الأقصى والاحتشاد الثقافي الغربي

بقلم: محمد حسين أبو العلا

كيف يمكن العالم العربي الإسلامي أن يستثمر دراسات تصدر في الغرب مناهضة لإسرائيل والصهيونية؟ وهل يمكن اعتبار صدورها بداية لاستلهام مسارات جديدة في التعامل مع قضية دخيلة اقتحمت التاريخ المعاصر وأصبحت تمثل بؤرته؟ وكيف يمكن تحريك المجتمع الدولي في اتجاه معاكس يكون المعادل الموضوعي في مواجهة سيادة الظلم الإنساني المدعوم بنوازع الوحشية والبربرية؟ وكيف تبرأ السياسة العالمية المعاصرة من جدليات الكذب وتتعافى من استراتيجيات الدمار؟ وكيف يحوم المجتمع الدولي في دوائر تناقضية صارخة إزاء الفعل الإرهابي ومجهولية فاعله؟ وكيف تم التعامل مع الإسلام كأحد أهم روافد الفعل الإرهابي؟ وما هو الموقف الرائد إزاء تلك المغالطة والفرية الكبرى ذات الانعكاسات المباشرة سياسياً وثقافياً وعقائدياً واجتماعياً؟ وهل يمكن التصدي لكل ذلك بطرح استراتيجية ذات بعد إسلامي تكون فاعلة في تفكيك شفرات أزمة الإنسان المعاصر والمآزق الآنية للمجتمع الدولي؟

وإذا كانت المبادئ الاستراتيجية تحتم على أطرافها إقامة معادلة لها بعدان هما: تقوية الذات وإضعاف الآخر، فإن الكتلة العربية بدأت باتجاه إضعاف الذات وتقوية الآخر على غرار بروز تجليات التصارع الفلسطيني وتفكيك الوحدة العضوية سياسياً واستراتيجياً على مدار عقود، كان باعثاً قوياً لدعم ذلك المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي الذي قال عنه بن غوريون إن تأسيس دولة يهودية جزئية ليست النهاية، بل هي مجرد البداية. وهو ما أكده أيضاً ناحوم غولدمان قائلاً: «لم يختر اليهود فلسطين لمعناها التوراتي والديني بالنسبة إليهم، بل لأن فلسطين هي ملتقى أوروبا وآسيا وأفريقيا».

كل ذلك كان تحت مظلة التخاذل العربي الذي آثر التفاوض على المواجهة، ودافع عن شيوع لغة السلام... لكن مع من؟ إنها مع ذلك الآخر المتربص المعتبر أن السلام هو أداة إعاقة لمشروع الابتزاز التاريخي والجغرافي والأيديولوجي والعقائدي الذي سيطر على قرابة مئتي مستعمرة ويتطلع نحو المزيد. في وقت لا تزال الجبهة العربية توقن أن مأساة فلسطين انبثقت من مؤتمر بازل ووعد بلفور، وأن السلام خيار استراتيجي، بينما العلاقات الاستراتيجية الأميركية مع الدولة العبرية بلغت أوجها بدخولها منظومة الدرع الصاروخية، تلك التي أهلتها نحو انفرادية طائشة خوَّلت لها ذلك الفعل الأخرق بإغلاق أبواب الأقصى ومنع المصلين واحتجاز حراسه ومنع مفتي القدس من دخوله وانتشار أفراد الشرطة الإسرائيلية داخله بحثاً عن أسلحة وذخائر. كل ذلك على إثر واقعة غبية تمثَّلت في هجوم فلسطيني أسفر عن مقتل منفذيه وعنصرين من الشرطة الإسرائيلية. لكن ما هو وزن المذابح الصهيونية لأكثر من نصف قرن تجاه هذين العنصرين؟ ولعل فعلة إغلاق الأقصى تلك –باعتبارها تحولاً جذرياً في منعطفات القضية- قد تجر على الدولة العبرية كوارث كثيرة، أولها إثارة أزمة دولية بسبب التهتك السياسي، يعقبها التعجيل بالمواجهة المنطلقة من انتهاك المقدسات الإسلامية وهو بالضرورة يعد دافعاً قوياً لإشعال فتيل حرب دينية تجنبها العرب كثيراً لكن الآن وقد أخذ إصرار الدولة العبرية منحى تصاعدياً يصعب رده إلى طابعه الأفقي إلا حين تدرك تلك الدولة المختلقة أنه إذا كان للضعف فضيلة. فيكفي أن يستفز صاحبه على استحضار مكامن القوة والغلبة لأن تاريخ الاعتداءات على الأقصى قد ترك بصمات قاتمة على الذات الإسلامية وأن حركة التاريخ لن تظل على وتيرة واحدة مهما علت نبرات الترويع النووي.

محمد حسين أبو العلا 

* كاتب مصري