جهود كبيرة ومكثفة وخطط يجري دراستها واعدادها على اعلى المستويات الأمنية والسياسية والتربوية لكيفية تطويع وصهر الوعي الفلسطيني عامة والمقدسي خاصة،وهذه الجهود يجري الباسها ظاهريا ثوب خدمة مصلحة الطلبة المقدسيين وتحسين مستقبلهم الأكاديمي والمهني...وللأسف ليس المتورطين في هذه المشاريع هم فقط من دولة الإحتلال ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية القدس والمجلس الإسرائيلي للتعليم العالي بالتنسيق مع الجامعة العبرية بالقدس بشكل اساسي وغيرها من الكليات والجامعات الإسرائيلية،بل هناك مقاولين عرب من الداخل الفلسطيني والقدس من يتولون الترويج لهذه المشاريع وتجميل الصورة للطلبة المقدسيين من مدى الفائدة المتحققة لهم بالإلتحاق في الجامعة العبرية والجامعات والمعاهد الإسرائيلية على صعيد جودة ونوعية التعليم والإستفادة من الخدمات والتسهيلات والمنح والإعفاءات التي ستقدم لهم،ناهيك عن الحصول على شهادة من مؤسسة تعليمية اسرائيلية سيفتح المجال والطريق أمام هذا الخريج للحصول على فرصة عمل أسرع لو كان يحمل شهادة من اي جامعة فلسطينية او عربية...ولكن لا يتم التنبه للخطر المتحقق على المستوى البعيد على صعيد التطبيع وكي الوعي الوطني والجمعي،بما يضرب البعد الوطني والقناعات والهوية والذاكرة..
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال،بأن من يلتحقون من طلبتنا في هذه الجامعات والكليات والمعاهد الإسرائيلية غير وطنيين او جاهزون للتطبيع والإنخراط في المجتمع الإسرائيلي،فهناك الكثير من العوامل التي تدفع بهم نحو الإلتحاق بتلك الجامعات والكليات،يقف في المقدمة منها طبيعة العلاقة المركبة والمتداخلة مع دولة الإحتلال ومؤسساته،حيث الحصول على شهادة من الجامعة العبرية او من أي مؤسسة تعليمية اسرائيلية،قد يسهل على الطالب الخريج الحصول على وظيفة بشكل أسرع في المؤسسات الحكومية والمجتمعية الإسرائيلية ذات الطابع المدني والمجتمعي،ولا يجبر على معادلة الشهادة والتقدم لإمتحانات مزاولة المهنة وقضاء عام او عامين في التدريب كما هو الحال في مهنتي المحاماة والطب،وأيضا الطالب الذي قد لا يجد مجال تخصصه في جامعة فلسطينية او تعقد شروط قبوله نتيجة معدله في الثانوية العامة،يجد فرصته في الجامعات والكليات الإسرائيلية،وهناك من يضيف لذلك جودة ونوعية التعليم والخدمات والتسهيلات المقدمة للطالب في تلك الجامعات والمؤسسات.
كما قلت لكم بأن الإحتلال لديه مراكز أبحاث ودراسات لتطويع وصهر الوعي الفلسطيني،وبالذات المقدسي منه وربط حياته ومستقبله بالمجتمع الإسرائيلي،فظاهريا قد يكون الهدف الإهتمام بشؤون الطلبة العرب،والرغبة في تحسين مستقبلهم المهني والأكاديمي،ولكن الهدف البعيد امني بإمتياز،وقد يحاجج البعض بالقول بأنك تبالغ وتهول وتخرج الأمور عن مساراتها الصحيحة،ولكن كما يقول لينين التحليل الملموس للواقع الملموس،فالإحتلال بعد ان شهدت القدس عمليات تصادم واسعة مع المستوطنين،والقاء حجارة عليهم، إستشعر الخطر المستقبلي بتصاعد اعمال المقاومة،ولذلك التقت خمسة اجهزة اسرائيلية لصوغ خطة لتطوير الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لسكان القدس الشرقية،وبنت تلك الفرضية على أساس تعزيز سيطرتها على القدس الشرقية،وربط سكانها بالسوق والمجتمع الإسرائيلي،ضمن فرضية أن تحسين الظروف الإقتصادية والإجتماعية للسكان،سيمكن من تحييدهم وطنيا وسياسيا.
وعندما نقول الهدف امني بإمتياز،فنحن نلحظ ذلك من طبيعة الأجهزة التي التقت لهذا الغرض،جهاز الأمن الإسرائيلي العام الشاباك،الشرطة،البلدية،مدير مكتب رئيس الوزراء والمستشار القضائي للحكومة،حيث خرجت تلك الخطة للنور في 2962014،قبل أيام معدودة من الهبة الجماهيرية الواسعة التي شهدتها القدس،على أثر خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد ابو خضير حيا في 272014.
الخطة الخماسية المعنونة ب خطة اقتصادية إجتماعية لتطوير القدس الشرقية رصد لها 295 مليون شيكل منها 47 مليون شيكل للتعليم يجري استثمارها في تبني تعليم المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية في القدس،حوسبة المدارس،ورصد مليونان منها لمساعدة الطلبة المقدسيين على التعلم في الجامعات الإسرائيلية.
وهذه الخطة تجري بالشراكة والتعاون مع الجامعات والكليات الإسرائيلية،حيث جرى في ايار 2015،افتتاح كلية في الجامعة العبرية خاصة بالسنة التحضيرية للطلبة المقدسيين،يتعلمون فيها مجانا،ويتلقون فيها تعلم اللغة العبرية والمدنيات الإسرائيلية والمواد المتعلقة بتخصصاتهم،والإستقطاب لا يقتصر على ذلك للطلبة المقدسيين،بل هناك الكثير من برامج الحوافز والمساعدات المالية مثل برامج رواد وصدارة وجامعة،هذه البرامج تعتمد على عقد لقاءات مع طلبة الثانوية العامة الخريجين من المدارس الثانوية بالقدس والذين يتلقون التعليم الفلسطيني،حيث يتم الشرح لهم عن البرامج واليات التسجيل في الجامعة ومن ثم يجري أخذهم بجولات في أقسام المؤسسة الجامعية ،وبعد ذلك عند القبول يتم دفع الأقساط عنهم في السنة التحضيرية،وفي الدراسة الجامعية يتلقون مساعدات مالية،وكذلك إمكانية العمل في مرافق الجامعة لتغطية نفقات ومصاريف تعليمهم،وكذلك جرى العمل في الجامعة العبرية على إستحداث وظيفة مستشار لمساعد الطلبة المقدسيين.
كل هذا لا يعني بأن طلبتنا الدراسين في الجامعات الإسرائيلية جاهزون للأسرلة،بل هم يمتلكون حس وانتماء وطني عاليين،ومتمسكون بهويتهم،ولكن يجري العمل عليهم بشكل ممنهج،إذا لم يكونوا محصنين من اجل صهر و كي و تطويع وعيهم.بالمقابل الجانب الفلسطيني الرسمي،لا توجد لديه خطط واستراتيجيات واضحة،لكيفية استقطاب وتعلم الطلبة المقدسيين في الجامعات المحلية وغيرها،ناهيك عن عدم تقديم حوافز تشجعهم على الإلتحاق بهذه الجامعات.
بقلم/ راسم عبيدات