول الشاعر حين قال
فازرع جميلا ولو في غير موضعه فلن يضيع جميل أينما زرعا
إن الجميل و إن طال الزمان به فلن يجنيه إلا الذي زرعا
فثق دائما أن نقاءك الداخلي سينعكس على كل حياتك بشكل يمنحك طاقة إيجابية وسعادة، فنقاؤك الداخلي فيه يحبك الله ويحبب الناس فيك، ومنه يمنحك الله نورا في قلبك تكون شعلة و قدوة للناس من حيث لا تدري.

بقلم أ. أحمد عليان عيد،   ماجستير صحة نفسية ومجتمعية